الإيمانُ يُعَرَّفُ في كثيرٍ من كتبِ اللغةِ المتأخرةِ وكتبِ أهلِ المقالاتِ المتأخرين بأنه التَّصديقُ، ويستدلونَ بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] أي بمُصَدِّقٍ، لكن إذا نظرْنا إلى التَّعْديةِ بالحرفِ، فلا تكونُ آمَنْتُ باللهِ معناها صَدَّقْتُ باللهِ، فالإيمانُ يَتَعَدَّى بالباءِ، والتَّصديقُ يَتعدَّى باللامِ، والتَّصديقُ بعضُ حقيقةِ الإيمانِ اللُّغويَّةِ، لكن ليس التَّصديقُ مساويًا للإيمانِ من كلِّ وجهٍ، فالإيمانُ تصديقٌ معه إقرارٌ واعترافٌ وإذعانٌ وجزمٌ. وشيخُ الإسلامِ –رحمه الله- يُقرِّرُ أن الحقائقَ الشرعيَّةَ لا تأتي ناسفةً للحقائقِ اللُّغويَّةِ، ولا تأتي على تَضادٍّ تامٍّ مع الحقائقِ اللُّغويَّةِ، وإنما تكونُ الحقيقةُ الشرعيَّةُ جزءًا من الحقيقةِ اللُّغويَّةِ غالبًا؛ فإذا قُلْنَا: إن من حقيقةِ الإيمانِ اللُّغويَّةِ التَّصديقَ. قلنا: إن الشرعَ زادَ عليها قُيودًا، وإذا كانت الحقيقةُ اللُّغويَّةُ للصلاةِ هي الدعاءُ، فحقيقةُ الصلاةِ الشرعيَّةُ الدعاءُ وزيادةٌ، فتكونُ الحقائقُ اللُّغويَّةُ أبعاضًا أُضِيفَ إليها مما جاءَ في النصوصِ الشرعيَّةِ. فعلى هذا يكون الإيمان تصديقًا يصحبه أمور من الارتياح والطمأنينة والإيقان، قد تصدق لكنك غير مرتاح، وقد تصدق وأنت غير موقن بما يقال. وأما بالنسبة للإيمان فلا بد من الطمأنينة واليقين معه على أن حقيقته الشرعية هي ما جاءت به النصوص.