التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزخرف (07)
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى:-
"قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لَهُمْ، أَيْ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّا جِئْنَاكُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْحَقِّ فَلَمْ تَقْبَلُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ لَهُمُ الْيَوْمَ، أَيْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْأَدِلَّةَ، وَأَرْسَلْنَا إِلَيْكُمُ الرُّسُلَ، " وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ" أَيْ وَلَكِنَّ كُلَّكُمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْكَثْرَةِ الرُّؤَسَاءَ وَالْقَادَةَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْأَتْبَاعُ فَمَا كَانَ لَهُمْ أَثَرٌ " لِلْحَقِّ" أَيْ لِلْإِسْلَامِ وَدِينِ اللَّهِ " كارِهُونَ."
المخاطبون بقول: {لقد جئنكم بالحق} المؤكد أنهم الجميع؛ لأنهم كلهم كارهون للحق، هذا على قول ابن عباس أن الكل من أهل النار إذا قُضي عليهم بأنه خلود لا موت بعده، وأنهم ماكثون فيها، هؤلاء كلهم كارهون للحق على قول ابن عباس، وعلى القول الآخر الأكثر كارهون وهم المتبوعون، وأما الأتباع فهم بمجرد أن دُعوا إلى الباطل والكفر استجابوا له، وإن لم يكونوا كارهين للحق لكن عدم كراهتهم للحق أيضُا لا تنفعهم؛ لأنهم نطقوا وفعلوا ما يوجب خلودهم في النار، وهو الكفر بالله –جل و علا-، سواء كرهوا الحق مع ذلك أو لم يكرهوه لا يجدي ولا ينفع، نعم.
قوله تعالى: { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } قَالَ مُقَاتِلٌ: نزلت في تدبيرهم بالمكر بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي دَارِ النَّدْوَةِ، حِينَ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُمْ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْرُزَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ؛ لِيَشْتَرِكُوا فِي قَتْلِهِ، فَتَضْعُفَ الْمُطَالَبَةُ بِدَمِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَتَلَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ بِبَدْرٍ، " أَبْرَمُوا" أَحْكَمُوا، وَالْإِبْرَامُ الْإِحْكَامُ، أَبْرَمْتُ الشَّيْءَ أَحْكَمْتُهُ، وَأَبْرَمَ الْفِتَالَ إِذَا أَحْكَمَ الْفَتْلَ."
الفتال إذا أحكم الفتل.
طالب: الفتال؟
نعم.
"وَهُوَ الْفَتْلُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ سَحِيلٌ، كَمَا قَالَ: مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمٍ
فَالْمَعْنَى أَمْ أَحْكَمُوا كَيْدًا فَإِنَّا مُحْكِمُونَ لَهُمْ كَيْدًا، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٌ، قَتَادَةُ: أَمْ أَجْمَعُوا عَلَى التَّكْذِيبِ فَإِنَّا مُجْمِعُونَ عَلَى الْجَزَاءِ بِالْبَعْثِ، الْكَلْبِيُّ: أَمْ قَضَوْا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب، وأم بِمَعْنَى بَلْ، وَقِيلَ: { أَمْ أَبْرَمُوا} عَطْفٌ عَلَى قَوْلِه: { أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]، وَقِيلَ: أَيْ وَلَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ فَلَمْ تَسْمَعُوا، أَمْ سَمِعُوا فَأَعْرَضُوا؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَبْرَمُوا أمرا أمنوا به العقاب."
الذي أشار عليهم بأن يجتمع من كل قبيلة واحد فيتفرق دمه بين القبائل هو أبو جهل أم الشيطان الذي جاء في صورة رجل؟ لأن في السيرة..
طالب: أبو جهل.
نعم؟
طالب: أبو جهل.
شيخ على هيئة رجل نجدي، نعم هذا المعروف في السيرة. هنا يقول: أبو جهل، نعم أشار عليهم بالقتل، لكن ما أشار عليهم بالطريقة.
طالب:....الذي أشار ..أبو جهل أشار أم الشيطان أشار بالقتل...أبو جهل أشار بالطريقة فقال: نعم الرأي، نعم المشورة.
يعني وافقه.
طالب: نعم وافقه.
نحفظ من السير أنه الذي أشار عليه، يعني يفرق دمه بين القبائل.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} أَيْ مَا يُسِرُّونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيَتَنَاجَوْنَ بِهِ بَيْنَهُمْ، " بَلى" نَسْمَعُ وَنَعْلَمُ، { وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أَيِ الْحَفَظَةُ عِنْدَهُمْ يَكْتُبُونَ عَلَيْهِمْ."
طالب:.........
يعني الشيطان ألقاه، ثم تبناه فأمر به، احتمال.
طالب:..أمر به....
لا، هذا احتمال، يعني المشورة أصلاً من الشيطان، أشار عليهم، وتبناه أبو جهل باعتباره كبيرهم وزعيمهم، فيحتمل على هذا وهذا.
"وَرُوِيَ أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ كَانُوا بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا؟ وَقَالَ الثَّانِي: إِذَا جَهَرْتُمْ سَمِعَ، وَإِذَا أَسْرَرْتُمْ لَمْ يَسْمَعْ، وَقَالَ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا أَعْلَنْتُمْ فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَسْرَرْتُمْ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ مسعود في سورة" فصلت".
قد يقول قائل: هناك فرق بين الجهر والإسرار، فالجهر يسمع والإسرار لا يسمع، فكيف يقول الثاني: إن كان يسمع إن جهرتم فهو يسمع إن أسررتم؟
الذي يسمع الجهر دون الإسرار القريب، القريب يسمع الجهر دون الإسرار، يعني من المخلوقين، والبعيد لا يسمع الجهر ولا الإسرار، فإذا سمع البعيد الجهر فلن يسمع الإسرار، يعني من جنسه؛ لأنه الأصل أنه لا يسمع هذا ولا هذا، فإذا سمع هذا فليسمع هذا، ما فيه ما يمنع أن يسمع هذا، وعندهم في تصوُّرهم أنهم مع إقرارهم بوجود الله، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت المدبر، إلا أنه باعتباره في السماء يعترفون بهذا أنه بعيد لا يسمع، لا يسمع السر، ولبعده أيضًا لا يسمع الجهر، فقال الثالث: إن كان يسمع الجهر مع بعده فإنه يسمع السر.
لأن المانع من سماع الجهر هو البعد، فإذا انتفى هذا المانع سمع مع البعد، فليس السر؛ لأن الذي نفى المانع إنما هو خارق، فإذا وجد هذا الخارق في الجهر فليوجد في السر. الله- جل وعلا- سميع قريب مجيب، أقرب إلى أحدكم من عنق دابته، {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}، لكن هؤلاء كلهم كفار، ولذلك قال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟ وكثير من المسلمين وإن كان يعترف بأن الله يراه، وأنه يسمعه، وأنه مميته، وأنه محييه وجازيه على السيئات إلا أن فعله وحاله حال من لا يعترف بجميع هذا، يزاول المعصية، ويستخفي من الناس ولا يستخفي من الله، ويخفت صوته عن الناس، ولا يرعى لله أدني حرمة.
هذا حال كثير من المسلمين، فكأنه بلسان حاله مكذِّب، حاله حال المكذبين، لكن هل معنى هذا أنه يخرج من الدين بهذه التصرفات؟
لا.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: الْمَعْنَى مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَـ" إِنْ" بِمَعْنَى مَا، وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا تَامًّا، ثُمَّ تَبْتَدِئُ " فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ" أَيِ الْمُوَحِّدِينَ".
الغالب أن إن بمعنى لا أو بمعني ما النافية يأتي بعدها استثناء، وهذه العلامة على أنها بمعنى ما، يأتي بعدها إلا.
"{ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى " الْعابِدِينَ" تَامٌّ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ ثَبَتَ لِلَّهِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَعْبُدُ وَلَدَهُ، وَلَكِنْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تناظره: إن ثبت ما قلت بِالدَّلِيلِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَعْتَقِدُهُ، وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِبْعَادِ، أَيْ لَا سَبِيلَ إِلَى اعْتِقَادِهِ، وَهَذَا تَرْقِيقٌ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].
وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ لِذَلِكَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الْوَلَدِ تَعْظِيمٌ لِلْوَالِدِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ وَحْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا: الْمَعْنَى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَبَدَهُ، عَلَى أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي ذلك، قال المهدوي: ف" إِنْ" عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِلشَّرْطِ، وَهُوَ الْأَجْوَدُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا بِمَعْنَى مَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا مَضَى، وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى" الْعابِدِينَ" الْآنِفِينَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْعَبِدِينَ".
قوله –جل وعلا-: { قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} على لسان النبي –عليه الصلاة والسلام- يعني قل لهم يا محمد: إن كان للرحمن ولد على سبيل التنزُّل، فأنا أول المتعبدين والمعتقدين لهذا، إن كان، لكنه لم يكن؛ لأن الله -جل وعلا – نفاه عن نفسه، لم يلد ولم يولد، يعني لو قُدِّر أن له ولدًا يعني لا أعبده؛ لأنه ليس له ولد، إنما أعبده على أي حال سواء كان له ولد أو ليس له ولد، فالعبادة حاصلة على كل حال، وانتفاء الولد حصل بالدليل القطعي إذن لا ولد، ومن أعظم نعم الله –جل وعلا –على عباده أنه لم يكن له ولد، {قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا.
قد يقول قائل: هل هذه نعمة أنه ما اتخذ ولدًا؟ ما اتخذ ولدًا نعمة تستحق الحمد الذي يؤمر به أنه ليس له ولد؟
طالب: قال إن الحمد على .........وهذا من....
قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، لو أن الله تعالى وتقدَّس عن اتخاذ الولد والشريك على سبيل الفرض اتخذ ولدًا، فما حقيقة هذا الولد؟ وما شأن هذا الولد؟ وما تصرفات هذا الولد الذي يرى أنه ابن الإله؟ وماذا سيفعل في الخلق؛ لأن له نفوذًا؛ لأنه ابن الإله؟ يعني إذا نظرنا على سبيل المثال- ولله المثل الأعلى- أولاد الملوك أو أولاد الأمراء، أو أولاد من له نفوذ على الناس، أو أولاد..
طالب: تنازع الملك.....
فيه تنازع من جهة، وفيه أيضًا تسلُّط من جهة، تبقى الألوهية لواحد، تبقى الألوهية لواحد ومن دونه لا يستحق هذا الوصف، { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لن يكون إلهًا بحال هذا الولد، إذن فما شانه؟ شأنه، والعلم عند الله –جل وعلا- وهذا من باب أن العدم ليس بشيء بحيث يتحدث عنه؛ لأنه لم يكن، فلا يتحدث عنه إلا من باب النظر إلى الواقع، بغض النظر عن كونه– جل وعلا- لم يلد ولم يولد، لكن إذا نظرت إلى الوقع إلى أن من له نفوذ وأمر ونهي، وله ولد، تجد أن هذا الولد له شيء من التسلط على الناس، والأذية لهم، وهذا مشاهَد في أولاد الأعيان وأولاد الوجهاء وأولاد الكبراء.
ولذلك هذه نعمة من الله – جل وعلا- أن لم يكن له ولد، والعلم عند الله، ماذا يكون مصير هذا الولد لأنه عدم، والعدم معروف أنه ليس بشيء، فلا يمكن التحدث عنه وهو عدم، لكن إذا نظرنا إلى الواقع وجدنا من عنده ولد، نجد أن هذا الولد يؤذي الناس باسمه، ولذلك بعض المسئولين تحمد الله –جل وعلا- أنه عقيم، هو في نفسه شيء من التسلط، فكيف بأولاده؟
فإذا كان تسلُّطه هو أمره ونهيه بحق، فكيف بولده الذي لا حق له في التسلط؟ تعالى الله –جل وعلا- عن مشابهة المخلوقين، ولذا يقول: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}، يعني إنا أعبد الله على كل حال، وأنا عبد له مذلّل مطيع سواء كان له ولد أو لم يكن له ولد، يعني لو على سبيل التنزل له ولد فأنا أول العابدين، أي أول المتعبدين لله –جل وعلا- مع أنه ليس له ولد.
طالب: شيخ ..أنا أول المتعبدين لله أو للولد..؟
لا، لله –جل وعلا- لله، ليس للولد أبدًا.
"وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْيَمَانِيُّ" فَأَنَا أَوَّلُ الْعَبِدِينَ" بِغَيْرِ أَلِفٍ، يُقَالُ: عَبِدَ يَعْبَدُ عبدًا (بِالتَّحْرِيكِ) إِذَا أَنِفَ وَغَضِبَ فَهُوَ عَبِدٌ، وَالِاسْمُ الْعَبَدَةُ مِثْلَ الْأَنَفَةِ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أُولَئِكَ أَجْلَاسِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ ،،، وَأَعْبُدُ أَنْ أهجو كليبا بِدَارِمِ
وَيُنْشِدُ أَيْضًا:
أُولَئِكَ نَاسٌ إِنْ هَجَوْنِي هَجَوْتُهُمْ ،،، وَأَعْبُدُ أَنْ يُهْجَى كُلَيْبٌ بِدَارِمِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} مِنَ الْأَنَفِ وَالْغَضَبِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْقُتَبِيُّ، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُمَا، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} قِيلَ: هُوَ مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ، أَيْ مِنَ الْآنِفِينَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إِنَّمَا يُقَالُ عَبِدَ يَعْبَدُ فَهُوَ عَبِدٌ، وَقَلَّمَا يُقَالُ: عَابِدٌ، وَالْقُرْآنُ لَا يَأْتِي بِالْقَلِيلِ مِنَ اللُّغَةِ وَلَا الشَّاذِّ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا وَلَدَ لَهُ، وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15]، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: { وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} [لقمان: 14]، فَوَاللَّهِ مَا عَبِدَ عُثْمَانُ أَنْ بَعَثَ إِلَيْهَا تُرَدُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي مَا اسْتَنْكَفَ وَلَا أَنِفَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: { فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيْ الْغِضَابُ الْآنِفِينَ، وَقِيلَ: " فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ" أَيْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَعْبُدُهُ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مُخَالِفًا لَكُمْ.
أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ الْجَاحِدِينَ، وَحَكَى: عَبَدَنِي حَقِّي أَيْ جَحَدَنِي، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَّا عَاصِمًا "وُلْدٌ" بِضَمِّ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، والْبَاقُونَ وَعَاصِمٌ: " وَلَدٌ" وَقَدْ تَقَدَّمَ.
{ سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَقْدِيسًا، نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَقْتَضِي الْحُدُوثَ، وَأَمَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالتَّنْزِيهِ { عَمَّا يَصِفُونَ} أَيْ عَمَّا يَقُولُونَ من الكذب."
ومن ذلك دعواهم بأن له ولدًا، وأن الملائكة بنات الله.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ حِينَ كَذَّبُوا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، أَيِ اتْرُكْهُمْ يَخُوضُوا فِي بَاطِلِهِمْ وَيَلْعَبُوا فِي دُنْيَاهُمْ، { حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} إِمَّا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَقِيلَ: هُوَ مُحْكَمٌ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ مَخْرَجَ التَّهْدِيدِ.
وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ الْقَعْقَاعِ وَابْنُ السَّمَيْقَعِ" حَتَّى يَلْقَوْا" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَفَتْحُ الْقَافِ هُنَا وَفِي" الطُّورِ" وَ" الْمَعَارِجِ" والباقون" يُلاقُوا"".
وجه المعارضة بين هذه الآية { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} وبين آية السيف وهي الأمر بقتال الكفار على كل حال ما لم يستجيبوا للدخول في الإسلام، النبي –عليه الصلاة والسلام- أمر بتركهم، وآية السيف ليس فيها أمر وليس فيها إبقاء لهم ولا ترك لهم، بل إما أن يسلموا، أو يؤدوا الجزية، أو يقتلوا، ما فيه اختيار رابع، لا خيار رابع لهم، وهنا ذرهم يخوضوا ويعلبوا، فهذا من جهة المعارضة موجودة بينه وبين آية السيف، وهذا إذا حملنا الأمر على حقيقته، يعني اتركهم، وأنهم يخوضون يلعبون بأمره –جل وعلا- لنبيه –عليه الصلاة والسلام- أن يتركهم أن يفعلوا هذا، لكن إذا كان هذا على سبيل التهديد {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا}، {اعملوا ماشئتم} يعني إذا قلنا: إن حقيقة الأمر مرادة فلا معنى لآية السيف، وإذا قلنا: إنه للتهديد استقام أن هذه الآيات لا معارضة بينها وبين آية السيف، وآية السيف عند عامة أهل العلم محكمة، وقد نسخت أكثر من سبعين آية فيها المهادنة، وفيها الترك، وفيها المخالطة من غير إرغام لهم وإدخال لهم في الإسلام، لكن الذي استقر عليه الأمر أنهم يخيَّرون بين أن يدخلوا في الإسلام، أو أن يؤدوا الجزية، أو أن يقاتلوا.
طالب:....بما إنه...يؤدي الجزية....
يعني بما لا ينقض الشروط بما لا ينقض الشروط يعني...
طالب:....تركوا الخوض اللعب..
أين؟
طالب: ..يخوضوا ويلعبوا..مع تأديتهم الجزية .....
نعم، على كل حال إذا أدوا الجزية فما لآية السيف عليهم من سلطان.
طالب:..هذه آية السيف.....
إذا لم يؤدوا الجزية فهم على الحاصل، وليس فيها ذكر آية الجزية هنا، لكن لو أدوا الجزية فما فيه إشكال، يفعلون ما يقرون عليه بالشروط، ما يقرون عليه بالشروط.
طالب: شيخ من الذي قال: إن آية السيف نسخت أكثر من سبعين آية؟
أهل العلم يقولون هذا، أهل العلم يقولون هذا، وبعض الناس اليوم يرون العكس، أن آية السيف نسخها سبعون آية.
يا إخواننا، الضعف له ظروف وله أحكام، ضعف المسلمين له ظروف وله أحكام، وتبقى أحكام الإسلام قائمة، ما يُتلاعب بأحكام الإسلام؛ لأن الظروف لا تخدم، ليس بصحيح هذا، لكن لهذه الأحوال ولهذه الظروف أحكام في الإسلام.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } هَذَا تَكْذِيبٌ لَهُمْ فِي أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا وَوَلَدًا، أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ فِي الْأَرْضِ".
يعني هو الذي في السماء، يعني في السماء على كرسيه بائن من عرشه في جهة العلو، وهو إله في الأرض، أي مألوه في الأرض، وهذا يقتضى أنه غير إله في السماء، يعني وجوده في السماء وكونه إلهًا ومعبودًا في الأرض، وهذا الكلام ما أدري يثبت عن عمر أو لا يثبت، لكن مع ذلك هو مألوهٌ ومعبودٌ في السماء، كما أنه معبود في الأرض ،ولا يفهم منه أنه كائن في السماء كما أنه كائن في الأرض كما يقوله أهل الحلول.
" وَكَذَلِكَ قَرَأَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْبَدُ فِيهِمَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَرَأَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ اللَّهُ وَفِي الْأَرْضِ اللَّهُ"، وَهَذَا خِلَافُ المصحف، و" إِلهٌ" رُفِعَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ هُوَ إِلَهٌ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ، وَحَسُنَ حَذْفُهُ؛ لِطُولِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: " فِي" بِمَعْنَى عَلَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ أَيْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،" وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ" تَقَدَّمَ".
يعني كون في بمعنى على {لأصلينكم في جذوع النخل} هذا كلام عامة أهل التفسير، وأن في بمعنى على، ولا يمكن أن يصلب في أجوافها؛ لأن في للظرفية، إذن لا بد أن تكون بمعنى على، منهم من يلحظ معنى دقيقًا خفيًّا، وأنهم من شدة الصلب وشدة الربط على جذوع النخل كأنهم دخلوا في جوفه، هذا من شدة وقوة هذا الصلب وهذا الربط على هذه النخلة، فكأنه دخل في جوفها، فكان ظرفًا له فجاء التعبير بفي.
طالب:....يعني يضمن الفعل..؟
نعم، لكن كيف يضمن الفعل في هذا الموضع؟
طالب:........
لأدخلنكم، لأدخلنكم في جذوع النخل، وشيخ الإسلام عمومًا يرى أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف، وإن كان كثير من أهل اللغة لا يمنعون من تضمين الحرف، ومثل هذا يعني هنا إن لاحظنا ما قاله بعضهم وما استروحوا إليه من أنه من شدة الصلب، وقوة الربط، سيكون كأنه ظرف احتواهم، كأنهم دخلوا في جوفه من شدة الربط، وشدة الصلب، إن لاحظنا هذا فتضمين لأصلبنكم أدخلنكم، وإلا فالصلب معلوم أنه فوق، فوق ما يصلب عليه.
قوله تعالى: {وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }" تَبارَكَ" تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، " وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ" أَيْ وَقْتُ قِيَامِهَا، " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ".
عنده يعني لا عند غيره؛ لأن علم الساعة لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-.
طالب:.........
لا، قدم المعمول.
طالب: المعمول يا شيخ؟
قدم المعمول كما في قوله: إياك نعبد.
" قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" بِالْيَاءِ، والْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، وَكَانَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَيَعْقُوبَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ يَفْتَحُونَ أَوَّلَهُ عَلَى أُصُولِهِمْ، وضم الباقون.
قوله تعالى: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ}" مِنْ" في موضع الخفض، وأراد ب" الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ" عِيسَى وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَةَ، وَالْمَعْنَى وَلَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَآمَنَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَشَهَادَةُ الْحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: "مَنْ" فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ، يَعْنِي الْآلِهَةَ- فِي قَوْلِ قَتَادَةَ- أَيْ لَا يَشْفَعُونَ لِعَابِدِيهَا إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، يَعْنِي عُزَيْرًا وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ وَالْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ،" وَهُمْ يَعْلَمُونَ" حَقِيقَةَ مَا شهدوا به.
وقيل: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَنَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَنَحْنُ نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ وَهُمْ أَحَقُّ بِالشَّفَاعَةِ لَنَا مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ { وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أَيِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوِ الْأَصْنَامَ أَوِ الْجِنَّ أَوِ الشَّيَاطِينَ تَشْفَعُ لَهُمْ وَلَا شَفَاعَةَ لِأَحَدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ"} يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ إِذَا أَذِنَ لَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ" أَيْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَيْ لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ الْعَابِدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، فَإِنَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ يُشْفَعُ لَهُ ولا يشفع لمشرك، و" إِلَّا" بِمَعْنَى لَكِنْ، أَيْ لَا يَنَالُ الْمُشْرِكُونَ الشَّفَاعَةَ لَكِنْ يَنَالُ الشَّفَاعَةَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، فَهُوَ استثناء مُنْقَطِعٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ" الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ" الْمَلَائِكَةَ، وَيُقَالُ: شَفَعْتُهُ وَشَفَعْتُ لَهُ، مِثْلُ كِلْتُهُ وَكِلْتُ لَهُ، وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" مَعْنَى الشَّفَاعَةِ وَاشْتِقَاقِهَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا، وَقِيلَ: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} إِلَّا مَنْ تَشْهَدُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا، مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِهِ، أو بأن شاهدوه على الإيمان."
الاستثناء {إلا من شهد بالحق} بعد قوله: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة} الاستثناء من المنفي، يعني لا أحد يملك جميع من يُدعَى من دون الله هذا لا يملك شفاعة، ثم استثني من ذلك إلا من شهد بالحق، وشهد شهادة التوحيد كالملائكة والمسيح وعزير ممن يدعى من دون الله– جل وعلا-، لكن هؤلاء شهدوا بالحق، فهم يملكون الشفاعة، والله –جل وعلا- راضٍ عنهم، ويأذن لهم بالشفاعة، وما عداهم لا يملك الشفاعة مما يُعبد من دون الله. نعم قد يوجد من الأولياء ممن هو على الجادة، وشهد بالحق، وعبد من دون الله من غير رضاه، هذا يملك الشفاعة أيضًا مثل الملائكة ومثل عيسى ومثل عزير، بإذن الله -جل وعلا-، ما فيه شيء إلا بإذنه { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }، ومع ذلك لا بد من رضاه عن المشفوع له، فإذا شهد أمثال هؤلاء ممن شهد بالحق، وكانت عبادة غيره له دون رضاه، وشهد بالحق شهادة التوحيد، كمن ذكر، ورضي الله –جل وعلا- عن المشفوع له، فيدخل في هذا الاستثناء، ومن عداهم فلا، وجميع من يُدعى من دون الله لا يملك الشفاعة بدون استثناء هؤلاء إلا من شهد بالحق الذي شهد شهادة الحق، التوحيد، يعني الأصنام التي تُدعَى من دون الله وغير ذات أرواح سواء كانت أصنامًا أو أوثانًا أو معبودات أو جمادات أو غير ذلك، أو أشجارًا، كل هذه لا تملك الشفاعة، ولا تنفع بشيء عند الله –جل وعلا-، لكن من شهد بالحق، يعني شهد شهادة التوحيد، وعُبد من دون الله، فهذا لا ذنب له، فهو على جاه عند الله –جل وعلا-، إذا أذن الله –جل وعلا- له بالشفاعة لأحد فلا بد من الإذن مع كونه يشهد بالحق لا بد أن يأذن الله له بالشفاعة لمن رضي عنه، فلا بد من توافر شروط الشفاعة.
"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى{ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}" يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّفَاعَةَ بِالْحَقِّ غَيْرُ نَافِعَةٍ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ، وأن التقييد لَا يُغْنِي مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمَقَالَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ فِي الْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَالِمًا بِهَا، وَنَحْوُهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فدع، وقد مضى في" البقرة".
مخرج؟
طالب:.....في البقرة يا شيخ.
إن قال عند كذا التخريج.
طالب:...الحافظ...أخرجه البيهقي في سننه، والحاكم في المستدرك، وقال: حديث صحيح. إسناده.....تعقبه الذهبي في مختصره وقال: هو حديث واهٍ....محمد بن سليمان.. مشمول ضعفه غير واحد. قلت أي الحافظ ابن حجر رواه بن عدي في الكامل، والعقيلي بكتابه.... محمد بن سليمان بن مشمول هذا وأسند العقيلي .... عن النسائي ووافقه، وكذلك قال عنه ......
لكن ابن حجر أين؟
طالب:........
ما يجيء؟
قال عنه ابن حجر..
طالب: هذا كلام الحافظ يا شيخ...
الدراية يمكن أو التلخيص.
طالب: التلخيص.
لأن ابن حجر الدراية، التلخيص نصب الراية.
طالب: .....
لكن ما يكون ابن حجر، الزيلعي يمكن.
طالب:....
ماذا؟
طالب:......
إسماعيل قال عن ابن حجر، ما يمكن.
لا، الزيلعي يمكن إلا إن كان في مختصر نصب الراية، لو الدراية ابن حجر.
قوله تعالى: {"وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أَيْ لَأَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا،" فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون عنها حَتَّى أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ رَجَاءَ شَفَاعَتِهِمْ لَهُ."
لأن دعواهم في عبادتهم غير الله -جل وعلا- أنهم إنما يعبدونهم؛ ليقربوهم إلى الله زلفى، ليشفعوا لهم عند الله، فجعلوا بينهم وبينه الوسائط؛ ليشفعوا له، ولا واسطة بين الخالق والمخلوق فيما يرتفع من المخلوق إلى الخالق، أما ما ينزل من الخالق إلى المخلوق فلا بد من واسطة الرسل والأنبياء والملائكة، هؤلاء وسائط.
" يُقَالُ: أَفَكَهُ يأفك أَفْكًا، أَيْ قَلَبَهُ وَصَرَفَهُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { قالُوا أَجِئْتَنا لتأفك عَنْ آلِهَتِنا} [الأقحاف: 22]، وقيل: أي ولين سَأَلْتَ الْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى" مَنْ خَلَقَهُمْ" لَقَالُوا اللَّهُ،" فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" أَيْ فَأَنَّى يُؤْفَكُ هَؤُلَاءِ فِي ادعائهم إياهم آلهة.
قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ } فِي" قِيلِهِ" ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ: النَّصْبُ، وَالْجَرُّ، وَالرَّفْعُ، فَأَمَّا الْجَرُّ فَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ، وَبَقِيَّةُ السَّبْعَةِ بِالنَّصْبِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ وَقَتَادَةَ وَابْنِ هُرْمُزٍ وَمُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، فَمَنْ جَرَّ حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَعِلْمُ قِيلِهِ، وَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى مَعْنَى: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيَعْلَمُ قِيلَهُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" قِيلِهِ" عَطْفًا عَلَى قوله: { أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} [الزخرف: 80].
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بن يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ بِأَيِ شَيْءٍ تَنْصِبُ الْقِيلَ؟ فَقَالَ: أَنْصِبُهُ عَلَى" وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيَعْلَمُ قِيلَهُ"، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى" تُرْجَعُونَ"، وَلَا عَلَى" يَعْلَمُونَ"، وَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى" يَكْتُبُونَ" ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ أَنْ يَنْصِبَ الْقِيلَ على معنى: لا نسمع سرهم ونجواهم وَقِيلَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى يَكْتُبُونَ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ أَيْضًا: أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَقَالَ قِيلَهُ، وَشَكَا شَكْوَاهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم ،،، إنك يا بن أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
أَرَادَ: وَيَقُولُونَ قِيلَهُمْ، وَمَنْ رَفَعَ قِيلِهِ فَالتَّقْدِيرُ: وَعِنْدَهُ قِيلُهُ، أَوْ قِيلُهُ مَسْمُوعٌ، أَوْ قِيلُهُ هَذَا الْقَوْلُ، الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْمَعْنَى مَعَ وُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَحْسُنُ اعتراضنا".
اعتراضًا.
"بما لا يحسن اعتراضنا".
اعتراضًا.
"بما لا يحسن اعْتِرَاضًا وَمَعَ تَنَافُرِ النَّظْمِ".
يعني الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي لا يمت له بصلة، ثم يعاد فيعطف على الأول هذا ليس بحسن في الأسلوب، وإن كان يفهم من السياق ما يفهم، لكن الأولى ألا يفصل بشيء أجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه.
"وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ الْجَرُّ وَالنَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَحَذْفِهِ، وَالرَّفْعُ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَيْمَنُ اللَّهِ وَأَمَانَةُ اللَّهِ وَيَمِينُ اللَّهِ وَلَعَمْرُكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: " إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ" جَوَابُ الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَقْسَمَ بِقِيلِهِ يَا رَبِّ، أَوْ قِيلِهِ يَا رَبِّ قَسَمِي، إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: ويجوز في العربية" وقيله" بالرفع، عَلَى أَنْ تَرْفَعَهُ بِإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ، الْمَهْدَوِيُّ: أَوْ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ وَقِيلِهِ قِيلُهُ يَا رَبِّ، فَحَذَفَ قِيلَهُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ خَبَرٌ، وَمَوْضِعُ" يَا رَبِّ" نُصِبَ بِالْخَبَرِ الْمُضْمَرِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ امْتَنَعَ حَذْفُ بَعْضِ الْمَوْصُولِ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْقَوْلِ قَدْ كَثُرَ حَتَّى صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ، وَالْهَاءُ فِي" قِيلِهِ" لِعِيسَى، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ إِذْ قال: { قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ} [الزخرف: 81]، وَقَرَأَ أَبُو قِلَابَةَ: " يَا رَبَّ" بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْقِيلُ مَصْدَرٌ كَالْقَوْلِ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ نَهَى عَنْ قِيلٍ وَقَالٍ ، وَيُقَالُ: قُلْتُ قَوْلًا وَقِيلًا وَقَالًا، وَفِي النِّسَاءِ: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } [النساء: 122]".
وقيله ، وقيله المراد بالقيل هو القول، هذا ما فيه إشكال، لكن الإشكال في الجر على أي شيء؟ القول وهو إن هؤلاء لا يؤمنون والقول الحق الذي قاله محمد-عليه الصلاة والسلام- أو عيسى على ما تقدم إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، هؤلاء الذين حكم عليهم، الذين يدعون من دون الله ممن يرجون منهم الشفاعة، هؤلاء قوم لا يؤمنون، والذين إذا سئلوا من خلقهم؟ قالوا: الله، ومع ذلك كيف يؤفكون عن عبادته ويصرفون عنها مع اعترافهم به؟ الجر في قيله، والذي قال: إنه بحرف قسم مقدر أو رب مقدرة تكون، لكنه أمر محقق، ورب عادة أنها للتقليل، لكن قد تأتي للتكثير وتأتي للتحقيق { ربما يود الذين كفروا لو كانوا }..
طالب: مسلمين.
نعم، فإما أن تكو مجرورة بحرف قسم بعد أن نعرف أن معنى القيل القول المحقق من قبل عيسى أو من قبل محمد، يا رب، يا الله إن هؤلاء الذين تقدم ذكرهم والحديث عنهم قوم لا يؤمنون، ولا شك أن المؤلف –رحمه الله تعالى- ذكر أقوالًا بعضها يبعد المعنى، لكن إذا قلنا: القيل بمعنى القول، وجره بمعنى القسم، ورب المفيدة للتكثير والتحقيق، يعني تستعمل في التكثير كما تستعمل في التقليل، والقائل لهذا القول هو محمد-عليه الصلاة السلام- أو عيسى، والمقول: إن هؤلاء الذين تقدم الحديث عنهم قوم لا يؤمنون.
"قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } قَالَ قَتَادَةُ: أُمِرَ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ، فَصَارَ الصَّفْحُ مَنْسُوخًا بِالسَّيْفِ، وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عباس قال: { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أي أَعْرِضْ عَنْهُمْ، " وَقُلْ سَلامٌ" أَيْ مَعْرُوفًا، أَيْ قل لمشركي أَهْلِ مَكَّةَ: " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ"، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا فِي سُورَةِ" بَرَاءَةٌ" بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ، وَقِرَاءَةُ العامة: " فسوف يَعْمَلُونَ" (بِالْيَاءِ)، عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ بِالتَّهْدِيدِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: " تَعْلَمُونَ" (بِالتَّاءِ) عَلَى أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمشركين بِالتَّهْدِيدِ، وَ"سَلامٌ" رُفِعَ بِإِضْمَارِ عَلَيْكُمْ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِتَوْدِيعِهِمْ بِالسَّلَامِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ تَحِيَّةً لَهُمْ."
سلام رفع على الابتداء، والذي سوَّغ الابتداء به وصفه بأنه واقع عليهم، وهذا السلام والمهادنة ليست من باب الإقرار، يعني كم من خاطب جاهلًا وقال: سلامًا، يعني أنه من باب الترك، من باب الترك.
"حَكَاهُ النَّقَّاشُ، وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ أَنَّهُ عَرَّفَهُ بِذَلِكَ كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ، والله أعلم."
نعم.
طالب:......
أين؟
مقدر لا بد من تقدير؛ لأن القول لا يكون كلمة، إنما يكون جملة، والجملة سلام تحتاج إلى خبر.
طالب: ....سلام مقدرة يا شيخ....
أين؟
طالب:..سلام ....سلام....
{فاصفح وقل سلام}، سلام لمن؟ هم أقرب من ذُكر، أقرب من ذكر.
طالب:.....خاطبهم الجاهلون....
لا، إذا خاطبهم الجاهل قالوا: سلامًا، المهم أنه ليس بسلام تحية، ليس بسلام تحية، وإنما هو سلام ترك ومفاصلة.
طالب: هذا يشرع.
يشرع نعم لا للتحية.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد.