المعتزلة يستدلون بقوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] على أن الكلام لا ينحصر في الصدق والكذب؛ لأن الكذب قوبل بالجِنَّة وما قوبل بالصدق، فدل على أن هناك كلامًا ليس بصدق ولا كذب. وأهل السنة الكلام عندهم إما صدق، وإما كذب، ولا واسطة بينهما، وفي الرد على المعتزلة:
- إما أن نقول: إن كلام المجنون ليس بكلام أصلاً كالنائم، والساهي، والمغمى عليه، وما عُلِّم من الطيور، ونشترط فيه القصد، فيكون المجنون في حكمهم، ويخرج كلامه من كونه كلامًا، ويسلم كلام أهل السنة من الاعتراض.
- وإما أن نقول: إن كلام المجنون كلام معتبر، ومنه الصدق والكذب، فما طابق الواقع منه فهو صدق، وما خالف الواقع فهو كذب ولا واسطة، لكن يشكل على هذا مقابلة الكذب بكونه {بِهِ جِنَّةٌ}، فدل على أن كلام المجنون لا يوصف بكونه كذبًا؛ لأنه قوبل به، ولا يمكن أن يوصف بالصدق وأكثره ليس بصدق.
فإذن يُخَرَّج على أن كلام المجنون ليس بكلام، فلا يدخل في الحصر، وتطّرد القاعدة معنا.