قد يكون أكثر من إمام في عصر واحد، ولا يتسنَّى لهم اللقاء، إلَّا أن هذا نادر مع اعتمادهم الرحلة، وحثِّهم عليها، وأنها سنة من سننهم، فالذي يغلب على الظن أنهما -رحمهما الله- التقيا، لكن لماذا لم يُخرِّج أبو داود عن ابن ماجه، أو يُخرِّج ابن ماجه عن أبي داود؟ هو لم يَحتج إلى التخريج عن أبي داود، ولا العكس، ومع ذلك يُلحظ في تصرفات أهل العلم أن مَن صنَّف وجمع أحاديثه ودوَّنها في كتاب، أو كان له تلاميذ فيهم كثرة يحملون علمه، أنهم لا يُعنون بأحاديثه؛ لأنهم ضَمِنوا حفظ هذه الأحاديث، وقصدهم من التصنيف حفظ السنة، فمرويات ابن ماجه محفوظة مدوَّنة في كتابه، فليس أبو داود بحاجة إلى إدخالها في كتابه، وكذلك العكس. وبهذا يُجاب عن الإمام البخاري -رحمه الله- لماذا لم يروِ عن الإمام الشافعي -رحمه الله-؟ فالشافعي له طلاب، وله مصنفات حُفظ علمه فيها، فليس بحاجة إلى أن يحفظ علم الشافعي ويودعه في كتابه، على أنه وَجد نظير مروياته عند غيره بأعلى إسناد مما هي عند الشافعي. وكذلك لم يروِ عن الإمام أحمد -رحمه الله- إلَّا حديثين فقط، فتُعدُّ روايته عنه نادرة بالنسبة لإمامة الإمام أحمد، وله ذِكر في (صحيح البخاري)، لكنه نادر، والسبب ما ذكرنا.