الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يقول: (وظننت حين سألتني تجشّم ذلك أن لو عُزِم لي عليه، وقضي لي تمامه، كان أول من يصيب نفعُ ذلك إياي خاصةً) يعني أن أول من يستفيد من التأليف هو المؤلف، وأول من يستفيد من التعليم هو المعلم، هذا معنى كلامه، لكن ما معنى (عزم لي)، والفعل مبني للمجهول، من فاعله؟ يقول القاضي عياض: (قال الإمام -المازري-: لا يُظن بمسلم -بالإمام مسلم- أنه أراد لو عَزم الله لي عليه؛ لأن إرادة الله لا تسمى عزمًا، ولعله أراد: لو سهّل لي سبيل العزم، أو خلق فيّ قدرة عليه) هذا كلام المازري، وقال القاضي عياض: (قد جاء هذا اللفظ في الكتاب –صحيح مسلم- من كلام أم سلمة –رضي الله عنها- في كتاب الجنائز قالت: ثم عَزم الله لي فقلتها) يعني إذا كان المبني للمجهول مُحتمل أن المراد به الله -سبحانه وتعالى- أو غيره، فمثل قول أم سلمة –رضي الله عنها- هذا لا يَحتمل شيئًا، فإن العازم هنا هو الله -سبحانه وتعالى-.
يقول القاضي: (أصل العزم القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله -عز وجل-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] ) المقصود أن صفة العزم لله -سبحانه وتعالى- كل هؤلاء العلماء يُنفونها عن الله -سبحانه وتعالى- بما في ذلكم النووي، والخلاف فيها أمره يسير؛ لأنه لم يثبت في إثبات صفة العزم لله شيء مرفوع لا من الكتاب ولا من السنة، وأقوى ما فيه قول أم سلمة –رضي الله عنها- هذا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ذكر أن لأهل السنة في إثبات صفة العزم لله ونفيها قولان، لكنه رجّح إثبات صفة العزم لله -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.