التعليق على تفسير القرطبي - سورة النمل (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:
“قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)} [سورة النمل:45-47].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [سورة النمل:45] تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ. {فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} [سورة النمل:45] قَالَ مُجَاهِدٌ:..”
والمراد بالأخوة هنا {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ} [سورة النمل:45] أخوة نسب وليست أخوة دين، وأمرهم إيَّاهم بالعبادة التي من أجلها خُلِقَ الثقلان الجن والإنس وهذه دعوة جميع الرسل وتقدم معناه في مواضع متعددة نعم.
“{فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} [سورة النمل:45] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، قَالَ: وَالْخُصُومَةُ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ}[سورة الأعراف:75] إِلَى قَوْلِهِ: {كافِرُونَ} [سورة الأعراف:76]. وَقِيلَ: تَخَاصُمُهُمْ أَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ قَالَتْ: نَحْنُ عَلَى الْحَقِّ دُونَكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [سورة النمل:46] قَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْعَذَابِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ، والْمَعْنَى: لِمَ تُؤَخِّرُونَ الْإِيمَانَ الَّذِي يَجْلِبُ إِلَيْكُمُ الثَّوَابَ، وَتُقَدِّمُونَ الْكُفْرَ الَّذِي يُوجِبُ الْعِقَابَ، فَكَانَ الْكُفَّارُ يَقُولُونَ لِفَرْطِ الْإِنْكَارِ: ايتِنَا بِالْعَذَابِ. وَقِيلَ: أَيْ لِمَ تَفْعَلُونَ مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ العقاب، لا أنهم التمسوا تعجيل العذاب.”
إنَّما فعلوا السبب الذي يوجب عليهم العقاب والعذاب، فهم باشروا السبب فكأنَّهم استعجلوا المسبب.
“{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [سورة النمل:46] أَيْ هَلَّا تَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ مِنَ الشِّرْكِ. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة النمل:46] لِكَيْ تُرْحَمُوا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [سورة النمل:47] أي تشاءمنا، والشؤم النحس. ولا شيء أَضَرَّ بِالرَّأْيِ وَلَا أَفْسَدَ لِلتَّدْبِيرِ مِنَ اعْتِقَادِ الطِّيَرَةِ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ خُوَارَ بَقَرَةٍ أَوْ نَعِيقَ غُرَابٍ يَرُدُّ قَضَاءً، أَوْ يَدْفَعُ مَقْدُورًا فَقَدْ جَهِلَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
طِيَرَةُ الدَّهْرِ لَا تَرُدُّ قَضَاءً | فَاعْذُرِ الدَّهْرَ لَا تَشُبْهُ بِلَوْمِ |
أَيُّ يَوْمٍ يَخُصُّهُ بِسُعُودٍ | وَالْمَنَايَا يَنْزِلْنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ |
لَيْسَ يَوْمٌ إِلَّا وَفِيهِ سُعُودٌ | وَنُحُوسٌ تَجْرِي لِقَوْمٍ فَقَوْمِ |
وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ أَكْثَرَ النَّاسِ طِيَرَةً، وَكَانَتْ إِذَا أَرَادَتْ سَفَرًا نَفَّرَتْ طَائِرًا، فَإِذَا طَارَ يَمْنَةً سَارَتْ وَتَيَمَّنَتْ، وَإِنْ طَارَ شِمَالًا رَجَعَتْ وَتَشَاءَمَتْ، فَنَهَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وَكْنَاتِهَا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (الْمَائِدَةِ).”
وجاء في الحديث «إنَّ الطيرة شرك»، الطيرة شرك؛ لأنَّ فيها شيئًا من صرف التدبير إلى غير الله- جلَّ وعلا- لهذه الطيور فهي شرك، نعم.
“ {قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [سورة النمل:47] أَيْ مَصَائِبُكُمْ. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [سورة النمل:47] أَيْ تمتحنون. وقيل: تعذبون بذنوبكم.
قوله تعالى: {وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ} [سورة النمل:48] أَيْ فِي مَدِينَةِ صَالِحٍ وَهِيَ الْحِجْرُ {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [سورة النمل:48] أَيْ تِسْعَةُ رِجَالٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِهِمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ. كَانَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةُ عُظَمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَأْمُرُونَ بالفساد، فجلسوا عِنْدَ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَلَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْرِضُونَ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، وَذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ،وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ.”
لا شك أنَّ هذا نوع من الفساد، لكن من أنواع الفساد ما هو أشد منه ضررًا، وقرض الدراهم والدنانير؛ لأنَّها كانت من الذهب والفضة، فيقرض منها الشيء اليسير الذي لا يشعر به المتعامل ولا شك أنَّ هذا درب من الفساد وفي حكمه تزييف العملات، في حكمه تزييف العملات بل أشد منه؛ لأنَّ هذا نقص في العملة، القرض من الذهب والفضة من الدراهم والدنانير لا شك أنَّه نقص بحيث إذا وزنت وجدت ناقصة، لكن تزييف العملات لا شك أنَّ هذا أشد ضررًا؛ لأنَّه تضييع لهذه العملة، تضييعٌ لها.
“وَقِيلَ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ عَوْرَاتِ النَّاسِ وَلَا يَسْتُرُونَ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا. وَاللَّازِمُ مِنَ الْآيَةِ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَوْجَهِ الْقَوْمِ وَأَقْنَاهُمْ وَأَغْنَاهُمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كُفْرٍ وَمَعَاصٍ جَمَّةٍ، وَجُمْلَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ وَلَا يُصْلِحُونَ. وَالرَّهْطُ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ، فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا رُؤَسَاءُ يَتَّبِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَهْطٌ. وَالْجَمْعُ أَرْهُطٌ وَأَرَاهِطٌ. قَالَ:
يَا بُؤْسٌ لِلْحَرْبِ الَّتِي | وَضَعَتْ أَرَاهِطَ فَاسْتَرَاحُوا |
وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ كَانُوا أَصْحَابَ قُدَارٍ عَاقِرِ النَّاقَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قُلْتُ: وَاخْتُلِفَ فِي أَسْمَائِهِمْ، فَقَالَ الْغَزْنَوِيُّ: وَأَسْمَاؤُهُمْ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمِصْدَعٌ وَأَسْلَمُ..”
الاشتغال الاشتغال بتتبع أسمائهم من كتب التفاسير والتواريخ لا يترتب عليه فائدة ولا مصلحة؛ ولذلك لا تجدهم يتفقون على اسم واحد، إن اتفقوا في الاسم اختلفوا في الأب، إن اختلفوا في الأب حرفوا الاسم، ولو كان معرفة أسمائهم مما ينتفع به المكلف لذكرهم الله- جلَّ وعلا-. وقد سودت كتب التواريخ وبعض التفاسير بأسمائهم مع اختلافها بالصفحات.
“وَأَسْمَاؤُهُمْ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمِصْدَعٌ وَأَسْلَمُ وَدَسَمَا وَذُهَيْمٌ وَذِعْمَا وَذِعْيَمٌ وَقِتَالٌ وَصَدَاقٌ. قال ابْنُ إِسْحَاقَ: رَأْسُهُمْ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ ومصدع ابن مهرع، فَاتَّبَعَهُمْ سَبْعَةٌ، هُمْ بَلَعُ بْنُ مَيْلَعٍ وَدَعِيرُ بْنُ غَنْمٍ وَذُؤَابُ بْنُ مُهَرِّجٍ وَأَرْبَعَةٌ لَمْ تُعْرَفْ أَسْمَاؤُهُمْ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَسْمَاءَهُمْ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: الْهُذُيْلُ بْنُ عَبْدِ رَبٍّ،..”
هذه الأسماء كلها متلقاة عن أهل الكتب التي لا تصدق ولا تكذب، لكن لا يترتب على التشاغل بها مصلحة.
“وغَنْمُ بن غنم، ورئاب بْنُ مُهَرِّجٍ، ومُصَدِّعُ بْنُ مُهَرِّجٍ، وعُمَيْرُ بْنُ كَرْدَبَةَ، وعَاصِمُ بْنُ مَخْرَمَةَ،و سُبَيْطُ بْنُ صَدَقَةَ، وسَمْعَانُ بْنُ صَفِيٍّ، وقُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ، وَكَانُوا عُتَاةَ قَوْمِ صَالِحٍ، وَكَانُوا مِنْ أَبْنَاءِ أَشْرَافِهِمْ. قال السُّهَيْلِيُّ: ذَكَرَ النَّقَّاشُ التِّسْعَةَ الَّذِينَ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، وَسَمَّاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ بِرِوَايَةٍ، غَيْرَ أَنِّي أَذْكُرُهُ عَلَى وَجْهِ الاجتهاد
وَالتَّخْمِينِ، وَلَكِنْ نَذْكُرُهُ عَلَى مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، وَهُمْ: مُصَدَّعُ بْنُ دَهْرٍ. وَيُقَالُ دَهْمٍ، وَقُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَهُرَيْمٌ وصواب ورئاب وَدَابٌّ وَدَعْمًا وَهَرْمًا وَدُعَيْنُ بْنُ عُمَيْرٍ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَسْمَاءَهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: هُمْ دَعْمَا وَدُعَيْمٌ وَهَرْمَا وَهُرَيْمٌ وَدَابٌّ وصواب ورئاب وَمِسْطَحٌ وَقُدَارٌ، وَكَانُوا بِأَرْضِ الْحِجْرِ وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [سورة النمل:49] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {تَقاسَمُوا} فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ أَمْرٌ، أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ احْلِفُوا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا فِي مَعْنَى الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: قَالُوا مُتَقَاسِمِينَ بِاللَّهِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ: "يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ" وَلَيْسَ فِيهَا (قالُوا).”
هو إمَّا أمر أو خبر، {تَقاسَمُوا} يصلح أن يكون أمرًا وأن يكون خبرًا، الصيغة صالحة لها.
طالب: الحجر من أرض الشام؟
كل ما كان شمال الحجاز يُسمَّى شام لكنه في الحدود الجغرافية الحديثة لا ليس من الأرض الشام، إنَّما هو من أرض الجزيرة.
طالب:..........
على الخلاف في المراد بالجزيرة، يُقال الجزيرة الحدود المعروفة الكاملة بالبحر وما يسامته هذا يدخل.
“{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} [سورة النمل:49] قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنُّونِ فِيهِمَا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: بِالتَّاءِ فِيهِمَا، وَضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ أَنَّهُمْ تَخَاطَبُوا بِذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ بِالْيَاءِ فِيهِمَا، وَضَمِّ الْيَاءِ وَاللَّامِ عَلَى الْخَبَرِ. وَالْبَيَاتُ مُبَاغَتَةُ الْعَدُوِّ لَيْلًا. وَمَعْنَى {لِوَلِيِّهِ} أَيْ لِرَهْطِ صَالِحٍ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الدَّمِ. {مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} [سورة النمل:49] أَيْ مَا حَضَرْنَا، وَلَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ..”
مضبوطة؟ مُهْلَك.
“ {مَا شَهِدْنا مُهْلَكَ أَهْلِهِ} [سورة النمل:49] أَيْ مَا حَضَرْنَا، وَلَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ..”
نبهنا مرارًا أنَّ أشياء المفسر- رحمه الله- قراءته تختلف عن قراءة عاصم، ويُثبت في التفسير قراءته، يعني طريقة المغاربة والذين أدخلوا الآيات في التفسير أدخلوها على قراءة عاصم، فتجد ما أدخلوه في التفسير يعني أصل الكتاب مجرد عن الآيات، لكن الذين طبعوه أدخلوا الآيات فيذكرون آيتين ثلاث أو آية طويلة أو أربع آيات ثم يذكرون تفسير المؤلف- رحمه الله- عليها، وكلامه عليها، فهم يثبتون خلاف ما يثبت هو، وهذا لا شك أنَّه خلل، وسببه شؤم التصرف في كتب أهل العلم، وإلا فالأصل أنَّه ليس فيه آيات، فإذا تصرف الإنسان مثل هذا التصرف عليه أن يأتي بما يُطابق التفسير في كتب التفسير، أو يُطابق الشرح في كتب الحديث؛ لأنَّ الأصل مثل هذا فتح الباري ليس فيه متن، مجرد من المتن والحافظ نص على ذلك، ومع ذلك تصرفوا وأدخلوا المتن، وأدخلوا روايات غير موافقة لرواية أبي ذر، فتجد طالب العلم يحصل لديه إشكال، كيف يقول الحافظ قوله كذا وهي لا توجد في المتن، أو يترك شيئًا في المتن، أو يضبط شيئًا في الشرح يختلف عما في المتن. فإمَّا أن تترك الكتب على ما وضعها مؤلفوها وهذا هو الأصل والأصح، وإذا حصل مثل هذا التصرف خدمة للكتاب مثلًا الآيات يحتاجها طالب العلم، والمتن يحتاجه في الشرح، لكن مع ذلك يوضع في الحاشية لا يُدخل في صلب الكتاب.
الأمر الثاني: أنَّه ينبغي أن يتقيد بالرواية التي يعتمد عليها المؤلف؛ لئلا يحصل اضطراب عند الطالب، ومثله ما معناه.
“{مَا شَهِدْنا مُهْلَكَ أَهْلِهِ} [سورة النمل:49] أَيْ مَا حَضَرْنَا، وَلَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ وقتل أهله. {وَإِنَّا لَصادِقُونَ} [سورة النمل:49] في إنكارنا لقتله. والمهلك بمعنى الإهلاك، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعَ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَالسُّلَمِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ أَيِ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَرَبَ يَضْرِبُ مَضْرَبًا أَيْ ضَرْبًا. وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ وَأَبُو بَكْرٍ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَجَرِّ اللَّامِ”
شوف الآن قرأ عاصم والسلمي بفتح الميم واللام "مَهْلَك" نعم، وقرأ المفضل وأبو بكر بفتح الميم وجر اللام "مَهلِك".
طالب: وعاصم.
عاصم هذه في بعض النسخ، هذه توجد في بعض النسخ دون بعض.
طالب:..........
في الأصول وقرأ حفص، وحفص يقرأ بفتح الميم وكسر الميم مثل قراءة المفضل وأبي بكر، فتح الميم وجر اللام.
طالب:.........
ونحن معولنا وعمدتنا على الطبعة الأولى طبعة دار الكتب المصرية، وهي مصورة دار الكتب المصرية؛ لأنَّها تجتمع بدار الكتب العلمية، لا هي دار الكتب المصرية، لكن ظهر تحقيقات وعليها تخريجات نافعة ما يستغني عنها الطالب ولعل من أفضلها طبعة الشيخ/ عبد الله التركي، عبد الله بن عبد المحسن التركي، ظهرت ومحققة ومخرجة الأحاديث ينتفع بها طالب العلم.
“وَقَرَأَ الْمُفَضَّلُ وَأَبُو بَكْرٍ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَجَرِّ اللَّامِ فَيَكُونُ اسْمُ الْمَكَانِ كَالْمَجْلِسِ لِمَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [سورة الأنعام:60] أَيْ رُجُوعُكُمْ.
قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [سورة النمل:50] مَكْرُهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ لَمَّا كَانَ فِي صَدْرِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ عَقْرِ النَّاقَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ صَالِحٌ بِمَجِيءِ الْعَذَابِ، اتَّفَقُوا وَتَحَالَفُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا دَارَ صَالِحٍ لَيْلًا وَيَقْتُلُوهُ وَأَهْلَهُ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ، قَالُوا: فَإِذَا كَانَ كَاذِبًا فِي وَعِيدِهِ أَوْقَعْنَا بِهِ مَا يَسْتَحِقُّ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا كُنَّا عَجَّلْنَاهُ قَبْلَنَا، وَشَفَيْنَا نُفُوسَنَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَامْتَلَأَتْ بِهِمْ دَارُ صَالِحٍ، فَأَتَى التِّسْعَةُ دَارَ صَالِحٍ شاهرين سيوفهم، فقتلتهم الْمَلَائِكَةُ رَضْخًا بِالْحِجَارَةِ فَيَرَوْنَ الْحِجَارَةَ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَرْمِيهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: خَرَجُوا مُسْرِعِينَ إِلَى صَالِحٍ، فَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ مَلَكٌ بِيَدِهِ صَخْرَةٌ فَقَتَلَهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلُوا عَلَى جُرُفٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَانْهَارَ بِهِمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَحْتَهُ. وَقِيلَ: اخْتَفَوْا فِي غَارٍ قَرِيبٍ مِنْ دَارِ صَالِحٍ، فَانْحَدَرَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ شَدَخَتْهُمْ جَمِيعًا، فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ مَكْرِهِمْ. وَمَكْرُ اللَّهِ مُجَازَاتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.”
صفة المكر، صفة المكر لله- جلَّ وعلا- والكيد هذه ثابتة بنصوص الكتاب والسُّنَّة على ما يليق بجلاله وعظمته منزهًا عما يتصف به المخلوق من مكر وكيد وخداع؛ لأنَّ هذه صفات نقص بالنسبة للمخلوق، وهي للخالق صفات كمال.
طالب:.........
أي، بعضهم لا يثبت مثل هذه الصفات، لا يثبت مثل هذه الصفات والخلاف فيها معروف، ويكون التعبير من باب المجانسة مش التعبير بالمشاكلة، لكن المتج إثباتها، مادام الله- جلَّ وعلا- نسبها إلى نفسه فما المانع من أن تُنسب إليه على ما يليق بجلاله وعظمته.
طالب:..........
هي ما جاءت إلا هكذا، النصوص ما جاءت إلا هكذا «فإنَّ الله لا يمل حتى تملوا»، يعني ما يُذكر الملل على أنَّه صفة مستقلة ابتداءًا حتى يُذكر ملل الإنسان.
“{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة النمل:51] أَيْ بِالصَّيْحَةِ الَّتِي أَهْلَكَتْهُمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ كَانَ بِصَيْحَةِ جِبْرِيلَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التِّسْعَةَ هَلَكُوا بِعَذَابٍ مُفْرَدٍ، ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقُونَ بِالصَّيْحَةِ وَالدَّمْدَمَةِ. وَكَانَ الْأَعْمَشُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَقْرَءُونَ: (أَنَّا) بِالْفَتْحِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى {عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ}؛ لِأَنَّ {أَنَّا دَمَّرْناهُمْ} خَبَرُ كَانَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الْإِتْبَاعِ لِلْعَاقِبَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ، وَخَفْضٍ مِنْ قَوْلِ الْكِسَائِيِّ عَلَى مَعْنَى: بِأَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ، وَلِأَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ. وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْإِتْبَاعِ لِمَوْضِعِ (كَيْفَ)”
كيف مبني على الفتح في موضع نصب، مفعول انظر، كيف منظور.
“فَمِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى {مَكْرِهِمْ}. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى {مَكْرِهِمْ}. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُنْصَبَ {عاقِبَةُ} عَلَى خَبَرِ (كانَ) وَيَكُونُ (إِنَّا) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ (كانَ).”
يعني {عَاقِبَةَ} خبر كان مقدم، و{إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} الجملة في محل رفع اسمها.
“وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ تَبْيِينًا لِلْعَاقِبَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: هِيَ إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ" أَنْ دَمَّرْنَاهُمْ" تَصْدِيقًا لفتحها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} [سورة النمل:52] قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ الْفَرَّاءِ..”
أبو الحاتم الذي مرَّ ذكره مرارً يُراد به أبو حاتم السجستاني اللغوي المعروف.
“ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ الْفَرَّاءِ وَالنَّحَّاسِ، أَيْ خَالِيَةً مِنْ أَهْلِهَا خَرَابًا لَيْسَ بِهَا سَاكِنٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: {خَاوِيَةً} نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ، مَجَازُهُ: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمُ الْخَاوِيَةُ، فَلَمَّا قُطِعَ مِنْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، كَقَوْلِهِ: {وَلَهُ الدِّينُ واصِباً} [سورة النحل:52]. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ..”
الأصل أنَّها وصف، الأصل أنَّها وصف ويجوز أن تكون حالًا على كلامهم على القطع، مادام المنعوت {بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً} المنعوت معرفة، والنعت نكرة، لمَّا نُكِّر اللفظ جاز أن يكون منصوبًا على الحال وكأنَّ هذا أظهر؛ لأنَّ المعرفة بحاجة إلى معرفة حاله أكثر من معرفة وصفه؛ لأنَّه مستغنىٍ بالتعريف عن الوصف.
“وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَالْجَحْدَرِيُّ: بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ عَنْ {تِلْكَ}، وَ{بُيُوتُهُمْ} بَدَلٌ مِنْ {تِلْكَ}. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ {بُيُوتُهُمْ} عَطْفُ بَيَانٍ وَ {خاوِيَةً} خَبَرٌ عَنْ {تِلْكَ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رُفِعُ {خاوِيَةً} عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هِيَ خَاوِيَةٌ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ {بُيُوتُهُمْ}؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ تُبْدَلُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة النمل:52-53]بِصَالِحٍ {وَكانُوا يَتَّقُونَ} [سورة النمل:53] اللَّهَ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ. قِيلَ: آمَنَ بِصَالِحٍ قَدْرُ أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَالْبَاقُونَ خَرَجَ بِأَبْدَانِهِمْ- فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَغَيْرِهِ- خُرَّاجٌ مِثْلَ الْحِمَّصِ، وَكَانَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَحْمَرَ، ثُمَّ صَارَ مِنَ الْغَدِ أَصْفَرَ، ثُمَّ صَارَ فِي الثَّالِثِ أَسْوَدَ. وَكَانَ عَقْرُ النَّاقَةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءَ، وَهَلَاكُهُمْ يَوْمَ الْأَحَدِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: فُقِعَتْ تِلْكَ الْخُرَّاجَاتُ، وَصَاحَ جِبْرِيلُ بِهِمْ خِلَالَ ذَلِكَ صَيْحَةً فَخَمَدُوا، وَكَانَ ذَلِكَ ضَحْوَةً. وَخَرَجَ صَالِحٌ بِمَنْ آمَنَ مَعَهُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلَمَّا دَخَلَهَا مَاتَ صَالِحٌ، فَسُمِّيَتْ حَضْرَمَوْتُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: ثُمَّ بَنَى الْأَرْبَعَةُ الْآلَافِ مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا حَاضُورًا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ أصحاب الرس.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} [سورة النمل:54] أَيْ وَأَرْسَلْنَا لُوطًا، أَوِ اذْكُرْ لُوطًا. {إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} [سورة النمل:54]وهم أهل سدوم. وقال لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ} [سورة النمل:54]”
التقدير عند عامة المفسرين في مثل هذا "اذكر"، "اذكر يا محمد لوطًا إذا قال لقومه"، يعني اذكر لهم ما بلغك وما أوحي إليك من خبر لوط حينما قال لقومه، وإذا عُطف على ما تقد فيُقال كما أرسلنا صالح إلى قومه، أرسلنا لوطًا.
“وقال لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ} [سورة النمل:54] الْفَعْلَةَ الْقَبِيحَةَ الشَّنِيعَةَ. {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [سورة النمل:54] أَنَّهَا فَاحِشَةٌ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ لِذُنُوبِكُمْ. وَقِيلَ: يَأْتِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. وَكَانُوا لَا يستترون عتوًا منهم وتمردا. {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ} [سورة النمل:55]”
كما قال الله- جلَّ وعلا-: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [سورة العنكبوت:29] يعني في مجتمعاتكم تأتون المنكر علنًا بينكم من غير استتار، من غير حياء، لا من الله- جلَّ وعلا-، ولا من الناس هذا غاية في الشر- نسأل الله السلامة والعافية-.
“أَعَادَ ذكرها لفرط قبحها وشنعتها. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [سورة النمل:55] إِمَّا أَمْرَ التَّحْرِيمِ أَوِ الْعُقُوبَةَ. وَاخْتِيَارُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ الثانية من (أإنكم) فَأَمَّا الْخَطُّ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ يُكْتَبَ بِأَلِفَيْنِ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا هَمْزَةٌ مُبْتَدَأَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [سورة النمل:56] أَيْ عَنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ. يَقُولُونَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَابُوهُمْ وَاللَّهِ بِغَيْرِ عَيْبٍ بِأَنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَعْمَالِ السُّوءِ. {فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ} [سورة النمل:57] وَقَرَأَ عَاصِمٌ: (قَدَرْنَا) مُخَفَّفًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. يُقَالُ قَدْ قَدَرْتُ الشَّيْءَ قَدْرًا وَقَدَرًا وَقَدَّرْتُهُ. {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [سورة النمل:58] أَيْ مَنْ أُنْذِرَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْإِنْذَارَ. وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا في (الأعراف) و(هود).
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} [سورة النمل:59] قَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: قِيلَ لِلُوطٍ {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} عَلَى هَلَاكِهِمْ. وَخَالَفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْفَرَّاءَ فِي هَذَا وَقَالُوا: هُوَ مُخَاطَبَةٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيْ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هَلَاكِ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ عَلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَّا مَا لَمْ يَصِحَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، أَيْ {قُلِ} يَا مُحَمَّدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} يَعْنِي أُمَّتَهُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. قَالَ الْكَلْبِيُّ: اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانُ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.”
في قوله- جلَّ وعلا-:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} يعني هو متصل بقصة لوط فلمَّا أهلكهم الله- جلَّ وعلا-، أهلك الله قومه قيل له: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} على هذا يكون له ولغيره ممن أتم الله له النعمة، أو دفع عنه نقمة أن يحمد الله- جلَّ وعلا- على هذا، ولا يكون خاصًا به، وإن كان الخطاب موجهًا إليه. وإذا كانت القصة تمت بدون هذا الأمر، والأمر إنَّما اختص به كتابنا وهو القرآن فيكون الأمر لمحمد- عليه الصلاة والسلام- {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} [سورة النمل:59]، إمَّا أن يُراد بهم من اصطفاهم لرسالته، أو أمة محمد- عليه الصلاة والسلام- أو صحابته على وجه الخصوص الذين اصطفاهم لصحبة نبيه- عليه الصلاة والسلام-. “وَقِيلَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتْلُوَ هَذِهِ الْآيَاتِ النَّاطِقَةَ بِالْبَرَاهِينِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ على كل شيء وَحِكْمَتِهِ، وَأَنْ يَسْتَفْتِحَ بِتَحْمِيدِهِ وَالسَّلَامِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَالْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِهِ. وَفِيهِ تَعْلِيمٌ حَسَنٌ، وَتَوْقِيفٌ عَلَى أَدَبٍ جَمِيلٍ، وَبَعْثٍ عَلَى التَّيَمُّنِ بِالذِّكْرَيْنِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِمَا، وَالِاسْتِظْهَارِ بِمَكَانِهِمَا عَلَى قَبُولِ مَا يُلْقَى إِلَى السَّامِعِينَ وَإِصْغَائِهِمْ إِلَيْهِ، وَإِنْزَالِهِ مِنْ قُلُوبِهِمُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي يَبْغِيهَا الْمُسْتَمِعُ. وَلَقَدْ تَوَارَثَ الْعُلَمَاءُ وَالْخُطَبَاءُ وَالْوُعَّاظُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ هَذَا الْأَدَبَ، فَحَمِدُوا اللَّهَ وَصَلَّوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَامَ كُلِّ عِلْمٍ مُفَادٍ، وَقَبْلَ كُلِّ عِظَةٍ وَفِي مُفْتَتَحِ كُلِّ خُطْبَةٍ، وَتَبِعَهُمُ الْمُتَرَسِّلُونَ فَأَجْرَوْا عَلَيْهِ أَوَائِلَ..”
يعني من الآدباء والكُتَّاب تبعوا العلماء في هذا، والكل تبع لكتاب الله- جلَّ وعلا- الذي افتُتح بالحمد، وجاء الخبر «أنَّ كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر» وهذا اللفظ على وجه الخصوص حسنه جمع من أهل العلم، وإن حكم بعضهم على ضعفه، لكن الأصل في هذا كتاب الله- جلَّ وعلا- مفتتح بالحمد، فالكل تبعوه العلماء، الخطباء، الكُتَّاب، غيرهم.
“وَتَبِعَهُمُ الْمُتَرَسِّلُونَ فَأَجْرَوْا عَلَيْهِ أَوَائِلَ كُتُبِهِمْ فِي الْفُتُوحِ وَالتَّهَانِي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَهَا شَأْنٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اصْطَفى} [سورة النمل:59] اخْتَارَ، أَيْ لِرِسَالَتِهِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [سورة الصافات:181]. {آللَّهُ خَيْرٌ} [سورة النمل:59] وأجاز أبو حاتم "أَأَللَّهُ خَيْرٌ" بِهَمْزَتَيْنِ.”
يعني بالتحقيق، بتحقيق الهمزتين.
“قال النَّحَّاسُ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ إِنَّمَا جئ بِهَا فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، وَهَذِهِ أَلِفُ التَّوْقِيفِ، وَ {خَيْرٌ} هَاهُنَا لَيْسَ بِمَعْنَى أَفْضَلَ منك، وإنما هو مثل قول الشاعر:
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ | فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ |
فَالْمَعْنَى”
لأنَّ الطرف الثاني لا خير فيه ألبتة، الطرف الثاني لا خير فيه ألبتة، فليست خير هذه هي أفعل التفضيل، تقتضي أنَّ الطرفين فيهما خير وزاد أحدهما على الأخر فيه، كما في قوله- جلَّ وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [سورة الفرقان:24]فأصحاب النار لا خير فيهم، ولا خير عندهم، فليست خير هذه على بابها.
“فَالْمَعْنَى فَالَّذِي فِيهِ الشَّرُّ مِنْكُمَا لِلَّذِي فِيهِ الْخَيْرُ الْفِدَاءُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى (مِنْ)؛ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ شَرٌّ مِنْ فُلَانٍ فَفِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرٌّ. وَقِيلَ: المعنى، الخير في هذا أَمْ فِي هَذَا الَّذِي تُشْرِكُونَهُ فِي الْعِبَادَةِ! وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: السَّعَادَةُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمِ الشَّقَاءُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ السَّعَادَةَ أَحَبُّ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى بَابِهِ مِنَ التَّفْضِيلِ، وَالْمَعْنَى: آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا تُشْرِكُونَ، أَيْ أَثَوَابُهُ خَيْرٌ أَمْ عِقَابُ مَا تُشْرِكُونَ. وَقِيلَ: قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي عِبَادَةِ الأصنام خير فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى اعْتِقَادِهِمْ. وَقِيلَ: اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ..”
يعني على حد زعمهم أنَّ فيها خير، على حد زعمهم أنَّ فيها خير.
“وَقِيلَ: اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ: {يُشْرِكُونَ} بِيَاءٍ عَلَى الْخَبَرِ. والْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي حَاتِمٍ، فَكَانَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ: «بَلِ اللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَجَلُّ وَأَكْرَمُ». قَوْلُهُ تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} [سورة النمل:60] قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: تَقْدِيرُهُ، آلِهَتُكُمْ خَيْرٌ أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمَعْنَاهُ: قَدَرَ عَلَى خَلْقِهِنَّ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى، أَعِبَادَةُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ أَوْثَانِكُمْ خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟. فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمَعْنَى، وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْبِيخِ لَهُمْ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَعَجْزِ آلِهَتِهِمْ. {فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ} [سورة النمل:60] الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ الَّذِي عَلَيْهِ حَائِطٌ. وَالْبَهْجَةُ الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ الْمُحْظَرُ عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهُوَ الْبُسْتَانُ وَلَيْسَ بِحَدِيقَةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: الْحَدَائِقُ النَّخْلُ ذَاتُ بَهْجَةٍ، وَالْبَهْجَةُ الزِّينَةُ وَالْحُسْنُ، يُبْهَجُ بِهِ مَنْ رَآهُ. {مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} [سورة النمل:60] (مَا) لِلنَّفْيِ. وَمَعْنَاهُ الْحَظْرُ وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ هَذَا، أَيْ مَا كَانَ لِلْبَشَرِ، وَلَا يتهيأ لهم، ولا يقع تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ، أَنْ يُنْبِتُوا شَجَرَهَا، إِذْ هُمْ عَجَزَةٌ عَنْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ.”
ومن باب أولى إذا كان لهم شيء من التصرف ويعجزون عن مثل هذا، من باب أولى أن تعجز آلهتهم التي هي عبارة عن جمادات من أحجار وأشجار ونحوها.
“قُلْتُ: وَقَدْ يُسْتَدَلُّ من هذا على منع تصوير شي سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رُوحٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: وَمَنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً»“
ومن صور شيء من مخلوقات الله سواء كان ذا روح أو ليس له روح فقد ضاهي خلق الله- جلَّ وعلا-، وهذا وجه المنع المطلق للتصوير سواء كان لذوات الأرواح أو لغيرها مما هو من صنع الله- جلَّ وعلا-، ففيه مضاهاة لخلق الله. أمَّا ما كان من صنع المخلوق فلا إشكال في تصويره وهذا قول معروف عند أهل العلم، أنَّه يُمنع تصوير ما كان من خلق الله- جلَّ وعلا- سواء كانت له روح، أو لا روح له، والجمهور على أنَّ المنع إنَّما هو لذوات الأرواح؛ لأنَّه يُكلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، والجمادات والأشجار وغيرها ليست لها الروح فلا يُكلف بنفخها.
“رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:.. » فَذَكَرَهُ، فَعَمَّ بِالذَّمِّ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّقْبِيحِ كُلَّ مَنْ تعاطى تصوير شي مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ وَضَاهَاهُ فِي التَّشْبِيهِ فِي خلقه فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ هَذَا وَاضِحٌ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ تَصْوِيرَ مَا لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ يَجُوزُ هُوَ وَالِاكْتِسَابُ به. وقد قال ابن عباس للذي سأل أَنْ يَصْنَعَ الصُّوَرَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. وَالْمَنْعُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا ذَكَرْنَا.”
المنع لما له روح وما لا روح له، وهذا رأي المؤلف أنَّه يُمنع بالكلية وهو قول معروف عند أهل العلم، هذا قول معتبر عند أهل العلم، معروف؛ لأنَّه مضاهاة لخلق الله سواء كانت فيه الروح أو لا روح له ويرجحه المؤلف، والجمهور على أنَّ النهي والمنع مختص بذوات الأرواح، فأين كلام المؤلف هذا من كلام من أجاز التصوير من المفسرين معتمدًا على قول الله- جلَّ وعلا-: إذ يريكموهم قليلًا، يقول الذات لا تتغير لا بقلة ولا بكثرة ولا بصغر ولا بكبر إلا بالتصوير، يقول: ذوات الأشياء لا تتغير لا تكبر ولا تصغر، ولا تكثر ولا تقل إلا بواسطة التصوير فهذا دليل على جواز التصوير، قال هذا بعض المفسرين المعاصرين، وقال إنَّه عرضه على شيخ من شيوخ الأزهر فقال إنَّ هذا ليس بدليل على جواز التصوير، وإنَّما هو دليل على وجوبه، ضلال- نسأل الله العافية-، يعني تلاعب بكلام الله- جلَّ وعلا-، هذا هو التلاعب بكلام الله- والله المستعان-.
بعض الناس إذا كان الأمر عمَّ وكثر بين الناس وتداولوه بينهم وجبن عن إنكاره وضعف عن تركه أوجد له مبررًا ليكسبه الشرعية، ولو كان هذا المبرر لا يقره لا عقل ولا نقل، إنَّما هو مجرد احتجاج، مجرد حجة قد تطوف على بعض السفهاء، لكن مثل هذه الحجج، الحجة التي أوردها ولا الأطفال يقبلونها، ولا الأطفال يقبولونها، يعني ممن أجاز التصوير قال: إنَّ هذا هو خلق الله، ما ضاهينا خلق الله، هو نفسه، هذا هو نفسه، وهذا شبيه بخلاف المتكلمين في مسألة الاسم والمسمى، يعني هل الصورة هي الحقيقة أو غير الحقيقة؟ حينما يقول: هذه الصورة الشمسية الفوتوغرافية هي خلق الله، فإذا أحرقتها هل تقول أنَّك أحرقت خلق الله؟ يعني مثل الخلاف- أنا أنزله على الخلاف- في الاسم والمسمى من المتكلمين من يقول إنَّ الاسم عين المسمى، فإذا كتبت زيد بورقة ووضعتها في النار هل يتضرر زيد؟ لا يتضرر زيد، وإذا صورت صورة وأتلفتها بالنار هل يتضرر المتصور؛ إذًا هي غير خلق الله، إنَّما هي مضاهاة لخلق الله، بعضهم يقول الوعيد الشديد الذي جاء في التصوير لا يُمكن تنزيله على من ضغط زر ولا آلة صورت، ولا آلة صورت نقول أيضًا بعد المسدس بضغطة زر يقتل مسلم، القتل أعظم وأشنع- نسأل الله العافية-، على كل حال كونه كثُر، كون الناس يستخدموه، كون بعض أهل العلم ممن تبرأ الذمة بتقليده، أهل علم وعمل كونهم يعني اجتهدوا في مثل هذا ولهم إن شاء الله الأجر على اجتهادهم لكن يبقى أنَّ الحق هو الحق لا يتغير سواء اعتمده الناس وارتكبوه، أو وقفوا عند حد الله- جلَّ وعلا- فالرجال إنَّما يعرفون بالحق ولا عكس، ما نقول هذا هو الحق؛ لأنَّ فلان قال به، يُقال هذا الحق؛ لأنَّ الدليل يسنده، أو باطل؛ لأنَّ الدليل يخالفه.
طالب:..........
لكن هل تركه النبي- عليه الصلاة والسلام- الرقم المراد به الرسم، الرسم أيًّا كان، لكن هل ترك النبي- عليه الصلاة والسلام-السترة وهي رقم في ثوب، السترة التي سترت بها سهوة في غرفتها، قطعها- عليه الصلاة والسلام-.
طالب:...........
نعم
طالب:...........
أي قُطِّعت السترة.
طالب:..........
على كل حال الرقم يشمل ما له روح وما لا روح له، والنص المحتمل يُرد إلى المُحكم.
“ والمنع أولى والله أعلم لما ذكرنا، وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي (سَبَأٍ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ: {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:60] أَيْ هَلْ مَعْبُودٌ مَعَ اللَّهِ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [سورة النمل:60] بِاللَّهِ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: {يَعْدِلُونَ} عَنِ الْحَقِّ وَالْقَصْدِ، أَيْ يَكْفُرُونَ. وَقِيلَ: (إِلهٌ) مَرْفُوعٌ بِـ (مَعَ) تَقْدِيرُهُ أَمَعَ اللَّهِ وَيْلَكُمْ إِلَهٌ. وَالْوَقْفُ عَلَى {مَعَ اللَّهِ} حَسَنٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً} [سورة النمل:61] أَيْ مُسْتَقَرًّا. {وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً} [سورة النمل:60] أَيْ وَسَطَهَا مِثْلَ {وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً} [سورة الكهف:33]. {وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ} [سورة النمل:61] يَعْنِي جِبَالًا ثَوَابِتَ تُمْسِكُهَا وَتَمْنَعُهَا مِنَ الْحَرَكَةِ. {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً} [سورة النمل:61] مَانِعًا مِنْ قُدْرَتِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْأُجَاجُ بِالْعَذْبِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُلْطَانًا مِنْ قُدْرَتِهِ فَلَا هَذَا يُغَيِّرُ ذَاكَ وَلَا ذَاكَ يُغَيِّرُ هَذَا. وَالْحَجْزُ الْمَنْعُ.”
كما قال الله- جلَّ وعلا-: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [سورة الرحمن:20] لا يبغي أحدهما على الأخر فيؤثر في طبعه، فلا المالح يؤثر على العذب، ولا العذب يؤثر على المالح، وهذا من عظيم قدرة الله- جلَّ وعلا-، أن يوجد أمور سائلة لا يختلط بعضها ببعض هذه دلائل على قدرة الله- جلَّ وعلا-.
“ {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:61] أَيْ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُهُ فَلِمَ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة النمل:61] يَعْنِي كَأَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ اللَّهَ فَلَا يَعْلَمُونَ مَا يجب له من الوحدانية.
قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل:62].
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ} [سورة النمل:62] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ ذُو الضَّرُورَةِ الْمَجْهُودُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الَّذِي لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ. وَقَالَ ذُو النُّونِ: هُوَ الَّذِي قَطَعَ الْعَلَائِقَ عَمَّا دُونَ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ هو المفلس. وقال سهل بن عَبْدِ اللَّهِ:..”
المفلس مضطر، المفلس لا شك أنَّه مضطر، والمريض مضطر، والغريق مضطر، والحريق مضطر، ومن أصيب بمصيبة مضطر، هؤلاء يعرفون الله- جلَّ وعلا- في مثل هذه الظروف، والموفق من يعرفه في جميع الأحوال، لكن كثير من الناس لا يعرفه إلا إذا كان مضطرًا، ولا شك أنَّ الضرورة مظنة لأجابة الدعوة؛ لأنَّها من هذا المضطر يلحف في سؤاله، ويخلص لله- جلَّ وعلا- فيه ويلح فيه فهو مظنة وحري بالإجابة بخلاف غير المضطر الذي هو من النوع الغافل الذي يدعوا الله ولا يدري أنَّه يدعوا، ويأتي بما يخالف الدعاء من حركات وتصرفات أثناء دعائه، وهذا موجود، وهذه غفلة، مع الأسف أنَّ الغفلة استولت على قلوب كثير من الناس، فكثرت الشكوى في السنوات الأخيرة من المصلين لأئمتهم، يقولون: إمامنا لا يطيل السجود، لا يطيل السجود لا يُمكنا من الدعاء، وإذا نظرت في حاله أنَّه يطيل السجود، يعني لو أطال أكثر من هذا انتهى الوقت، هو يطيل السجود لكن ما الذي دعاهم أن يقولوا أنَّه لا يطيل السجود؟ هم في غفلة، لا ينتبهون لسجودهم فيدعون الله- جلَّ وعلا- إلا إذا كبَّر ورفع من السجود، تجده غافل وساجد يفكر وعقله ليس معه، مع ذلك إذا قال الإمام هو يعرف أنَّ الدعاء في السجود «أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد»، «وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يُستجاب لكم» يعرف هذا لكنه مع هذه الغفلة إذا قال الإمام الله أكبر ليرفع من السجود انتبه، فيقول إنَّ الإمام لا يطيل السجود، يطيل السجود، هذه شكوى وجدت بكثرة من أئمة عُرفوا بإطالة السجود، الذي يستحضر السجود من أوله إلى أخره قد يتعب من طول السجود، لكن سببه هذه الغفلة، لا ينتبه أنَّه ساجد حتى يقول الإمام: الله أكبر، ثم يلوم الإمام ما أطال السجود، لا أطال السجود، لكن أنت استحضر- والله المستعان-.
“ وقال سهل بن عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ الَّذِي إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ دَاعِيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَسِيلَةٌ مِنْ طَاعَةٍ قَدَّمَهَا. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أَنْ تَدْعُوَ لِي فَأَنَا مُضْطَرٌّ، قَالَ: إِذًا فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي لَأَدْعُوُ اللَّهَ وَالْأَمْرُ ضَيِّقٌ | عَلَيَّ فَمَا يَنْفَكُّ أَنْ يَتَفَرَّجَا |
وَرُبَّ أَخٍ سُدَّتْ عَلَيْهِ وُجُوهُهُ | أَصَابَ لَهَا لَمَّا دَعَا اللَّهَ مخرجا |
الثانية- وفي مسند أبى داود الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُعَاءِ الْمُضْطَرِّ: «اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
الثَّالِثَةُ- ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاهُ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إِلَيْهِ بِاللِّجَاءِ يَنْشَأُ عَنِ الْإِخْلَاصِ، وَقَطْعِ الْقَلْبِ عَمَّا سِوَاهُ،..”
لا شك أنَّ الاضطرار سبب ومظنة للإجابة إذا لم يعارضه مانع من قبول الإجابة، إذا وجد مانع تأخرت الإجابة، وإذا انتفى المانع مع وجود هذا السبب فالله- جلَّ وعلا- يجيب المضطر إذا دعاه، لكن إذا وجد مانع من أكل حرام، أو شبهات،«مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، أنَّى يُستجاب» أنَّى يستجاب استبعاد، هذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي- عليه الصلاة والسلام- فليحرص الإنسان على بذل الأسباب مع انتفاء الموانع؛ لأنَّ الأسباب بمفردها لا تقوى على حصول الأثر، والله- جلَّ وعلا- كريم، لكنه مع ذلك حذَّر وأنذر من ارتكاب المحرمات وأكل الشبهات والناس يدعون بدعوات يتفقون عليها ويؤمِّنون عليها وجمعوهم غفيرة، ومع ذلك لا نرى أثر لهذه الدعوات، والسبب في ذلك وجود الموانع، فليحرص الإنسان أشد الحرص على انتفاء الموانع يكون مجاب الدعوة. «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة».
“ وَلِلْإِخْلَاصِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ مَوْقِعٌ وَذِمَّةٌ، وُجِدَ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، طَائِعٍ أَوْ فَاجِرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [سورة يونس:22]، وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ} [سورة العنكبوت:65] فَأَجَابَهُمْ عِنْدَ ضَرُورَتِهِمْ وَوُقُوعِ إِخْلَاصِهِمْ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ.”
يعني هل السبب في إجابة دعوتهم ونجاتهم هذه {دَعَوُا اللَّهَ} هل هو بسبب الدعوة، هل هو إجابة دعوة؟ أو لأنَّ مددهم لم تنتهِ، يعني باقي لهم مدة في الحياة، لنقول أنَّ الكافر إذا أخلص في دعوته أُجيب وعنده أكبر الموانع الذي هو الشرك، عنده أكبر الموانع فعل نقول أنَّه أجيب بسبب دعوته، واضطراره وإخلاصه في هذه الدعوة؟ الشرك منافي منافاة تامة للإخلاص، أو نقول أنَّهم نجوا؛ لأنَّ مددهم لم تنتهِ في هذه الحياة، ومع ذلك عادوا إلى شركهم، اضطروا إلى الإخلاص لمَّا خافوا من الغرق ثم رجعوا إلى الشرك. فكلام المؤلف يدل على أنَّهم أجيبت دعوتهم، ونجاهم الله تعالى بسبب إخلاصهم، مع أنَّ عندهم من المانع ما يمنع من إجابة دعوتهم، وعندهم ما يُنافي الإخلاص وهو الشرك، لكن الذي يظهر أنَّ الله- جلَّ وعلا- نجاهم؛ لأنَّهم بقي لهم في هذه الحياة، بقي لهم في هذه الحياة ما بقي.
نفترض أنَّ شخص ركب الفلك وتلاطمت به الأمواج وأشرف على الهلاك وما دعى، ثم بعد ذلك نجى؛ لأنَّ المدة ما تمت، وكم من إنسان وقع عليه السقف وما مات، كل هذا لأنَّ المدة ما تمت، وشخص قائد طائرة من بعض الجهات المجاورة لنا سقطت به طائرته، وما في جسده موضع شبر إلا وفيه كسر وحُكم عليه بالهلاك، ثم بعد ذلك عولج وبعد سنين طويلة برأ، حتى قالوا أنَّه نقص من طوله أكثر من شبر بسبب هذه الكسور والتجميل وما أشبه ذلك، ثم عاد شر مما كان، هل هذا نقول أنَّه بسبب دعوته الصالحة واضطراره إلى الدعوة، وإخلاصه في دعوته هو بقيت له مدة، ليعتبر هو ويُعتبر به.
طالب:........
الله- جلَّ وعلا- يجيب المضطر إذا دعاه، ما عندنا إشكال، يجيب المضطر إذا دعاه لا سيما إذا كان مظلومًا ولو كافر يجيبه، لكن هو رتَّب هنا إجابة الدعوة على الاضطرار، لكن ما يلزم، الله- جلَّ وعلا- نجَّاهم، ونجوا، وعادوا لما نهوا عنه، وأخبر الله عنهم - جلَّ وعلا- أنَّهم يدخلون النار، ولو ردوا لعادوا- نسأل الله السلامة والعافية-، ومع ذلك الإصرار على الحنث العظيم الشرك- نسأل الله السلامة والعافية- وهومنافي منافية كلية للإخلاص ما يلزم أن تكون نجاتهم بسبب دعوتهم، ليس بلازم، الله- جلَّ وعلا- نجَّاهم وكم من إنسان يقع في موت شبه محقق ثم بعد ذلك ينجو؛ لأنَّه بقيت له مدة في هذه الحياة ما تم.
طالب:..........
الله أعلم، هذا شيء عنده، والله- جلَّ وعلا- نجَّاهم، لكن كوننا نجزم بأنَّه بسبب دعائهم الله أعلم؛ لأنَّهم يأتون بالمانع الأعظم، يصرون على الحنث العظيم.
طالب:..........
قد يُجاب، لا سيما إذا كان مظلومًا.
“وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة العنكبوت:65] فَيُجِيبُ الْمُضْطَرَّ لِمَوْضِعِ اضْطِرَارِهِ وَإِخْلَاصِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشِّهَابِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ..”
مُخرَّج عندكم؟ وين الطبعة المحققة؟
طالب:..........
وجاء في الرازي، عيسى بن+(01:02:48) نعم.
طالب:..........
وهو مُخرج عند هؤلاء الأئمة، والمؤلف يقتصر على القضاعي في الشهاب؛ لأنَّ بضاعته في الحديث ضعيفة.
“ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى أَرْضِ الْيَمَنِ «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَلَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» وَفِي كِتَابِ الشِّهَابِ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ فَيَقُولُ اللَّهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا.”
في شيء عنه؟
طالب:..........
نعم.
طالب: جزم المؤلف بالصحة، وهو صحيح؟
يعني طرقه.
“وَخَرَّجَ الْآجُرِّيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَمِ كَافِرٍ» فَيُجِيبُ الْمَظْلُومَ لِمَوْضِعِ إِخْلَاصِهِ بِضَرُورَتِهِ بِمُقْتَضَى كرمه، وإجابة لإخلاصه وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فَاجِرًا فِي دِينِهِ، فَفُجُورُ الْفَاجِرِ وَكُفْرُ الْكَافِرِ لَا يَعُودُ مِنْهُ نَقْصٌ وَلَا وَهَنٌ عَلَى مَمْلَكَةِ سَيِّدِهِ، فَلَا يَمْنَعُهُ مَا قَضَى لِلْمُضْطَرِّ مِنْ إِجَابَتِهِ. وَفَسَّرَ إِجَابَةَ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ بِالنُّصْرَةِ عَلَى ظَالِمِهِ بِمَا شَاءَ سُبْحَانَهُ مِنْ قَهْرٍ لَهُ، أَوِ اقْتِصَاصٍ مِنْهُ، أَوْ تَسْلِيطِ ظَالِمٍ آخَرَ عَلَيْهِ يَقْهَرُهُ كَمَا قَالَ- عَزَّ وَجَلَّ-: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [سورة الأنعام:129] وَأَكَّدَ سُرْعَةَ إِجَابَتِهَا بقول: «تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ» وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُوَكِّلُ مَلَائِكَتَهُ بِتَلَقِّي دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَبِحَمْلِهَا عَلَى الْغَمَامِ، فَيَعْرُجُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ لِيَرَاهَا الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ، فَيَظْهَرُ مِنْهُ مُعَاوَنَةُ الْمَظْلُومِ، وَشَفَاعَةً مِنْهُمْ لَهُ فِي إِجَابَةِ دَعَوْتِهِ، رَحْمَةً لَهُ. وَفِي هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ الظُّلْمِ جُمْلَةً، لِمَا فِيهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ،..”
كون السماء قبلة للدعاء؛ لأنَّ الله- جلَّ وعلا- في السماء، وهو المدعو، منهم من يرى أنَّ السماء قبلة للدعاء مع عدم إثبات العلو لله- جلَّ وعلا-، مع عدم إثبات العلو لله- جلَّ وعلا- وكون الناس حتى البهائم إذا نابها ما نابها رفعت رأسها إلى السماء، قالوا: لأنَّ السماء قبلة للدعاء، كما أنَّ الكعبة قبلة للصلاة، وبهذا ينفرون ويهربون ويتنصلون من إثبات العلو لله- جلَّ وعلا- الثابت بالنصوص القطعية، ولا شك أنَّ هذا من الأدلة الفطرية على علو الله- جلَّ وعلا- مع الأدلة السمعية والعقلية على ذلك، نعم.
“وَفِي هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ الظُّلْمِ جُمْلَةً، لِمَا فِيهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، حَيْثُ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» الْحَدِيثَ. فَالْمَظْلُومُ مُضْطَرٌّ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ مُنْفَرِدٌ عَنِ الصَّدِيقِ وَالْحَمِيمِ، لَا يَسْكُنُ قَلْبُهُ إِلَى مُسْعِدٍ وَلَا مُعِينٍ لِغُرْبَتِهِ. فَتَصْدُقُ ضَرُورَتُهُ إِلَى الْمَوْلَى، فَيُخْلِصُ إِلَيْهِ فِي اللجإ، وَهُوَ الْمُجِيبُ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا دَعَاهُ، وَكَذَلِكَ دَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ، لَا تَصْدُرُ مِنْهُ مَعَ مَا يُعْلَمُ مِنْ حَنَّتِهِ عَلَيْهِ وَشَفَقَتِهِ، إِلَّا عِنْدَ تَكَامُلِ عَجْزِهِ عَنْهُ، وَصِدْقِ ضَرُورَتِهِ، وَإِيَاسِهِ عَنْ بِرِّ وَلَدِهِ، مَعَ وُجُودِ أَذِيَّتِهِ، فَيُسْرِعُ الْحَقُّ إِلَى إِجَابَتِهِ.”
ولذا جاء النهي عن الدعاء على النفس والولد والمال؛ لأنَّ الوالد مجاب الدعوة على ولده. وقد يقول قائل: أنَّ بعض الناس لا يفتر سواء كان من الرجال أو النساء من الدعاء على ولده ولا نرى الإجابة، الله- جلَّ وعلا- في مثل هذا لا يستعجل عجلة ابن آدم، إنَّما إذا دعى لولده دعوته مجابة، إذا دعى عليه والوالد يعرف، الله- جلَّ وعلا- يعرف من حال الوالد أنَّه يندم على هذه الدعوة فإنَّ الله لا يجيب، وإذا عرف الله- جلَّ وعلا- أنَّ الوالد لا يندم على هذه الدعوة؛ لأنَّه مستحق لهذه الدعوة بالفعل؛ لأنَّ بعض الناس ولو من غير استحقاق، لأدنى شيء يدعوا عليه، الله- جلَّ وعلا- رحيم، أرحم بالولد من والدته، ومع ذلك نرى كثير من الناس يدعون على أولادهم سواء كانوا الآباء أو الأمهات والله- جلَّ وعلا- يؤخر الإجابة، لكن لا يمنع من أن يصدق هذا الوعيد أحيانًا؛ ولذا نُهينا عن الدعاء على النفس وعلى الأولاد، وعلى الأموال، ليحذر الإنسان أن يدعوا على ولده؛ لئلا توافق إجابة فيندم على ذلك ندم وليت ساعة مندم.
“قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [سورة النمل:62] أَيِ الضُّرَّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْجَوْرُ. {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ} [سورة النمل:62] أَيْ سُكَّانَهَا يُهْلِكُ قَوْمًا وَيُنْشِئُ آخَرِينَ. وَفِي كِتَابِ النَّقَّاشِ: أَيْ وَيَجْعَلُ أَوْلَادَكُمْ خَلَفًا مِنْكُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَلَفًا مِنَ الْكُفَّارِ يَنْزِلُونَ أَرْضَهُمْ، وَطَاعَةَ اللَّهِ بَعْدَ كُفْرِهِمْ. {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:62] عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ، كَأَنَّهُ قَالَ أَمَعَ اللَّهِ وَيْلَكُمْ إِلَهٌ، فَـ {إِلهٌ} مَرْفُوعٌ بِ {مَعَ}. ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار أإله مَعَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَعْبُدُوهُ. وَالْوَقْفُ عَلَى {مَعَ اللَّهِ} حَسَنٌ. {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل:62] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ وَيَعْقُوبُ: "يَذَّكَّرُونَ" بِالْيَاءِ عَلَى الخبر، كقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة النمل:61] وَ{تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة النمل:63] فَأَخْبَرَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ. والْبَاقُونَ بِالتَّاءِ خِطَابًا لِقَوْلِهِ: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ} أَيْ يُرْشِدُكُمُ الطَّرِيقَ {فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} إِذَا سَافَرْتُمْ إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي تَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ والنهار. وقيل: وجعل مفاوز البلد الَّتِي لَا أَعْلَامَ لَهَا، وَلُجَجَ الْبِحَارِ كَأَنَّهَا ظُلُمَاتٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَلَمٌ يُهْتَدَى بِهِ. {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}”
كما جاء في تفسير الظلمات الثلاث بأنَّها ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فالبحر لا شك أنَّه يغطي من تحته وإن كان التغطية ليست كاملة، لكنها في الجملة ليست مثل البروز على وجه الأرض.
“{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [سورة النمل:63] أَيْ قُدَّامَ الْمَطَرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:63] يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ. {تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة النمل:63] مِنْ دُونِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [سورة النمل:64] كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّهُ الْخَالِقُ الرازق فألزمهم..”
نعم، {وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشْراً} هذه قراءتهم، قراءة نافع، والقراءة المثبتة {بُشْراً}.
“كَانُوا يُقِرُّونَ أَنَّهُ الْخَالِقُ الرازق فألزمهم الإعادة، أي إذا قدر الِابْتِدَاءِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. {أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:63]”
لما جرت به العادة من إعادة الشيء ثانية أسهل من الأولى، وهذا ظاهر في أفعال المخلوقين، أنَّه أول ما يصنع المصنوع يجد عليه ملاحظات ثم إذا صنعه ثانية كان أفضل، إذا صنعه ثالثة كان أسهل عليه وأفضل، بينما الكل بالنسبة لله- جلَّ وعلا- سهل، الأهون عليه.
“{أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ} [سورة النمل:63] يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُبْدِئُ وَيُعِيدُ: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ} [سورة النمل:64] أَيْ حُجَّتَكُمْ أَنَّ لِي شَرِيكًا، أَوْ حُجَّتَكُمْ فِي أَنَّهُ صَنَعَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ الله {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} [سورة النمل:64].”
يكفي اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجمعة إن شاء الله، الدرس الثاني في الجمعة.
طالب:..........
بعد العشاء إن شاء الله، الموافقات سُبل السلام إن شاء الله.
طالب:..........
"