تحرم قراءة القرآن بالمعنى وبغير العربية، لكن هل تجوز ترجمته لغير العربية؟
نقول: إن الترجمة على قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة معنوية.
والترجمة الحرفية غير ممكنة وغير متصورة، فلو أتيت بكلام عربي كمقطوعة شعرية، أو حديث، أو قصة، وأعطيتها شخصًا يترجمها إلى اللغة الإنجليزية أو إلى اللغة الفرنسية، ثم أَطْلعت عليها طرفًا ثالثًا، فقلت له: أعِده إلى العربية، أو: ترجمه إلى العربية، هل يتطابق الكلام الثالث مع الأول؟ لا يتطابق ذلك، فالترجمة الحرفية مستحيلة؛ لأن المترجم ينظر إلى معنى من المعاني يسبق ذهنه إليه فيترجم به، واللفظة الواحدة في العربية لها عدة معانٍ في الترجمة، وقد يُحرِّف في المعنى المترجم لعدم فَهمه لمعاني العربية، فإذا أراد إعادته إلى الأصل ما استطاع، مثال ذلك قوله تعالى: {هنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] كيف يترجمه حرفيًّا إلى غير العربية؟ هل معنى الترجمة أن تأتي إلى (الهاء) في كلمة {هُنَّ} وتضع مكانها حرف (H) بالإنجليزية، ثم بقية الحروف كذلك؟ لا أحد يترجم حرفًا بحرف، بل الترجمة تكون كلمة بكلمة، فلو قال في ترجمة قوله تعالى: {هنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، قال: (أنت بنطلون لها وهي بنطلون لك)، نقول: هذا لا يصح ولا يمكن. فالترجمة الحرفية مستحيلة.
أما ترجمة المعاني والتعبد بالقراءة بها، وترتيب الآثار عليها، وتصحيح العبادات بها، فهي كذلك لا تمكن؛ لأن الترجمة لا تكون إلا بتجاوز مرحلتين: قراءة معنى، وقراءته بغير العربية، ولذا يحرِّمون أيضًا رواية القرآن بالمعنى، بخلاف رواية السنة بالمعنى، فقد أجازها الجمهور للحاجة والضرورة، وعليه فيحرم ترجمة القرآن؛ لأنها نوع أو فرع عن قراءته بالمعنى، فإذا كانت قراءته بالمعنى لا تجوز، فقراءته بغير العربية من باب أولى.
والأمور المتعبّد بها عمومًا لا يجوز قراءتها بغير العربية، كالقراءة في الصلاة، وأذكار الصلاة كالتكبير، والتسبيح، والتشهد، وغير ذلك، فلا بدّ أن يكون بالعربية، ومن العلماء مَن يقول: إذا لم يستطع تعلّم العربية فيأتي بها بلغته أحسن من لا شيء.
وأيضًا خطبة الجمعة، لا يجوز أن تكون بغير العربية، وللخطيب أن يُترجم بعض الجمل أو بعض الكلام، وإن كان هذا بعد نهاية الصلاة كان أَولى؛ لأن العبادات توقيفية.
وقضية ترجمة معاني القرآن الكريم وقعت بسببها فتنة منذ سبعين أو ثمانين سنة، وأُلِّف فيها مصنفات كثيرة، وردود من أطراف متعددة، لكن استقرّ الأمر الآن على الجواز، وتُرجِمت معاني القرآن، ونفع الله بها نفعًا عظيمًا.