لا شك أن البحث الذي تُكتسب منه الدرجة العلمية كورقة الامتحان لا يجوز له أن يستعين بغيره فيما يتعلق بالعلم الذي تشتمل عليه هذه الرسالة، فلا يجوز أن يعتمد على أحد في تخريج الأحاديث؛ لأنه جزء من العمل العلمي في الرسالة، ولا يجوز له أن يَكل جمع المادَّة العلمية لأحد، ولا شك أن هذا نوع من الخيانة، وأما بالنسبة لما يتعلق بالأمور الفنية كالطباعة مثلًا أو ترتيب الأوراق أو تجليد الرسالة فيمكن أن يستعين، والفهارس أيضًا تختلف فيها وجهات النظر هل هي من صميم العمل وجزء من ورقة الاختبار الذي يُؤهل الطالب له، أو هي أمر تكميلي فنِّي يمكن أن يستفيده من غيره؟ وعلى كل حال يحرص الإنسان على ألَّا يعتمد على غيره في المادة العلمية في جمعها وترتيبها ودراستها والخلوص بنتائجها، لا يجوز له ذلك بحال؛ لأن هذه الرسالة شهادة له بأنه متقن لهذا العمل ولهذه المادة العلمية، ويؤهَّل لما تتطلبه هذه الشهادة.
وبعض الناس يشدد على نفسه فلا يَكل شيئًا من عمله إلى غيره ولو كان ليس من صميم العلم، وبعضهم يجمع النسخ للكتاب المخطوط المراد تحقيقه فيسجل نسخة على جهاز تسجيل، ثم يقابلها بنفسه بنسخة أخرى، ثم يقابلها بنفسه من المسجل بنسخة ثالثة، ولا شك أنه إذا كانت المقابلة من شخص واحد فذهنه قد لا يستوعب النسختين معًا، بل لا بد أن يفوت عليه شيء، وإذا كان أكثر من واحد يقابل النسخ فلا مانع من ذلك، وهذا مما تدخله النيابة، كالصف والترتيب والطباعة والتجليد وما أشبه ذلك.
وبعض الناس يتساهل حتى يصل الأمر إلى أن يوزع العمل على مجموعة من الناس، هذا له جمع المواد، وهذا له ترقيم الآيات، وهذا له تخريج الأحاديث، وهذا له ترجيح المسائل، وذاك له الفهارس، وهكذا.
هذان لا شك أنهما طرفا نقيض، والخير في الوسط، على التفصيل الذي ذكرناه.
وأما المراجعة اللغوية فلا شك أن معرفة الطالب باللغة وجودة أسلوبه جزء من هذه الرسالة، فالذي يتجه عندي أنه لا يستفيد من أحد في هذا، إنما لو سأل عن الجزئيات كأن تُشكل عليه مسألة فسأل عنها واستفاد فلا مانع، أما أن يدفع الكتاب بكامله ويقول: (صححه لغويًا)! هذا يظنه المُناقش من صنيعه وإتقانه وجودته، وحقيقة الأمر ليس كذلك، أما إذا سأل واستفاد فإنه بنى نفسه علميًّا بهذا السؤال وباستيعاب الجواب.