أما بالنسبة لهم فلسنا بحاجة إلى أن نتعرَّض لأشخاصهم، إنما يتعرَّض أهل العلم لحُكم المسألة، أما أشخاصهم فلا حاجة لنا بها؛ لأن المسألة مسألة بيان حق، وبيان الحق يتمُّ بدون التعرُّض للأشخاص، نعم إذا كثُرت الشواذ في فتاوى بعض الناس فمثل هذا يُمنع من قِبل ولي الأمر؛ لئلا يَغترَّ به مَن لا علم عنده، وأهل العلم من المحدِّثين وغيرهم في قواعد الجرح والتعديل ذكروا أن جرح الرواة ليس من الغيبة، ثم سردوا لذلك نظائر، وأن مَن تَكثُر الشواذ في فتاويه فإن ذكر اسمه لا يُعدُّ من الغيبة، ولو اقتضى الأمر أو تطلَّب أن يَفهم بعضُ الناس من الكلام في هذه الشواذ أن اعتماده لهذه الشواذ نقصٌ فيه، فيُتنقَّص من هذه الحيثية، لا لذاته، وإنما لاعتماده وقصده لهذه الشواذ من أقوال أهل العلم.
وأما الغناء فإنه حرام مقرَّر عند جماهير أهل العلم، وفيه الأحاديث الصحيحة الصريحة، خلافًا لمن قال: إنه لا يصح فيه حديث، بل تجاوَز ابنُ حزمٍ -رحمه الله- ذلك فقال: كلُّ ما ورد في الباب فهو موضوع، وجاء فيه حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -رضي الله عنه- عند البخاري وغيره: «ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحِلُّون الحِر والحرير، والخمر والمعازف» [5590]، «يستحِلُّون»: يجعلون الحرام حلالًا، فالغناء والمعازف حرام، وورد في ذلك نصوص أخرى، لكن هذا في الصحيح، وإن رواه الإمام البخاري -رحمه الله- بصيغة (قال)، وأراد أن يَنفذ إلى الكلام في هذا الحديث من هذه الجهة، فيقول: لو كان متَّصلًا عند الإمام البخاري لقال: (حدَّثنا)، كما يقول في بقية الأحاديث، لكن الحديث ليس بمتَّصل، ولذلك قال: (قال هشام بن عمَّار)! وهشام بن عمَّار -رحمه الله- من شيوخ الإمام البخاري، لقيه، وسمعه، وشافهه، وحدَّث عنه، وأخبر عنه بصيغة التحديث في خمسة مواضع من صحيحه. وصيغة (قال) عند أهل العلم حكمها حكم العَنْعَنَة، كأنه قال: (عن هشام بن عمَّار)، وهي محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم، من شرط البخاري في السند المُعَنْعَن:
- أن يكون قد لقي ذلك الراوي وسمع منه، وهذا شرط متحقِّق.
- وأن يكون الراوي بصيغة العَنْعَنَة وفي حكمها (قال) بعيدًا عن وصمة التدليس. وقال ابن القيم- رحمه الله- بالنسبة للبخاري: (إنه أبعد خلق الله عن التدليس)، ولو قال: (إنه من أبعد خلق الله) لكانت العبارة أدق، فالحديث محمول على الاتصال.
..............أما الذي |
|
لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي |
عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ |
|
لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ |