الأثر المترتب على طلب العلم الشرعي العمل؛ لأن العمل هو الثمرة المرجوة من العلم، والعلم بلا عمل لا قيمة له كما قال أهل العلم: إنه كالشجرة بلا ثمر، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، ولا شك أن أعظم ما يثبت به العلم العمل، وإذا كان العلم مجردًا عن العمل فإنه لا قيمة له، بل قد يكون ضررًا على صاحبه لا سيما إذا كان المتروكُ من العمل واجبًا، أو المُرتكَبُ منه محظورًا، فإن هذا أشد مما يرتكبه الجهال؛ لقيام الحجة على العلماء وطلاب العلم، وبعض أهل العلم ينازع في تسميته علمًا إذا تجرَّد عن العمل، فمَن تعلَّم فلم يعمل وخالف ما تعلَّم إما بترك مأمور أو بفعل محظور يقول أهل العلم: إن هذا ليس من أهل العلم، وليس من العلماء، وفي الحديث: «يحمل هذا العلم مِن كل خَلَفٍ عُدُولُه» [مسند البزار: 9423]، فدل على أن العلم الشرعي المورِث للخشية الموروث عن الأنبياء إنما حملته ورثة الأنبياء الذين هم العدول، أما إذا حمله غير العدول فإنه لا يسمى علمًا.
وابن عبد البر يبالغ في أن كل من حمل العلم فهو عدل، يقول الحافظ العراقي:
ولابنِ عبدِ البرِّ كلُّ مَن عُني . |
| بحملهِ العلمَ ولمْ يُوَهَّنِ |
فإنه عدلٌ بقولِ المصطفى: |
| (يحملُ هذا العلمَ)، لكن خُولفا |
أي: خولف ابن عبد البر في هذا باعتبار أنه وُجد مَن يحمل هذا العلم وليس من العدول بل من الفساق. وفي قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: ١٧]، الحصر في التوبة للذين يعملون السوء بجهالة، مفهومها أن الذي يعمل السوء بعلم لا توبة له، فمَن عَلِم حُكمَ الخمر وأنه محرم، أو عَلِم حُكمَ الربا أو حُكمَ الزنا وأنه محرم وعرف الأدلة على ذلك تُقبل توبته أو لا تقبل؟ على هذه الآية لا تُقبل، مما يدل على أن كل من عمل السوء فهو جاهل ولو عَرَفَ الحكم؛ لإجماع أهل العلم أن لمثل هؤلاء توبة، ولو حملناها على ظاهرها وقلنا: إن ما يحمله الفساقُ علم، قلنا: إن هؤلاء لا توبة لهم، لكن لإجماع أهل العلم أن لهم توبة دل على أن ما يحمله الفساق ليس بعلم، ولو اشتهروا بين الناس ولو تعلَّموا وعلَّموا ما لم يعملوا، فالثمرة المرجوة من العلم هي العمل، فإذا تجرد عن العمل فإنه جدير بألَّا يسمى علمًا، والله أعلم.