التعليق على تفسير القرطبي - سورة الروم (02)
هذا يسأل يقول ما هي المسافة المحددة لقصر الصلاة وهل بين الخرج والرياض سفر علما بأن آخر المباني من الخرج إلى الرياض ما يقارب ستين كيلا؟
أكثر أهل العلم على تحديد المسافة وأنها مسيرة يومين قاصدين قدروها بثمانين كيلا جاء تقديرها في الصحيح عن ابن عباس أنها ما بين مكة والطائف ومكة وجدة ومكة وعسفان فهي متقاربة كلها تقارب ثمانين كيلا مسيرة يومين بسير الإبل المعتاد وإذا قُدِّرت المسافة ثم قربت البنيان بعضها من بعض فتلاشت هذه المسافة كما هو الشأن بين مكة وجدة أو بين الرياض والخرج فإن هذه لا تعد مسافة قصر عند أهل العلم إذا نقصت لأن العبرة بما بعد البنيان من بداية السفر لما بعد البنيان فإذا فارق عامر بلده عامر قريته تحتسب المسافة عند من يقول بها وعلى هذا فما بين الخرج والرياض إذا كان على ما قيل ستين كيلا فإنه ليس بمسافة قصر والله أعلم.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسُبْحانَ اللَّهِ} الْآيَةَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ وَالْحَضِّ عَلَى الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي الْقُرْآنِ، قِيلَ لَهُ: أَيْنَ؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صَلَاةُ الْفَجْرِ" وَعَشِيًّا" الْعَصْرُ" وَحِينَ تُظْهِرُونَ" الظُّهْرُ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَقَتَادَةُ: أَنَّ الْآيَةَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ: الْمَغْرِب وَالصُّبْح وَالْعَصْر وَالظُّهْر، قَالُوا: وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ هِيَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} وَفِي ذِكْرِ أَوْقَاتِ الْعَوْرَةِ وَقَالَ النَّحَّاسُ: أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} فِي الصَّلَوَاتِ وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: حَقِيقَتُهُ عِنْدِي: فَسَبِّحُوا الله في الصلوات، لأن التسبيح يكون فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فَسَبِّحُوا اللَّهَ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، ذَكَرَهُ الماوردي وذكر القول الأول ولفظه فيه فصلوا لله حين تمسون وحين تصبحون وفي تسمية الصلاة بِالتَّسْبِيحِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لِمَا تَضَمَّنَهَا مِنْ ذِكْرِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنَ السُّبْحَةِ وَالسُّبْحَةُ الصَّلَاةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَكُونُ لَهُمْ سُبْحَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَة» أَيْ صَلَاةٌ."
يعني ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى من أقوال المفسرين في المراد بالآية ظاهر المراد بالتسبيح هنا الصلاة لأنها تشتمل عليه وذكر تمسون وتصبحون وعشيا وتظهرون هذه المواقيت، مواقيت الصلوات فالإشارة إلى الصلوات الخمس بهذه الآية قال به جمع من أهل العلم ومأخذه ظاهر لكن أظهر منه أن المراد به التسبيح الذي هو التنزيه لله -جل وعلا- في هذه الأوقات كلها التي تشمل جميع الوقت من ليل ونهار {فسبحان الله جين تمسون وحين تصبحون} فهذه أذكار الصباح والمساء {وعشيا وحين تظهرون} يستوعب بقية الوقت في الأذكار المطلقة فدلالتها على مواقيت الصلاة هذا ظاهر قال به جمع من أهل العلم وله وجه ظاهر والقول الثاني وهو المراد به الذكر في جميع الأوقات أيضا هذا ظاهر والتسبيح هو التنزيه والصلاة مشتملة عليه فلا شك أن مثل هذا مما تتناوله الآية ولا يتنافى لا ينافي القول الأول القول الثاني وقوله أنه مأخوذ من ذكر التسبيح في الركوع والسجود هذا من باب التعبير بالبعض عن الكل والقول الثاني أنه مأخوذ من السُّبحة والسبحة الصلاة لكنها صلاة النافلة السبحة صلاة النافلة.
"الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} اعتراض بين الكلام بدؤوب الْحَمْدِ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ وَقِيلَ: مَعْنَى" وَلَهُ الْحَمْدُ" أَيِ الصَّلَاةُ لَهُ لِاخْتِصَاصِهَا بِقِرَاءَةِ الْحَمْدِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ مِنْ نَوْعِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَضِّ عَلَى عِبَادَتِهِ وَدَوَامِ نِعْمَتِهِ، فَيَكُونُ نَوْعًا آخَرَ خِلَافَ الصَّلَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
وإذا كان المرجح عند المؤلف بالنسبة للحمد أنه الاستمرار على الحمد لله -جل وعلا- والشكر له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ولم يختص ذلك بالصلاة عنده فكذلك التسبيح فالمراد به عموم التنزيه لله -جل وعلا- بأنواع الذكر.
طالب: .............
يعني الطلب والتواضع والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-.
"وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَتَقَدَّمُ النَّهَارَ"
هذا هو الأصل لأن النهار تابع لليل واليوم يبدأ من غروب الشمس فيُبدأ المغرب لأنها الأولى بالنسبة للترتيب الطبيعي للزمان ويُبدأ بالظهر وهي الأولى في الشرع من صلى الصلاة الأولى يعني الظهر والسبب في ذلك أن جبريل أولا أم النبي -عليه الصلاة والسلام- لتعليمه الأوقات بادءًا بصلاة الظهر ولذلك تسمى الأولى.
"وَفَى سُورَةِ" سُبْحَانَ" بَدَأَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إِذْ هِيَ أَوَّلُ صَلَاةٍ، صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَخَصَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِاسْمِ التَّسْبِيحِ وَصَلَاةَ النَّهَارِ بِاسْمِ الْحَمْدِ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِي النَّهَارِ مُتَقَلَّبًا فِي أَحْوَالٍ تُوجِبُ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَفِي اللَّيْلِ عَلَى خَلْوَةٍ تُوجِبُ تَنْزِيهَ اللَّهِ مِنَ الْأَسْوَاءِ فِيهَا، فذلك صار.."
فلذلك.
"فَلِذَلِكَ صَارَ الْحَمْدُ بِالنَّهَارِ أَخَصَّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ النَّهَارِ، وَالتَّسْبِيحُ بِاللَّيْلِ أَخَصُّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ."
مع أنه رجح بالنسبة للحمد أنه لا يختص بالصلاة وإنما هو الدأب على حمد الله وشكره على نعمه وآلائه.
"الثَّالِثَةُ قَرَأَ عِكْرِمَةُ: {حِينًا تُمْسُونَ وَحِينًا تُصْبِحُونَ} وَالْمَعْنَى: حِينًا تُمْسُونَ فِيهِ وَحِينًا تُصْبِحُونَ فِيهِ، فَحُذِفَ" فِيهِ" تَخْفِيفًا، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي {وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} {وَعَشِيًّا} قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعِشِيُّ وَالْعَشِيَّةُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَتَمَةِ، تَقُولُ: أَتَيْتُهُ عَشِيَّةَ أَمْسِ وَعَشِيَّ أَمْسِ. وَتَصْغِيرُ الْعَشِيِّ: عَشَيَان على غير قياس.."
عُشَيَّان.
"وتصغير العشي عُشَيَان."
عُشَيَّان مثل ما يقال مُسَيَّان.
"عُشَيَّانٌ، عَلَى غَيْرِ قياسٍ مكبَّرة."
لا، على غير قياسِ مكبَّرِهِ.
"وتصغير العشي عُشَيَّان على غير قِيَاسِ مُكَبَّرِهِ، كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا عَشْيَانًا، وَالْجَمْعُ عُشَيَّانَاتٌ. وَقِيلَ أَيْضًا فِي تَصْغِيرِهِ: عُشَيْشِيَانٌ، وَالْجَمْعُ عُشَيْشِيَاتٌ. وَتَصْغِيرُ الْعَشِيَّةِ عُشَيْشِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ عُشَيْشِيَاتٌ. وَالْعِشَاءُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ مِثْلُ الْعَشِيِّ. وَالْعِشَاءَانِ الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْعِشَاءَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ."
يؤيد هذا القول الأخير الذي عبَّر عنه بالزعم ما جاء في حديث أبي هريرة في نسيان النبي-عليه الصلاة والسلام- في قصة ذي اليدين قال إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فهذا يقوِّي القول بأن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر.
"وَأَنْشَدُوا:
غَدَوْنَا غَدْوَةً سَحَرًا بِلَيْلٍ |
| عشاء بعد ما انتصف النهار |
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسَاءِ وَالْعِشَاءِ: أَنَّ الْمَسَاءَ بُدُوُّ الظَّلَامِ بَعْدَ الْمَغِيبِ، وَالْعِشَاءَ آخِرُ النَّهَارِ عِنْدَ مَيْلِ الشَّمْسِ لِلْمَغِيبِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَا الْعَيْنِ وَهُوَ نَقْصُ النُّورِ مِنَ النَّاظِرِ كنقص نور الشمس."
المساء بُدُوّ الظلام بعد المغيب ويميل إلى هذا من فسر الحديث «رميت بعد ما أمسيت» أنه بعد غروب الشمس «رميت بعد ما أمسيت» قال بعد غروب الشمس يعني بعد بُدُوّ الظلام ومنهم من يقول أن المساء يبدأ من زوال الشمس ومنه أذكار المساء أهل العلم قاطبة يقولونها قبل غروب الشمس لا يؤخرونها حتى يبدو الظلام إنما يبدأ بها من صلاة العصر وكلما قربت من غروب الشمس كان أولى لأنها مقرونة بطلوع الشمس وغروبها الأذكار في النصوص مقرونة في غالب النصوص بطلوع الشمس وغروبها فكلما قرب منه كان أولى.
"قوله تعالى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ} بَيَّنَ كَمَالَ قُدْرَتِهِ، أَيْ كَمَا أَحْيَى الْأَرْضَ بِإِخْرَاجِ النَّبَاتِ بَعْدَ هُمُودِهَا، كَذَلِكَ يُحْيِيكُمْ بِالْبَعْثِ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ مَضَى فِي آل عمران بيان {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}."
وجه الاستدلال على صحة القياس الاستدلال على إحياء الأموات بالبعث بإحياء الأرض بعد موتها هذا دليل ظاهر من الكتاب ومن السنة الرجل الذي جاءت امرأته بولد لونه يخالف لون والده فجاء يذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- كأنه يشكك فيه فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «هل لك من إبل؟» قال: نعم... إلى آخر الحديث وفيه الدلالة على القياس وبهذا يقول عامة أهل العلم وهو أحد أركان الاجتهاد عندهم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ} أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ، أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ مِنْهُ وَالْفَرْعُ كَالْأَصْلِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ هَذَا فِي" الأنعام". و" أَنْ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَكَذَا" أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً"."
{ومن آياته أن خلقكم} أن وما دخلت عليه في تأويل المصدر هو المبتدأ المؤخر خلْقكم من تراب من آياته -عز وجل-.
"{ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} ثُمَّ أَنْتُمْ عُقَلَاءُ نَاطِقُونَ تَتَصَرَّفُونَ فِيمَا هُوَ قِوَامُ مَعَايِشِكُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَخْلُقَكُمْ عَبَثًا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّسْبِيحِ. وَمَعْنَى: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} أَيْ نِسَاءً تَسْكُنُونَ إِلَيْهَا." مِنْ أَنْفُسِكُمْ" أَيْ مِنْ نُطَفِ الرِّجَالِ وَمِنْ جِنْسِكُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ حَوَّاءُ، خَلَقَهَا مِنْ ضِلعِ آدَمَ، قَالَهُ قَتَادَةُ."
ومناسب لتفسير صدر الآية {ومن آياته أن خلقكم من تراب} يعني خلق آدم من تراب وأما ذريته فمن الماء المهين كما هو معروف وخلق الزوجة من النفس المراد به خلق حواء من نفس آدم من ضلعه منه والقول بالتعميم خلَقكم والمراد به خلْق أبيكم أو أن الولد حكمه حكم أبيه والبنت حكمها حكم أمها قول بالتعميم وله وجه عند أهل العلم.
"{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْمَوَدَّةُ الْجِمَاعُ، وَالرَّحْمَةُ الْوَلَدُ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ."
لو قيل إن هذا هو سبب المودة وسبب الرحمة لما بَعُد.
طالب: قوله... من ضلع آدم... من أنفسكم...
من أنفسكم المقصود من أنفسكم يعني من آدم نفسه كما قلنا في خلَقكم من تراب، المخلوق من تراب آدم أم ذريته؟ آدم وكذلك {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} يعني من آدم خلَق يعني من جزئه من نفسه من بعضه من ضلعه خلق حواء هذا الأصل وقد يأخذ الولد حكم الوالد فهذا تنبيه على أصل الخلْق.
"وَقِيلَ: الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ عَطْفُ قُلُوبِهِمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمَوَدَّةُ: الْمَحَبَّةُ، وَالرَّحْمَةُ: الشَّفَقَةُ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَوَدَّةُ حُبُّ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَالرَّحْمَةُ رَحْمَتُهُ إِيَّاهَا أَنْ يُصِيبَهَا بِسُوءٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ أَصْلُهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَفِيهِ قُوَّةُ الْأَرْضِ، وَفِيهِ الْفَرْجُ الَّذِي مِنْهُ بُدِئَ خَلْقُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى سَكَنٍ، وَخُلِقَتِ الْمَرْأَةُ سَكَنًا لِلرَّجُلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ} الْآيَةَ. وَقَالَ {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها} فَأَوَّلُ ارْتِفَاقِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ سُكُونُهُ إِلَيْهَا مِمَّا فِيهِ مِنْ غَلَيَانِ الْقُوَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرْجَ إِذَا تَحَمَّلَ فِيهِ هَيَّجَ مَاءَ الصُّلْبِ إِلَيْهِ، فَإِلَيْهَا يَسْكُنُ وَبِهَا يَتَخَلَّصُ مِنَ الْهِيَاجِ، وَلِلرِّجَالِ خُلِقَ الْبُضْعُ مِنْهُنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ -عزَّ وَجَلّ- الرِّجَالَ أَنَّ ذَلِكَ الموضعِ.."
الموضعَ.
"أن ذلك الْمَوْضِعَ خُلِقَ مِنْهُنَّ لِلرِّجَالِ، فَعَلَيْهَا بَذْلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَدْعُوهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ مَنَعَتْهُ فَهِيَ ظَالِمَةٌ وَفِي حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَيَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» وَفِي لَفْظٍ آخَر «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»."
معلوم أن هذا حيث لا يكون هناك مبرر للنشوز أما إذا وجد المبرر للنشوز فلا إذا لم يكن هناك مبرر للنشوز نعم يثبت في حقها هذا الوعيد وإذا وجد ما يبرر النشوز فإنها لا تدخل في هذه النصوص لكن قد يقول قائل إذا دعت المرأة زوجها إلى الفراش فأبى فما الحكم؟ والشهوة موجودة في الطرفين وملاحظة المرأة في الشرع معروفة وأنه يجب عليه أن يقضي وطرها ولا يحيجها إلى غيره فهل يثبت في حقه مثل هذا النص أو نقول هذا خاص بالمرأة وأن حق الرجل في هذا أعظم من حق المرأة؟ يعني إذا دعته للفراش ورفض يناله شيء من هذا الوعيد؟ أو نقول هذا من حقوق الزوج على زوجته والمرأة وإن اشتدت حاجتها إلى مثل هذا لا تصل إلى هذا الحد؟ لا شك أن النص في حق الزوج ويرد في حق المرأة مثل هذا لكنه يجب عليه أن يحصنها ولا يتركها تتشوف لغيره فإن قدر على ذلك إلا فليفارقها لاسيما إذا طلبت ذلك ولم تتنازل عن حقها أما إذا تنازلت عن حقها فالأمر لا يَعْدُوْها على كل حال على كل منهما حق للأخر {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} فإذا طلبته فعليه أن يجيبها ما لم يكن ثَم مانع إلا أن النص لا يتناول بهذه القوة، بعض أهل العلم يحدد حاجة المرأة يعني في ذمة الرجل بالإيلاء بأنه يجب عليه أن يجامعها في كل أربعة أشهر مرة لكن هذا قول مرجوح عند أهل العلم والمرد في ذلك إلى إحصانها وألا تحتاج إلى غيره ولا تتشوق إلى الرجال، والنساء يتفاوتون في مثل هذا كما أن الرجال كذلك لكن عموم النساء هذا وضعهن.
"{وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تقدم فِي" الْبَقَرَةِ" وَكَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ} اللِّسَانُ فِي الْفَمِ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ: مِنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالرُّومِيَّة وَاخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ فِي الصُّوَرِ: مِنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ، فَلَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا إِلَّا وَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلَيْسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ فِعْلِ النُّطْفَةِ وَلَا مِنْ فِعْلِ الْأَبَوَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَذَا مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى الْمُدَبِّرِ الْبَارِئِ."
وجود هذا الاختلاف أمر بيِّن ومشاهَد لكن يوجد تشابه إلى حد ما لكنه لا يعني التطابق ولذلك حينما قالوا بالاستنساخ وأنهم قد يوجِدون شخص يطابق آخر من كل وجه هذا ليس بمقدورهم ولا يمكن أن يصلوا إلى مثل هذا فلا بد من الاختلاف والتنصيص عليه في الآيات {واختلاف ألسنتكم وألوانكم} ولولا هذا الاختلاف لحصل الخلط ولحصل مشاكل بسبه فكل إنسان مكلَّف إنما تبعاته على نفسه فإذا وُجِد التطابق وُجِد تحميل بعض الناس تبعات بعض ولذلك وجد هذا الاختلاف من حكمة الله -جل علا- أنه لا يوجد شخصان متطابقان من كل وجه بل لا بد من الفرق بينهما قد يوجد تشابه لكن التطابق لا، لا يمكن أن يوجد.
"{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالَمِينَ} أَيْ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ."
هذه قراءة نافع التي يقرأ بها المؤلِّف للعالَمين.
"وَقَرَأَ حَفْصٌ:" لِلْعَالِمِينَ" بِكَسْرِ اللَّامِ جَمْعِ عَالِمٍ. {وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ} قِيلَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ تقديم وتأخير، والمعنى: ومن آياته منامكم بالليل وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِالنَّهَارِ، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ لِاتِّصَالِهِ بِاللَّيْلِ وَعَطفهِ عَلَيْهِ، وَالْوَاوُ تَقُومُ مَقَامَ حَرْفِ الْجَرِّ إِذَا اتَّصَلَتْ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الِاسْمِ الظَّاهِرِ خَاصَّةً، فَجعلَ النَّوْمُ بِاللَّيْلِ دَلِيلًا عَلَى الْمَوْتِ، وَالتَّصَرُّفُ بِالنَّهَارِ دَلِيلًا عَلَى الْبَعْثِ."
نعم إذا عطف الاسم الظاهر على الظاهر المجرور فإنه لا يحتاج إلى إعادة الجارّ لأن العطف كما هو معلوم عند أهل العلم على نية تكرار العامل على نية تكرار العمال أما إذا كان المعطوف أو المعطوف عليه ضمير فإنه لا بد من التكرار.
"{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} يُرِيدُ سَمَاعَ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ. وَقِيلَ: يَسْمَعُونَ الْحَقَّ فَيَتَّبِعُونَهُ. وَقِيلَ: يَسْمَعُونَ الْوَعْظَ فَيَخَافُونَهُ. وَقِيلَ: يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْهُمْ مَنْ إِذَا تُلِيَ الْقُرْآنُ وَهُوَ حَاضِرٌ سَدَّ أُذُنَيْهِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الدَّلَائِلَ عَلَيْهِ. {وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} قِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يريْكم."
أن يريَكم.
"قِيلَ: الْمَعْنَى أن يُرِيَكُمْ، فَحذفَ" أَنْ" لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، قَالَ طَرَفَةُ:
أَلَا أي هذا اللائمِ أَحْضُرَ الْوَغَى |
| وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي |
"
لأن فيه أن المقدرة قبل أحضر ألا أي هذا اللائم أن أحضر يعني على حضوري الوغى والقتال وأن أشهد اللذات يعني لا تلمني على هذا ولا على هذا.
"وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ وَيُرِيكُمُ الْبَرْقَ مِنْ آيَاتِهِ. وَقِيلَ: أَيْ وَمِنْ آيَاتِهِ آيَةٌ يُرِيكُمْ بِهَا الْبَرْقَ، كَمَا قَالَ الشاعر:
وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا |
| أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْشَ أَكْدَحُ |
وَقِيلَ: أَيْ مِنْ آيَاتِهِ أَنَّهُ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا مِنْ آيَاتِهِ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، فَيَكُونُ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ."
هذه التقادير المتعددة التي أوردها المؤلف -رحمه الله- سببها أن {من آياته} خبر مقدَّم فأين المبتدأ المؤخَّر؟ يريكم الفعل ما يجي مبتدأ فلا بد من تقدير وتقدير أن على نَسَق الآيات السابقة أولى من جميع ما ذكر.
طالب: هل يشمل الفعل المضارع... إذا كانت أن مضمرة لماذا لم ينصب؟
ما يُنصَب وهي غير موجودة ما يُنصَب إلا بعد فاء السببية أو واو المعية ما يُنصَب بعد حذفه ليس فيه من القوة بحيث يعمل وهو محذوف إلا إذا وجد ما يدل عليه من فاء السببية أو واو المعية إذا وقعت بعد التسعة الأمور التي ذكرت.
"خَوْفاً" أَيْ لِلْمُسَافِر" وَطَمَعاً" لِلْمُقِيمِ، قَالَهُ قَتَادَةُ قال الضحاك:" خَوْفاً" من الصواعق، و"طَمَعاً" فِي الْغَيْثِ قال يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ:" خَوْفاً" مِنَ البرد أن يهلك الزرع، و" طَمَعاً" فِي الْمَطَرِ أَنْ يُحْيِيَ الزَّرْعَ وقال ابْنُ بَحْرٍ:" خَوْفاً" أَنْ يَكُونَ الْبَرْقُ بَرْقًا خُلَّبًا لَا يمطر، و" طَمَعاً" أَنْ يَكُونَ مُمْطِرًا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَا يَكُنْ بَرْقُكَ بَرْقًا خُلَّبًا |
| إِنَّ خَيْرَ الْبَرْقِ مَا الْغَيْثُ مَعَهْ |
وَقَالَ آخَرُ:
فَقَدْ أَرِدُ الْمِيَاهَ بِغَيْرِ زَادٍ |
| سِوَى عَدِّي لَهَا بَرْقَ الْغَمَامِ |
وَالْبَرْقُ الْخُلَّبُ: الَّذِي لَا غَيْثَ فِيهِ كَأَنَّهُ خَادِعٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ يَعِدُ وَلَا يُنْجِزُ: إِنَّمَا أَنْتَ كَبَرْقٍ خُلَّبٍ وَالْخُلَّبُ أَيْضًا: السَّحَابُ الَّذِي لَا مَطَرَ فِيهِ وَيُقَالُ: بَرْقٌ خُلَّبٌ، بِالْإِضَافَةِ {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} تَقَدَّمَ. {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} " أَنْ" فِي مَحَلِّ رَفْعٍ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ قِيَامَهَا وَاسْتِمْسَاكَهَا بِقُدْرَتِهِ بِلَا عَمَدٍ. وَقِيلَ: بِتَدْبِيرِهِ وَحِكْمَتِهِ، أَيْ يُمْسِكُهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ لِمَنَافِعِ الْخَلْقِ وَقِيلَ:" بِأَمْرِهِ" بِإِذْنِهِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ."
وتقدم المراد من قوله {بلا عمد} هل هناك عَمَد أو العَمَد منفية أصلا يعني من أثبت العمد قال هناك عَمَد لكنها لا تُرَى عَمَد لا تُرَى {بغير عمد ترونها} ومنهم من يقول بلا عَمَد أصلا وسواء كانت بلا عمد أصلا أو كانت بعمد لا ترى كل هذا لا شك أنه مما يدل على عظمة الله -جل وعلا- ودلالة العَمَد التي لا تُرَى كدلالة عدمها لأن كله أمر مهول عظيم جدا أن تقام بغير عَمَد أو تقام بعَمَد بحيث لا تُرَى كلها أمور في غاية العظمة.
"{ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} أَيِ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ، وَالْمُرَادُ سُرْعَةُ وُجُودِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا تَلَبُّثٍ، كَمَا يُجِيبُ الدَّاعِي الْمُطَاع مَدْعُوهُ، كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
دَعَوْتُ كُلَيْبًا بِاسْمِهِ فَكَأَنَّمَا |
| دَعَوْتُ بِرَأْسِ الطَّوْدِ أَوْ هُوَ أَسْرَعُ |
أسرع من الحجر الذي يتدهده من الجبل ويسقط من الجبل يكون هذا سريع.
"يُرِيدُ بِرَأْسِ الطَّوْدِ: الصَّدَى أَوِ الْحَجَرُ إِذَا تَدَهْدَهَ. وَإِنَّمَا عُطِفَ هَذَا عَلَى قِيَامِ السَّمَاوَاتِ والأرض بـ" ثُمَّ" لِعِظَمٍ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَاقْتِدَارِهِ على مثله، وهو أن يقول: يأهل الْقُبُورِ قُومُوا، فَلَا تَبْقَى نَسَمَةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إِلَّا قَامَتْ تَنْظُرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ} و" إِذا" الأولى في قوله تعالى: {إِذا دَعاكُمْ} لِلشَّرْطِ، وَالثَّانِيَةُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِذا أَنْتُمْ} لِلْمُفَاجَأَةِ، وَهِيَ تَنُوبُ مَنَابَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ. وَأَجْمَعَ الْقُرَّاءَ عَلَى فَتْحِ التَّاءِ هُنَا فِي" تَخْرُجُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي فِي" الْأَعْرَافِ" فَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ {وَمِنْها تُخْرَجُونَ} بِضَمِّ التَّاءِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: بِالْفَتْحِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا لِنَسَقِ الْكَلَامِ، فَنَسَقُ الْكَلَامِ فِي الَّتِي فِي" الْأَعْرَافِ" بِالضَّمِّ أَشْبَهُ، إِذْ كَانَ الْمَوْتُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَذَا الْإِخْرَاجُ وَالْفَتْحُ فِي سُورَةِ الرُّومِ أَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَامِ، أَيْ إِذَا دَعَاكُمْ خَرَجْتُمْ أَيْ أَطَعْتُمْ، فَالْفِعْلُ بِهِمْ أَشْبَهُ. وَهَذَا الْخُرُوجُ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ نَفْخَةِ إِسْرَافِيلَ النَّفْخَةَ الْآخِرَةَ، عَلَى مَا تقدم ويأتي. وقرئ: "تُخْرَجُونَ" بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
ذكر هذا القول الذي عزاه للزمخشري وهو أنه قرئت بالضم بعد أن نقل الإجماع إجماع القراء على فتح التاء هنا ثم ذكر عن الزمخشري أن منهم من قرأها بالضم فإما أن يكون الذي قرأ لا عبرة به فلا يؤثر في الإجماع أو يكون المراد بالإجماع الأول قد يكون منقول عن الطبري وهو يرى أن الإجماع قول الأكثر وقلَّدَه في هذا أو يكون القول ولعله هو الأولى لأنه ما عُرِف إلا.. لم يذكره إلا الزمخشري، والزمخشري ليس من أهل القراءات على كل حال تَخرجون وتُخرجون لا فرق بينهما لن من أُخرج فقد خَرَج ومن حُجَّ به فقد حَج الشخص الذي يَحج به أبوه حُجَّ به لكن لو قيل له حججت؟ قال: نعم قال حج فلان فيُنسَب الفعل إلى المباشر وينسب أيضا إلى المتسبب ولا فرق بينهما حينئذ.
"{وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خَلْقًا وَمِلْكًا وَعَبْدًا. {كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ} رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ طَاعَةٌ» قَالَ النَّحَّاسُ: مُطِيعُونَ طَاعَةَ انْقِيَادٍ. وَقِيلَ:" قانِتُونَ" مُقِرُّونَ بِالْعُبُودِيَّةِ، إِمَّا قَالَةً وَإِمَّا دلَالَةً، قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَأَبُو مَالِكٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" قانِتُونَ" مُصَلُّونَ وقال الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:" كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ" أَيْ قَائِمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} أَيْ لِلْحِسَابِ قال الْحَسَنُ: كُلٌّ لَهُ قَائِمٌ بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ. وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:" قانِتُونَ" مخلصون."
القنوت يطلق على معان متعددة يطلق ويراد به دوام الطاعة ويطلق ويراد به طول القيام ويطلق ويراد به العبادة والإخلاص وغير ذلك من المعاني التي جمعها الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في بيتين، مَن يذكرهما؟ أحد يذكرهما؟ معاني ذكرها الحافظ العراقي في بيتين من نظمه أنا لا أذكرهما الآن نسيتهما هل أحد من الإخوان يذكرهما؟ نقلهما عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
"قَوْلُهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أَمَّا بَدْءُ خَلْقِهِ فَبِعُلُوقِهِ فِي الرَّحِمِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَأَمَّا إِعَادَتُهُ فَإِحْيَاؤُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالنَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ لِلْبَعْثِ، فَجَعَلَ مَا علِمَ مِنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِ دَلِيلًا عَلَى مَا يَخْفَى مِنْ إِعَادَتِهِ، اسْتِدْلَالًا بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ، ثم أكد ذلك بقوله {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ{ يُبْدِئُ الْخَلْقَ} مِنْ أَبْدَأَ يُبْدِئُ، دَلِيلُهُ قوله تعالى{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} وَدَلِيلُ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} وَهو أَهْوَنُ بِمَعْنَى هَيِّنٍ، أَيِ الْإِعَادَةُ هَيِّنٌ عَلَيْهِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ. فَأَهْوَنُ بمعنى هين، لأنه ليس شيء أهون على الله من شيء. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمَنْ جَعَلَ أَهْوَنَ يُعَبِّرُ عن تفضيل شيء على شيء فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً"}."
لو جُعل أفعل التفضيل هنا على بابه لقلنا أن هناك شيء هيِّن وشيء أهون ولا شك أن الأهون هو الأسهل ومقابله الذي يشاركه في التفضيل يشاركه في الهون والسهولة لكنه مع شيء من المشقة كما تقتضيه أفعل التفضيل لأن أفعل التفضيل تكون بين أمرين يشتركان في وصف يفوق أحدهما الآخر في ذلك الوصف فالمفوق في أهون يكون فيه شيء من الشدة وإن كان هيِّنًا فيه شيء من الشدة والله -جل وعلا- كل شيء هين عليه سهل يُوْجِد ويُعْدِم بكلمة كن {وكان ذلك على الله يسيرا} كل شيء يسير على الله -جل وعلا- لا يوجد شيء أهون من شيء بمعنى أن المفضل عليه يكون فيه شيء من الشدة كما هو في شأن البشر فأهون أفعل التفضيل تأتي بمعنى فاعل إذا قيل فلان أقوم يقي قائم.
"قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمَنْ جَعَلَ أَهْوَنَ يُعَبِّرُ عن تفضيل شيء على شيء فَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً"}. وبقوله: {وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما} وَالْعَرَبُ تَحْمِلُ أَفْعَلَ عَلَى فَاعِلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا |
| بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ |
أَيْ دَعَائِمُهُ عَزِيزَةٌ طويلة. وقال آخر:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ |
| عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّةُ أَوَّلُ |
أَرَادَ: إِنِّي لَوَجِلٌ. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا:
إِنِّي لَأَمْنَحُكَ الصُّدُودَ وَإِنَّنِي |
| قَسَمًا إِلَيْكَ مَعَ الصُّدُودِ لَأَمْيَلُ |
أَرَادَ لَمَائِلٌ. وَأَنْشَدَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى:
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ |
| فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَد |
أَرَادَ بِوَاحِدٍ. وَقَالَ آخَرُ:
لعمرك إن الزَّبرقان ............... |
| ...................................... |
"
الزِّبرقان.
"
لَعَمْرُكَ إِنَّ الزِّبْرِقَانَ لَبَاذِلٌ |
| لِمَعْرُوفِهِ عِنْدَ السِّنِينَ وَأَفْضَلُ |
أَيْ وَفَاضِلٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ اللَّهُ الْكَبِيرُ."
لأنه لا يوجد من يشاركه في هذا الوصف فيُفَضَّل عليه لا يوجد من يشاركه في هذا الوصف فيُفَضَّل عليه، لكن إذا قيل الله -جل وعلا- أكبر من كل شيء رأيت الله أكبر كل شيء فلا مانع لأن هناك من يدَّعي الكِبَر ومنهم من هو الكبير ومنهم الصغير ومنهم المتوسط ولكن الله -جل وعلا- أكبر من الجميع لا يوجد ما يمنع -إن شاء الله تعالى-.
"وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" وَهُوَ عَلَيْهِ هَيِّنٌ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْإِعَادَةَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ -أَيْ عَلَى اللَّهِ- مِنَ الْبِدَايَةِ، أَيْ أَيْسَرُ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هَيِّنًا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، يَقُولُ: إِعَادَةُ الشَّيْءِ عَلَى الْخَلَائِقِ أَهْوَنُ مِنِ ابْتِدَائِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْبِدَايَةِ عِنْدَكُمْ وَفِيمَا بَيْنَكُمْ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِنْشَاءِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي" عَلَيْهِ" لِلْمَخْلُوقِينَ، أَيْ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى الْخَلْقِ، يُصَاحُ بِهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَيَقُومُونَ وَيُقَالُ لَهُمْ: كُونُوا فَيَكُونُونَ، فَذَلِكَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ أَجِنَّةً ثُمَّ أَطْفَالًا ثُمَّ غِلْمَانًا ثُمَّ شُبَّانًا ثُمَّ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقُطْرُبٌ. وَقِيلَ: أَهْوَنُ أَسْهَلُ، قَالَ:
وَهَانَ عَلَى أَسْمَاء أَنْ شَطَّتِ النَّوَى |
| يَحِنُّ إِلَيْهَا وَالِهٌ وَيَتُوقُ |
أَيْ سَهُلَ عَلَيْهَا."
الكلام الأخير الذي ذكره وهو أن الضمير في عليه يعود للمخلوق أهون على المخلوق الإعادة من البدء باعتبار أن البدء يمر بأطوار والإعادة يقوم دفعة واحدة يقوم ينظر دفعة واحدة متكامل بينما في البدء أطوار متعددة فيها ما في عليه منها المشقة العظيمة من الصغر ثم الشباب ثم الكهولة ثم الكِبَر والهَرَم هذه فيها مشقة على المخلوق لكن النظم والسياق يدل على أن الضمير يعود إلى الله -جل وعلا- وأن أهون بمعنى هيِّن وأنه إذا كان بالنسبة للمخلوق الإعادة أهون من الابتداء فكيف بجناب الرب -جل وعلا- الذي يقول للشيء كن فيكون في نفخة في الصور يأمر بها الله -جل وعلا- فإذا هم قيام ينظرون جميع من خلق من آدم إلى آخر مخلوق يدب على ظهر الأرض كلهم بنفخة واحدة تعود الأرواح إلى الأجسام لا شك أن هذا في غاية السهولة يعني في نظر المخلوق لا بالنسبة للخالق في نظر المخلوق هو يختلف عن تقديره عليه أي على المخلوق فرق بين أن يكون أهون على المخلوق وأن يكون أهون في نظر المخلوق يعني جرت العادة أن ابتداء الشيء فيه صعوبة يعني إنشاؤه من عدم بالنسبة للمخلوق يعني في نظر المخلوق فيه شيء من الصعوبة بينما الإعادة إعادة الشيء أمره أيسر فهي أهون هذا في نظره إلا فالكل بالنسبة للخالق -جل وعلا- كله يكون بكلمة كن {إنما أمره إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون} سواء كان ابتداء أو إعادة.
"وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" قال: ما شيء عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ. قال عِكْرِمَةُ: تَعَجَّبَ الْكُفَّارُ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى} أي ما أراده -جل وعز- كَانَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْمَثَلُ الصِّفَةُ، أَيْ وَلَهُ الْوَصْفُ الْأَعْلَى" فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كَمَا قَالَ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أَيْ صِفَتُهَا. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ:" الْمَثَلُ الْأَعْلى " قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَمَعْنَاهُ: أَيِ الَّذِي لَهُ الْوَصْفُ الأعلى، أي الأرفع الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْمَثَلُ الْأَعْلَى شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَيعَضدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" أَيْ قَوْلُهُ: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قَدْ ضَرَبَهُ لَكُمْ مَثَلًا فِيمَا يَصْعُبُ وَيَسْهُلُ، يُرِيدُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم."
لما ذكر الله -جل وعلا- في الآية أن الإعادة أهون من الابتداء خشية من أن يَتصوَّر متصوِّر أن الابتداء فيه شيء من المشقة قال الله-جل وعلا- {وله المثل الأعلى} يعني ابتدأ الآية بقوله {وله المثل الأعلى} وله المثل الأعلى قرنت بقوله {وهو أهون عليه} لئلا يُتصوَّر أن هناك ما يشق على الرب -جل وعلا- وهذا سياق مطروق ومألوف إذا كان في السياق ما يوهم ما فيه نقص في جناب الرب -جل وعلا- قيل {وله المثل الأعلى} ولكن هل يطلق على قوله المثل الأعلى كما أُلِّف في ذلك محمد المثل الأعلى كتاب وأيضًا ذُكِر في سياق مدحه -عليه الصلاة والسلام- أنه المثل الأعلى يعني القدوة والأسوة لمن أراد أن يقتدي هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو المثال الذي يُحتذَى منهم من منع ورد على من أطلق هذه الكلمة في حقه -عليه الصلاة والسلام- وقال إنها خاصة بالله -جل وعلا- ومنهم من قال أنه بالنسبة للمخلوقين مثل أعلى بالنسبة لهم فمن المخلوقين من هو أسفل ومنهم من هو سافل ومنهم من هو عالٍ ومنهم من هو أعلى إذ مراتبهم متفاوتة فإذا نظرنا من هذه الحيثية لاختلاف المخلوقين في هذه الصفات قلنا أن محمدًا مثل أعلى بالنسبة للمخلوقين وإذا أردنا العلو المطلق فهو خاص بالله -جل وعلا- وعلى كل حال إذا كان اللفظ يَحتمِل ينبغي أن يُترَك وفي المسألة كلام لأهل العلم وفيها ردود على من أطلق هذه اللفظة في غير حقه -جل وعلا-.
"قوله تعالى {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى-قَوْلُهُ تَعَالَى:" مِنْ أَنْفُسِكُمْ" ثُمَّ قَالَ:" مِنْ شُرَكاءَ"، ثُمَّ قَالَ:" مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ" فَـ"مِنْ" الْأُولَى لِلِابْتِدَاءِ، كَأَنَّهُ قال: آخذ مثلا وأنتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم.."
أخذ.. أخذ..
"كأنه قال أخذ مثلا.."
يعني ضرب بمعنى أخذ مثلا.
"أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء مِنْكُمْ وَهِيَ أَنْفُسُكُمْ. وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّالِثَةُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِفْهَامِ."
والزائدة يصح أن تقول في غير القرآن ضرب لكم مثلا أنفسكم فالمثل المضروب هو النفس هذا إذا قلنا أنها زائدة لتأكيد الاستفهام وإذا قيل إنها للتبعيض ضرب لكم مثلا من بعضكم من أنفسكم يعني من بعضكم.
طالب: ..........
القرآن مصون من الزيادة والنقصان يعني لو أنكرها أحد كفر لو أنكر هذه الكلمة وحذفها كفر بلا شك لأن القرآن محفوظ تكفل الله بحفظه ومصون من الزيادة والنقصان إلا أنها باعتبار عدم تأثيرها في الكلام وإن كان وجودها فيه تأكيد لكن لو حذفت لو لم ترد في هذا السياق ما أثَّرت هو من هذه الحيثية بعضهم يعبر عن مثل هذا بقوله صلة تشبيها لها بصلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب وهذا تعبير فيه أدب وعلى كل حال القرآن مصون من الزيادة والنقصان فلا يجوز أن يذكر بمثل هذا بمعناه المعروف أن هذا يمكن حذفه هذا لا يمكن فمن أنكر من هذه التي قيل عنها أنها زائدة هي زائدة من حيث أنها لو جاء الأسلوب بدونها ما تأثر الكلام إلا أنها زيدت لتأكيد الاستفهام عند من يقول بالمجاز يقول هذا مجاز بالزيادة لاسيما إذا وجد آية أخرى بدونها يعني مثلها في سياق آخر بدونها يقول هذا مجاز بالزيادة يعني كما قالوا في قوله {ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} وفي الآية الأولى {ألم أقل إنك} لا يوجد لك فقالوا هذا مجاز بالزيادة ولا مجاز في القرآن كما هو القول المحقق عند أهل العلم ولا بد لها من فائدة.
طالب: هذا يقول إنها حرف جر، يصح أن نقول هذا أم لا؟
إذا تصورنا أن الزيادة زيادة من حيث الإعراب لا من حيث المعنى لأنها في المعنى إنما جيء بها لتأكيد الاستفهام.
"وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ."
ولذا النبي-عليه الصلاة والسلام- في حجته المشهورة يقول جابر أهل بالتوحيد أهل بالتوحيد خلافا لما كان عليه العرب في جاهليتهم يهلون بالشرك فأهل النبي -عليه الصلاة والسلام-بالتوحيد.
"قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالْمَعْنَى: هَلْ يَرْضَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ مِثْلَهُ، فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا بِهَذَا لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْفَ جَعَلْتُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ."
لأن الخلق كلهم ملك لله -جل وعلا- وعبيد له مربوبون له فهو خالقهم ورازقهم وهو موجدهم من العدم فهم عبيده فكيف يشرك ببعضهم يُجعلون شركاء مع الله -جل وعلا- وهذا نظير المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- لو قُدِّر أن للإنسان عبد مملوك اشتراه بحر ماله ثم قال له أنا لا بد أن أكون مثلك في الأمر والنهي في الأكل والشرب واللبس لا فرق بيني وبينك لا بد أن أكون شريكًا لك في كل شيء هل يرضى بمثل هذا؟! لا يمكن أن يرضى مع أنه ملك ناقص ليس بملك تام كملك الرب -جل وعلا- لعبيده والمخلوقين.
"الثَّانِيَةُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ لِافْتِقَارِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ وَنَفْيِهَا عَنِ الله سبحانه، وذلك أنه لما قال جل وعز: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} الْآيَةَ، فَيَجِبُ أَنْ يَقُولُوا: لَيْسَ عَبِيدُنَا شُرَكَاءَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا! فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تُنَزِّهُوا نُفُوسَكُمْ عَنْ مُشَارَكَةِ عَبِيدِكُمْ وَتَجْعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي خَلْقِي، فَهَذَا حُكْمٌ فَاسِدٌ وَقِلَّةُ نَظَرٍ وَعَمَى قَلْبٍ! فَإِذَا بَطَلَتِ الشركة بين العبيد وساداتهم فِيمَا يَمْلِكُهُ السَّادَةُ وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَبِيدٌ لِلَّهِ تعالى فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله تعالى في شيء مِنْ أَفْعَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّهُ وَاحِدٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ، إِذِ الشركَةُ تَقْتَضِي الْمُعَاوَنَةَ، وَنَحْنُ مُفْتَقِرُونَ إِلَى مُعَاوَنَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ، وَالْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذلك جل وعز. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَفْضَلُ لِلطَّالِبِ مِنْ حِفْظِ دِيوَانٍ كَامِلٍ فِي الْفِقْهِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي القلب، فافهم ذلك."
هذا مما يدل على الاهتمام بأمر العقائد وتصحيح العقائد على ضوء الكتاب والسنة وما جاء عن سلف هذه الأمة والحذر الحذر كل الحذر من الابتداع وشرع غير ما شرعه الله -جل وعلا- في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- فتخليص العبادة لله -جل وعلا- واتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- أهم المهمات إذ هما شرطان في كل عمل يُتقرب به إلى الله -جل وعلا- وإلا فما الفائدة من شخص من أبرع الناس في المعقولات على ما يقولون وأبرع الناس في الفقهيات والأحكام وآية من آيات الله في بعض العلوم ومع ذلك عنده شيء من البدع وقد تكون بدع مغلظة وعرفنا ممن هو آية في علوم الكلام وفي أصول الفقه وفي الأحكام بأدلتها ومعرفة مآخذها من النصوص ومع ذلك تجده يتساهل في أمور العقائد ينطوي على شيء من البدع وبعضهم -نسأل الله السلامة والعافية- لديه بدع مغلظة تجده يطوف بقبر مثلا وهو معدود من المبرِّزِين في علم التفسير مثلا أو في أصول الفقه أو غير ذلك لا شك أن تصحيح العقائد أهم ما يهتم به طالب العلم لأنه الأصل الذي يُبنَى عليه غيره فإذا صح صح ما دونه وإذا فسد فسد ما دونه من باب أولى ولذا نبه المؤلف رحمه الله على أهمية هذا يقول هذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه يعني الفقه الفرعي وإلا فمثل هذا من أعظم الفقه يسمونه الفقه الأكبر المقصود بهذا الفقه الفرعي الفقه الاصطلاحي الذي تعارف الناس على تسميته بالفقه وأما الفقه المشار إليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» فيشمل جميع أبواب الدين بدءًا من التوحيد والإيمان والعقائد مرورا بالعبادات والمعاملات والأخلاق والسير والآداب وغيرها من العلوم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ بِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِي عِبَادَتِهَا وَتَقْلِيدِ الْأَسْلَافِ فِي ذَلِكَ. {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} أَيْ لَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذَا رَدٌّ على القدرية. {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ}."
فمن يهدي من أضل الله القدرية النفاة الذين هم المعتزلة ومن يشاركهم من الشيعة من الاثني عشرية والزيدية يقولون أن العبد يخلق فعله هو الذي أضل نفسه والله -جل وعلا- يقول: {فمن يهدي من أضل الله} فالله -جل وعلا- هو الذي أضله يعني هو الذي قدرة هذا العبد وإرادته ومشيئته داخلة في قدرة الله وإرادته ومشيئته ويقابلهم في هذا الجبرية الذين يقولون أن العبد لا فعل له وليست لديه أي قدرة ولا إرادة ولا مشيئة وإنما حركته كحركة الشجر في مهبِّ الريح {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} يستدلون بمثل هذا أن العبد ليس له فعل ولا إرادة ولا مشيئة ولو كان له شيء من ذلك لتعارضت مع مشيئة الله وقدرته وإرادته لكن لا تعارض وفَّق الله أهل السنة أن توسطوا بين القولين وأثبتوا للعبد إرادة ومشيئة لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته وأما قوله -جل وعلا-: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} أثبت له الرمي لكنه نفى عنه الاستقلال ونفى عنه الإصابة يقال وما أصبت إذ حذفت فأثبت له الحذف وأثبت له الرمي لكن الإصابة بيد الله -جل وعلا- فكل إنسان يستطيع أن يأخذ حجر ويرمي به هدفا أو غرضا أمامه لكن الإصابة بيد الله -جل وعلا- قد يصيب وقد يخطئ وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب الهدف ولو أن كل شخص يصيب تُثبَت له الإصابة لكان ما صار لأحد ميزة على أحد ولو كان كل شخص لا يصيب لما كان في الرمي فائدة والقوة الرمي كما جاء في الحديث.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ} فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى قَالَ الزَّجَّاجُ:" فِطْرَتَ" مَنْصُوبٌ بِمَعْنَى اتَّبِعْ فِطْرَةَ اللَّهِ. قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} اتَّبِعِ الدِّينَ الْحَنِيفَ واتبع فطرة الله. وقال الطبري:" فِطْرَتَ اللَّهِ" مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى:" فَأَقِمْ وَجْهَكَ" لِأَنَّ معنى ذلك: فطر الله الناس على ذَلِكَ فِطْرَةً. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ اتَّبِعُوا دِينَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّاسَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى" حَنِيفاً" تَامًّا. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَكُونُ مُتَّصِلًا، فَلَا يُوقَفُ عَلَى" حَنِيفاً". وَسُمِّيَتِ الْفِطْرَةُ دِينًا لِأَنَّ النَّاسَ يُخْلَقُونَ له، قال جل وعز: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وَيُقَالُ:" عَلَيْها" بِمَعْنَى لَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها} وَالْخِطَابُ بِـ"أَقِمْ" لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَرَهُ بِإِقَامَةِ وَجْهِهِ لِلدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ، كما قال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ هُوَ تَقْوِيمُ الْمَقْصِدِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْجدِّ فِي أَعْمَالِ الدِّينِ، وَخصَّ الْوَجْهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ جَامِعُ حَوَاسِّ الْإِنْسَانِ وَأَشْرَفُهُ. وَدَخَلَ فِي هَذَا الْخِطَابِ أُمَّتُهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَ" حَنِيفاً" مَعْنَاهُ مُعْتَدِلًا مَائِلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ الْمَنْسُوخَةِ."
الحَنَف أصله المَيْل ومنه قيل لمن برِجْله شيء من الميل حَنَف وأَحْنَف فالميل عن الباطل إلى الحق حَنَف لأن فيه ميل فقيل لإبراهيم حنيفا {اتبع ملة إبراهيم حنيفا} يعني مائلا عن الشرك وأهله مائلا عن الضلال وأهله مائلا عن المخالفين إلى آخره وخصت بالميل عن الشر وأهله عن الضلال وأهله في النصوص خُصَّت بهذا وإن كان أصلها في اللغة الميل بعمومه وإطلاقه.
طالب: شيخ الأصل في... الأصل في ذلك.
لا، أقول الأصل في استعمال الكلمة الميل ومنه قيل لمائل الرجل أحنف فكون إبراهيم -عليه الصلاة والسلام، وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم- كونه يقال له حنيف لأنه مال عن الشرك وأهله مال عن الشرك والمشركين واعتزلهم، اعتزلهم وما يعبدون فكونه مال عنهم صار بذلك استحق هذا اللقب.
"الثَّانِيَةُ فِي الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ -فِي رِوَايَةٍ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ- أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} وفي رواية: «حتى
تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» لَفْظُ مُسْلِمٍ."
هذا دليل من يقول بالتوقف في شأن الأطفال عموما وجاء ما يدل على أن أطفال المسلمين في الجنة وجاء ما يدل على التعميم وأن جميع الأطفال كلهم على الفطرة وأنهم في الجنة على ما سيذكره المؤلف -إن شاء الله تعالى-.
"الثَّالِثَةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، مِنْهَا الْإِسْلَامُ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُمَا، قَالُوا: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَضَّدُوا ذَلِكَ بِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمًا: «أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا حَدَّثَنِي اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، أنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَبَنِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ، وَأَعْطَاهُمُ الْمَالَ حَلَالًا لَا حَرَامَ فِيهِ فَجَعَلُوا مِمَّا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ حَلَالًا وَحَرَامًا..» الْحَدِيثَ وَبِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» ... فَذَكَرَ مِنْهَا قَصَّ الشَّارِبِ، وَهُوَ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الطِّفْلَ خُلِقَ سَلِيمًا مِنَ الْكُفْرِ عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكُوا فِي الْجَنَّةِ، أَوْلَادَ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ أَوْلَادَ كُفَّارٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْبَدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَأَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا، أَيْ عَلَى مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلْقَهُ مِنْ أَنَّهُ ابْتَدَأَهُمْ لِلْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، وَإِلَى مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ قَالُوا: وَالْفِطْرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْبَدَاءَةُ. وَالْفَاطِرُ: الْمُبْتَدِئُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَدْرِي مَا فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى أَتَى أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، أَيِ ابْتَدَأْتُهَا. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ تَرَكَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لَهُ: مَا رَسَمَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَذَكَرَ فِي بَابَ الْقَدَرِ فِيهِ مِنَ الْآثَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ نَحْوُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ."
هذا يعني أن المراد بالفطرة ابتداء الخلق إن الله -جل وعلا- خلقهم على هذا ثم إن الشياطين اجتالتهم عن الصراط المستقيم.
"وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} قَالَ: مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ لِلضَّلَالَةِ صَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الْهُدَى، وَمَنِ ابْتَدَأَ اللَّهَ خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى صَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الضَّلَالَةِ، ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الضَّلَالَةِ وَعَمِلَ بِأَعْمَالِ السَّعَادَةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقَهُ، قَالَ: وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ."
حديث ابن مسعود حديث الصادق المصدوق أنه يُرسَل الملك بكتابة ما قَدَّر الله له ومنها شقي أو سعيد وهو في بطن أمه وجاء في الحديث: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق إليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» ومثله الطرف الثاني «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب» يعني كتبت له السعادة في بطن أمه فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها نسأل الله حسن الخاتمة.
"قُلْتُ: قَدْ مَضَى قَوْلُ كَعْبٍ هَذَا فِي" الْأَعْرَافِ" وَجَاءَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِنَازَةِ غُلَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ! قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ. وَخَرَّجَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ» فَقُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا، فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا -ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ- هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ."
مخَرَّج؟ يقول عند الترمذي حسنه، ماذا قال؟ يعني ووفق عليه أم لا؟ ماذا قال في التخريج؟
طالب: له شواهد أخر... بسند صحيح... حسن غريب...
طالب: ... رجاله كلهم ثقات... صدوق...
على كل الحال تحسين الترمذي له وجه.
"وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْه} وَلَا قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطرة» العموم، وإنما المراد بالناس المؤمنون، إذا لَوْ فُطِرَ الْجَمِيعُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَمَا كَفَرَ أَحَدٌ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَلَقَ أَقْوَامًا لِلنَّارِ، كما قال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ} وَأَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ. وَقَالَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ: طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ بِنَهَارٍ وَفِيهِ: وَكَانَ فِيمَا حَفِظْنَا أَنْ قَالَ: «أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا طَبَقَاتٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَمِنْهُمْ حَسَنُ الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ» ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالُوا: وَالْعُمُومُ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ كَثِيرٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ."
في إسناده علي بن زيد -معروف- ابن جدعان مُضَعَّف عند أهل العلم، له شواهد أو ليس له؟ ماذا قال؟
طالب: قالوا ضعيف أخرجه الطيالسي من حديث أبي سعيد وإسناده ضعيف لأجل علي بن زيد.
علي بن زيد بن جدعان مُضَعَّف عند جمهور أهل العلم.
"أَلَا تَرَى إلى قوله عز وجل: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} وَلَمْ تُدَمِّرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ."
العموم يأتي على وجوه وأنحاء فمنها العموم المحفوظ الباقي على عمومه ومنها العموم المخصوص الذي جاء ما يخصصه من النصوص ومنها العموم الذي أريد به الخصوص يعني من الأصل وقت التكلم به لم يُرَدْ به العموم وإنما أريد به أمر خاص.
"وَقَوْلُهُ: {فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ} وَلَمْ تُفْتَحْ عَلَيْهِمْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} ثم قال:" {فِطْرَتَ اللَّهِ}" أَيْ فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِطْرَةً إِمَّا بِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَلِهَذَا قَالَ {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ."
أبو العباس القرطبي صاحب المُفْهِم لأن بعض من كتب من طلاب العلم يعني الصغار كتب رأيًا لشيخ الإسلام ابن تيمية نقله من تفسير القرطبي لأنه قال قال شيخنا أبو العباس سمعت شيخنا أبا العباس مرارا يقول مثلما يقول ابن القيم عن شيخ الإسلام لكن شيخه أبو العباس القرطبي صاحب المفهم وإلا فصاحب التفسير قبل شيخ الإسلام فضلا عن شيخه.
"قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مَنْ قَالَ هِيَ سَابِقَةُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْفِطْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلَا، لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا تُبَدلُ وَتُغَيرُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْخِلْقَةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ.."
يكفي الكلام طويل الباقي قف على هذا. اللهم صلِّ على محمد...
طالب: ... الحديث اللي فسره الترمذي ... يحقق على اللغة...
لكن له شاهد له شاهد.
"