لا شك أن الإمام أحمد -رحمه الله- مجتهد مُطلق، والإمام أبو حنيفة -رحمه الله- مجتهد مُطلق، والإمام مالك -رحمه الله- مجتهد مُطلق، والإمام الشافعي -رحمه الله- مجتهد مُطلق، وهناك أئمة مجتهدون تنطبق عليهم شروط الاجتهاد المُطلق، بمعنى أنهم لا يقتدون بغيرهم من العلماء تقليدًا لهم، فقد يوافقون غيرهم من العلماء، لكن لا يعني أنهم يأخذون قول غيرهم من غير نظر في دليله، فهذا المجتهد المُطلق الذي ينظر في المسائل كلها من خلال نصوص الكتاب والسنة والقواعد العامة للشريعة، ويتوصَّل إلى الراجح بدليله بنفسه، من غير نظر في مذهب بعينه، أو إمام بخصوصه، هذا المجتهد المُطلق يُقابله مجتهد المذهب، وهو أنه يجتهد وينظر في نصوص الإمام، ويوازن بينها، ويُرجِّح بينها من خلال الدليل، لكنه لا يخرج عن روايات هذا المذهب وأقواله، فهو يجتهد في المذهب.
وعلى كل حال الاجتهاد له شروط، وهو أيضًا متيسِّر لمن يسَّره الله عليه، وسلك الجادَّة من أولها، على الطريقة المشروحة عند أهل العلم، وليس بمستحيل، ومع ذلك ليس بالسهل، بحيث يتطاول عليه أوساط الناس، والمبتدئون، وأشباه العوام، فيجتهدون اجتهادات ويشذُّون بأقوال. المقصود أن الاجتهاد إذا تأهَّل له الإنسان فهو فرضه، أما إذا لم يتأهَّل فحكمه حكم العامي، وفرضه تقليد أهل العلم وسؤالهم، والله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
تقول: (وكيف يظهر اجتهاد الإمام أبي داود في سننه؟)، اجتهاد أبي داود في سننه يظهر من خلال التراجم التي يُترجِم بها على الأحاديث، فهي فقهه، وهي استنباطه، وأيضًا في التعقيبات التي يُعقِّب بها الأحاديث، ففي مثل هذا يظهر اجتهاده.