التعليق على تفسير القرطبي - سورة الدخان (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-:
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ} لَمَّا ذَكَرَ مُسْتَقَرَّ الْكَافِرِينَ وَعَذَابَهُمْ ذَكَرَ نُزُلَ الْمُؤْمِنِينَ وَنَعِيمَهُمْ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: " فِي مُقَامٍ" بِضَمِّ الْمِيمِ. والْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمُقَامُ الْمَكَانُ، وَالْمُقَامُ الْإِقَامَةُ، كَمَا قَالَ: عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَأَمَّا الْمَقَامُ وَالْمُقَامُ فَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَهُ مِنْ قَامَ يَقُومُ فَمَفْتُوحٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَقَامَ يُقِيمُ فَمَضْمُومٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذا جاوز الثلاثة فَالْمَوْضِعُ مَضْمُومُ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِبَنَاتِ الْأَرْبَعَةِ، نَحْوُ دَحْرَجَ وَهَذَا مُدَحْرِجُنَا. وَقِيلَ: الْمَقَامُ (بِالْفَتْحِ) الْمَشْهَدُ وَالْمَجْلِسُ، وَ(بِالضَّمِّ) يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَكَانُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا وَيُقَدَّرُ فِيهِ الْمُضَافُ، أَيْ فِي مَوْضِعِ إِقَامَةٍ.
"أَمِينٌ" يؤمن فيه من الآفاتِ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، "بدل" من مَقامٍ أَمِينٍ.
{يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ} لَا يَرَى بَعْضُهُمْ قَفَا بَعْضٍ، مُتَوَاجِهِينَ يَدُورُ بِهِمْ مَجْلِسُهُمْ حَيْثُ دَارُوا. وَالسُّنْدُسُ: مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاجِ. وَالْإِسْتَبْرَقُ: مَا غَلُظَ مِنْهُ. وقد مضى في "الكهف".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
المؤلف –رحمه الله تعالى- ذكر في قوله تعالى: {إن المتقين في مقام أمين} إن الله –جل وعلا- لما ذكر مستقر الكفار ذكر مستقر المؤمنين، هذا أحد أوجه تسمية القرآن مثاني تثنى فيه الأخبار والقصص والجزاءات وغيرها، فإذا ذكر جزاء الكفار ذكر جزاء المؤمنين، وأما بالنسبة للمقام فقرأ كما ذكر عن نافع وابن عامر أنه بضم الميم مُقام، والباقون بالفتح مَقام، ومثله بالنسبة للفتح، نعم مقام إبراهيم يقال بالفتح، ويقال بالضم، والمُقام كما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالي- هو موضع الإقامة.
والمقام كما يطلق على الموضع يطلق على ما يوضع في الموضع الذي يجلس فيه الذي هو الكرسي هذا مثلاً البقعة مقام ومُقام؛ لأن الفتح والضم كلاهما بمعنى واحد، وإن فرق بينهما بعضهم فماذا عن مقام إبراهيم، هل يراد به الحجر أو يراد به مكانه؟ لأن هذا موضع إشكال، ويترتب عليه حكم شرعي { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، هل يراد به الحجر الذي قام عليه إبراهيم، قام عليه، أو المراد به موضع الحجر؟
يعني يقال هنا: وأما المَقام والمُقام، قال قبل ذلك: قال الكسائي: المَقام المكان، والمُقام الإقامة، يعني يقول هنا: إنه مصدر في موضع المصدر الذي هو الإقامة، فإقامة المتقين إقامتهم في موضع آمن، وهو الجنة، ومقام إبراهيم بجوار الكعبة، يعني موضعه الأصلي ملاصق للكعبة؛ لأنه لما ارتفع البنيان اُتخذ الحجر ليصعد عليه إبراهيم -عليه السلام-، فهو مقامه، يعني موضع قيامه، فهل موضع القسام الحجر نفسه أو موضع الحجر؟
لأنه قال: وأما المقام والمُقام -هذا كلام الجوهري- فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام، أو قيل: مقامك في بلد كذا أفضل لك من غيره، مقامك أو مُقامك في الموضع الفلاني أو في البلد الفلاني أفضل، فالمراد إقامتك لا أنه الموضع، يراد به الإقامة فإقامتك أفضل في هذا البلد من غيره.
نعود إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- الذي أمرنا باتخاذه مصلى، وباتخاذ مصلى منه، هل المراد به الحجر، بينما إذا قلنا: إن المقام هو المقام، هو الحجر نفسه الذي قام عليه الخليل وصار مقامه نتبعه أينما وضع، يعني يكون داخل المسجد والمسألة كما تعلمون خلافية بين أهل العلم، هل الحكم متعلق بالحجر نفسه أو بمكانه؟ مسألة أخري هي من مواضع الخلاف في تغيير مكان الحجر بتغيير مكانه، كان ملاصقًا لجدار الكعبة، ثم جاءت السيول فاجترفته وأبعدته، ثم أعاده عمر- رضي الله عنه- إلى قريب من مكانه، وإن لم يكن مكانه الأصلي، ثم احتيج إلى توسعة المطاف فأبعد، ولو احتيج إلى توسعة فهل يجوز إبعاده أكثر من هذا أو أنه لا بد أن يعاد إلى مكانه الأصلي، يعني إذا تصرف يعني في القليل مال الذي يمنع من التصرف فيه فيما هو أبعد منه مسار توقيفي، مكانه لم يكن توقيفيًّا إذا جاز التصرف فيه، وتعلمون أنه ألف في المقام كتب، وألف الشيخ عبد الرحمن المعلم اليماني رسالة باسم مقام إبراهيم، وجوز إبعاده عن مكانه؛ لحاجة الطائفين، ورد عليه من قبل الشيخ سليمان بن حمدان: نقض المباني من فتوى اليماني، يرى الشيخ أن المسألة توقيفية، مقام إبراهيم يعني موضع قيامه، لا تتعدي. ثم أيضًا رد على الشيخ سليمان من قبل الشيخ محمد بن إبراهيم.
وماتزال المسألة محل اختلاف؛ لأن اللفظ يحتمل، الصيغة تحتمل، المقام يحتمل أن يكون الموضع البقعة التي قام فيها إبراهيم من المسجد، ويحتمل أن يكون الحجر الذي قام عليه.
وعلى كل حال الأحوط على أن يكون المراد به الأمران أو إبراهيم لأمرين الحجر في مكانه الأصلي، والمسألة اجتهادية، فإذا كانت مصلحة الطائفين راجحة على مسألة إبقاء الحجر في مكانه فللنظر في هذا مجال، وهو ما فعله عمر –رضي الله عنه-، وتتابع عليه المسلمون إلى يومنا هذا، يعني الحجر الآن ليس بمكانه، الحجر الذي قام عليه الذي قام عليه إبراهيم ليس بمكانه الأصلي؛ لأن مكانه ملاصق لجدار الكعبة. على كل حال المسألة قابلة للنظر، وأهل العلم يجتهدون فيها.
طالب: ..............
لا، هنا مؤكدة هنا نافع بن عامر.
طالب: ...........
اللفظ واحد، وقيل: المقام بالفتح المشهد والمجلس، وبالضم يمكن أن يضم به المكان، ويمكن أن يكون مصدرًا، ويقدر فيه المضاف، أي في موضع الإقامة، هناك تلازم، تلازم بين المصدر والموضع؛ لأنك إذا قلت: مقامك في هذا البلد أفضل من غيره تريد الذي هو المصدر، لكن هذه الإقامة مرتبطة بهذا البلد الذي من أجله فضلت، فلا انفكاك بين المصدر مع اقترانه بالموضع، قد يقول شخص بأنه قد ينفك المصدر عن الموضع بأن يقول شخص لآخر مقامك عندنا أبهج صدورنا، وأثلج صدورنا وأنسنا وأفرحنا.
فالمقام عندهم لا يجزم أن يكون في هذا الموضع إنما يكون عندهم في أي موضع كان، فلا يرتبط المقام بالمكان بموضع الإقامة، وإنما يكون الارتباط الإقامة الممدوحة؛ لكونها عندهم وجوارهم، ولا يلزم أن تكون بجوارهم، أمين فعيل يؤمن به من الآفات، فإذا دخل أهل الجنة أمنوا من كل آفة فالمن هناك، والأمن مطلق الذي لا يشوبه خوف ولا كدر في جنات وعيون، بدلًا من مقام أمين يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، يقول: لا يري بعضهم قفا بعض؛ لأن المجلس إذا كان مرتبًا من صفوف لكثرة الساجدين فإنه بالضرورة يري بعضهم أنس بعض، ولا يحصل بذلك الأنس إذا كان بعضهم خلف بعض، إنما يحصل الأنس بالجلوس إذا كانوا متقابلين؛ لأنه إذا كان بعضهم يغطيه شيء حجبه الكثير من المشاركات، ويفوته بعض ما يدور في المجلس، فالذي يجلس وراء في الدرس وظهره موليه المتحدث؛ لأن الرؤية مع الكلام لا شك أن رؤية الوجه مع الكلام تعين على فهم الكلام؛ لأن التصرف وإخراج الكلمات مع بعض الحركات التي يفعلها بعض المتحدثين تعين السامع الرائي.
إضافة إلى ما يقر في قلبها من حفظ ما يقال؛ لأنه الآن قد يقول قائل: المكبرات تقوم مقام القرب من المعلم أو القارئ أو غيرهما، المكبرات توصل، نقول: أيضًا الأشرطة توصل ، فهل الحكم واحد؟
لا، الحكم ليس بواحد، لا شك أن الإقبال على الدرس يعين على فهم الكلام.
طالب: ......
نعم الدنو والقرب دليل على حرص هذا الطالب، نعم إذا وجد ما يستدعي البعد مع سماع الكلام يكون الإنسان لا يستطيع أن يتابع من غير أن يعتمد على شيء أو ليس بقرب الدرس ما يعتمد عليه، هذا ماشٍ، لا شك أن هذه مصلحة راجحة، لكن يبقى إذا لم يكن هناك مبرر فالقرب أفضل، نعم.
طالب: ......
نعم
طالب: .... هل استدل ...
لا، هو يمكن إلحاقه بالقرب من الإمام لسماع قراءته، والدنو من الإمام في الخطبة لا شك أنه فضل، وجاء فيه ما جاء، وإن كان فيه ضعف، وإن أقرب الناس من الله –جل وعلا- يوم المزيد أقربهم من الإمام يوم الجمعة؛
قرب بقرب والمباعد مثله بعد ببعد حكمة الديان
يقوله ابن القيم –رحمه الله-.
فجاء الحث على القرب من الإمام لسماع الخطبة، وجاء الحث بالقرب من الإمام لسماع القرآن والعلم مثله كلها عبادات.
طالب: ......
المقصود أنه جاء في وصفهم أنهم يرمونه بأبصارهم؛ لأن رؤية المتكلم تعين على فهم كلامه، تعين على فهم كلامه، ولذا قال: متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض، متواجهين، يدور بهم مجلسهم حيث داروا، الجنة فيها ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها هذا وأعظم. يقول: والسندس ما رق من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه، قد مضى ذكره في الكهف.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَذلِكَ وزوجناهم بحور عين}، قوله: كذلك، أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ الَّذِي ذكَرْنَاهُ. فَيُوقَفُ عَلَى" كَذلِكَ". وَقِيلَ: أَيْ كَمَا أَدْخَلْنَاهُمُ الْجَنَّةَ وَفَعَلْنَا بِهِمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، كَذَلِكَ أَكْرَمْنَاهُمْ بِأَنْ زَوَّجْنَاهُمْ حُورًا عِينًا. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْعِينِ فِي " وَالصَّافَّاتِ". وَالْحُورُ: الْبِيضُ، فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَالْعَامَّةِ، جَمْعُ حَوْرَاءَ. وَالْحَوْرَاءُ: الْبَيْضَاءُ الَّتِي يُرَى سَاقُهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا، وَيَرَى النَّاظِرُ وَجْهَهُ فِي كَعْبِهَا، كَالْمِرْآةِ مِنْ دِقَّةِ الْجِلْدِ وَبَضَاضَةِ الْبَشَرَةِ وَصَفَاءِ اللَّوْنِ."
دقة أم رقة؟ ماذا عندك؟
طالب: دقة بالدال.
الطبعات الثانية إيش؟
الطبعة التي معاك ماذا يقول من دقة أم رقة؟
طالب: .....
تعالى هنا يا أبا عبد الله، آخر المجلد، والذي يليه آخر الدخان هل من طبعة التركي؟ ماذا معك؟ ماذا قال: دقة أم رقة؟
طالب: رقة
رقه بهذا اقرأ من رقة الجلد
" كَالْمِرْآةِ مِنْ دِقَّةِ الْجِلْدِ وَبَضَاضَةِ الْبَشَرَةِ وَصَفَاءِ اللَّوْنِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهَا فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ "بِعِيسٍ عِينٍ". وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسين قال: حدثنا حسين قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ فَقَرَأَ فِي " حم" الدُّخَانِ" بِعِيسٍ عِينٍ. لَا يَذُوقُونَ طَعْمَ الْمَوْتِ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى". وَالْعِيسُ: الْبِيضُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْإِبِلِ الْبِيضِ: عِيسٌ، وَاحِدُهَا بَعِيرٌ أَعْيَسُ وَنَاقَةٌ عيساء. قال امرؤ القيس:
يرعن إِلَى صَوْتِي إِذَا مَا سَمِعْنَهُ ... كَمَا ترعوى عِيطٌ إِلَى صَوْتِ أَعْيَسَا
فَمَعْنَى الْحُورِ هُنَا: الْحِسَانُ الثَّاقِبَاتُ الْبَيَاضِ بِحُسْنٍ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَمِنْ تَحْتِ سَبْعِينَ حُلَّةً، كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْحُورُ حُورًا؛ لِأَنَّهُنَّ يَحَارُ الطَّرْف فِي حُسْنِهِنَّ وَبَيَاضِهِنَّ وَصَفَاءِ لَوْنِهِنَّ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُنَّ حُورٌ لِحَوَرِ أَعْيُنِهِنَّ. وَالْحَوَرُ: شِدَّةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِهَا. امْرَأَةٌ حَوْرَاءُ بَيِّنَةُ الْحَوَرِ. يُقَالُ: احْوَرَّتْ عَيْنُهُ احْوِرَارًا. وَاحْوَرَّ الشَّيْءُ ابْيَضَّ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَا أَدْرِي مَا الْحَوَرُ فِي الْعِينِ؟ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْحَوَرُ أَنْ تَسْوَدَّ الْعَيْنُ كُلُّهَا مِثْلَ أَعْيُنِ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ حَوَرٌ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلنِّسَاءِ: حُورُ الْعِينِ؛ لِأَنَّهُنَّ يُشَبَّهْنَ بِالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ. وَقَالَ الْعَجَّاجُ: بِأَعْيُنٍ مُحَوَّرَاتٍ حُورِ يَعْنِي الْأَعْيُنَ النَّقِيَّاتِ الْبَيَاضِ الشَّدِيدَاتِ سَوَادِ الْحَدْقِ. وَالْعِينُ جَمْعُ عَيْنَاءَ، وَهِيَ الْوَاسِعَةُ الْعَظِيمَةُ الْعَيْنَيْنِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مُهُورُ الْحُورِ الْعِينِ قَبَضَاتُ التَّمْرِ وَفِلَقُ الْخُبْزِ»، وَعَنْ أَبِي قِرْصَافَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ: «إخراج الْقُمَامَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ مُهُورُ الْحُورِ الْعِينِ»، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: «كَنْسُ الْمَسَاجِدِ مُهُورُ الْحُورِ الْعِينِ»، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِهَذَا الْمَعْنَى بَابًا مُفْرَدًا فِي (كِتَابِ التَّذْكِرَةِ)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ."
تخريج الأحاديث الأول: حديث أبي هريرة، ماذا قال؟
طالب: حديث باطل، أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من حديث أبي هريرة، وأعله بعمر بن صبيح، ونقل عن ابن حبان قوله: كان يضع الحديث، وأخرجه من حديث ابن عمر، ونقل عن حبان قوله، وهو حديث باطل.
والثاني أبي قرصافة.
طالب: لا أصل له، راجع باب مهور العين في الموضوعات.
حديث أنس.
طالب: الذي بعده باطل أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من حديث أنس وقال: هذا الحديث لا يصح من جميع الجهات فيه مجاهيل وعبد الواحد ليس بثقة، قاله يحيى.
على كل حال الحديث لا أصل له بجميع طرقه وألفاظه كما قرر أهل العلم.
طالب: .....
كلها موضوعات، كلها موضوعات لا يثبت منها شيء.
طالب: غض البصر من مهر الحور العين.
لا، جاء أنه يورث الإيمان واليقين، يعني يعوض الإنسان بقوة في إيمانه ويقينه.
على كل حال كتاب التذكرة للقرطبي المصنف المفسر، كتاب في أمور الآخرة، أطال في أوصاف الحور العين بما جاء فيها من نصوص صحيحة وحسنة وضعيفة، وذكر موضوعات، وذكر أشياء؛ لأنه يجمع، هو ليس من أهل التحقيق في هذا الباب، يعني في باب الحديث ليس من أهل التحقيق نعم.
طالب: أي طبعة للتذكرة؟
التذكرة في طبعة المنهاج محققة ثلاث مجلدات.
" وَاخْتُلِفَ أَيُّمَا أَفْضَلُ فِي الْجَنَّةِ، نِسَاءُ الْآدَمِيَّاتِ أَمِ الْحُورُ؟ فَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أَبِي جَبَلَةَ قَالَ: إِنَّ نِسَاءَ الْآدَمِيَّاتِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُنَّ الْجَنَّةَ فُضِّلْنَ عَلَى الْحُورِ الْعِينِ بِمَا عَمِلْنَ فِي الدُّنْيَا."
المعنى صحيح، لكن كون الخبر يأتي عن طريق رشدين بن سعد، وهو متفق على ضعفه، وعبد الرحمان بن أنعم الأفريقي أيضًا ضعيف عند أهل العلم، الخبر من حيث الثبوت ضعيف، لكن معناه صحيح، المرأة من المؤمنات إذا دخلت الجنة لا شك أنها أفضل من الحور العين باعتبار أن لها سابقة وأنها دخلت الجنة بسب.
طالب.....واتخذو من مقام إبراهيم مصلى....
نعم يكون مقام إبراهيم ما قُرئ به ما قُرئ بالضم.
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا إِنَّ «الآدميات أفضل من الحور العين سبعين أَلْفِ ضِعْفٍ«".
هذا يحتاج إلى تخريج، ضعفه ظاهر، ولكن ..
طالب: يقول: ذكره المصنف في التذكرة في قوله: ورروي مرفوعًا ولم يخرجه مخرجًا، لذا أعرض عنه وأمارة الوضع لائحة عليه، ولعله من كلام حبان بن أبي جبلة.
لا، روي مرفوعًا الثاني، أن الآدميات أفضل من الحور العين؟
طالب: ........
هو نفسه
طالب: ....
يعني في الأول موقوف على حبان، يعني من قوله، ثم ذكره عن حبان مرفوعًا، ولا يثبت مرفوعًا، ويحتمل أن يكون من كلامه.
طالب: ........
منكر؟
طالب: ........
يعني رفعه، ولا يمنع أن يكون إلى حبان مع أنه في طريقه اثنان من الضعفاء.
"وَقِيلَ: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-فِي دُعَائِهِ: «وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِه،» وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
الخيرية هذه لا يلزم منها الغيرية، لا يلزم من الخيرية الغيرية، وإنما قد تكون خيرًا في الأوصاف، بأن تبدل أوصافها السيئة بأوصاف حسنة، وهي نفس الزوجة السابقة؛ لأن زوجته في الدنيا إذا كانت من أهل الجنة فهي زوجته في الجنة، يضاف إليها ما يضاف من الحور، وغيرها.
المقصود هنا أن التبديل لا يلزم منه التغيير، إنما يضاف إلى زوجته الأولى، إذا كانت من أهل الجنة، وإلا فمقتضى الخبر الدعاء على الزوجة، قد تكون الزوجة مع هذا الزوج سنين طويلة يتعاونان على طاعة الله في الدنيا، على الجادة، وكلاهما يختم له بعمل أهل الجنة، ثم بعد ذلك قال: أبدل هذا الزوجة بغير هذه الزوجة، يعني إضافة لها، إضافة لها مع تبديل ما عندها من الصفات إلى الصفات الحسنة، لذا بعض أهل العلم يرى أنه لا يقال للزوجة: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها.
طالب:....
لا، لا يقال، ما يقال؛ لأن الزوجة ما لها إلا زوجها بخلاف الزوج له زوجات، زوجته في الدنيا أو أزواجه في الدنيا، وله غيرهن، فماذا عن الدعاء للمرأة أن تبدل بزوج غير زوجها؟ هل نقول: إن الدعاء بهذا كما يقول جمع من أهل العلم أو نقول: يدعى به، والمعنى واحد للزوج والزوجة؛ لأنه لو كان مقتضى الدعاء التغيير، التبديل الكلي فمقتضى أن هذه الزوجة لن تلحق بهذا الزوج ندعو أن الله –جل وعلا- أن يفرق بينهما، ويعوضه خيرًا منها، هل هذا هو المراد؟ ليس هذا هو المراد، وإنما التبديل والتغيير المراد به الأوصاف، لا يلزم تبديل الأشخاص.
طالب: .... غير هذا أو تبديل.... القرآن الكريم؟
نعم.
طالب: .... الرجال فما للنساء؟
لهن أزواجهن لهن أزوجهن فقط؟
طالب: ......
يبدل، يبدل، ينظر لها من الرجال من أهل الجنة من ليس لهم زوجات، أو تضاف إلى زوجات، كما أن النبي-عليه الصلاة والسلام- يتزوج بغير زوجاته، كما جاء في آسيا، ومريم، المقصود أن كلام أهل العلم في هذا ظاهر.
طالب: .....
نعم.
طالب: ........
يشمل كل ما اشتهى وكل ما اشتهت، لكن التبديل والتغيير المقصود به تبديل أشخاص؟ لا، لا بحق الزوج، ولا بحق الزوجة.
طالب: .... جوار خير من جواره...
لا، كما جاء، كما جاء في النص.
"وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ" بِحُورِ عِينٍ" مُضَافٌ. وَالْإِضَافَةُ وَالتَّنْوِينُ فِي" بِحُورٍ عين" سواء."
لأنه من إضافة الموصوف إلى صفته، من إضافة الموصوف إلى صفته فسواء أضفنا الموصوف إلى صفته أو قطعناه عن الإضافة وبقيت الصفة.
"{يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ} قَالَ قَتَادَةُ:" آمِنِينَ" مِنَ الْمَوْتِ وَالْوَصَبِ وَالشَّيْطَانِ. وَقِيلَ: آمِنِينَ مِنَ انْقِطَاعِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، أَوْ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ مِنْ أَكْلِهَا أَذًى أو مكروه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى} أَيْ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ ألْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى} عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَيْ لَكِنَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى قَدْ ذائقوها فِي الدُّنْيَا. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
مَنْ كَانَ أَسْرَعَ فِي تَفَرُّقِ فَالِجٍ ... فَلَبُونُهُ جَرِبَتْ مَعًا وَأَغَدَّتِ"
يعني مقتضى قوله: الأولى أن يكون هناك ثانية، متقضى الأولى أن يكون هناك ثانية، وجاء قوله: {امتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين}، فهل المراد الأولى من الاثنتين، أو المراد بها الثانية من الاثنتين؟ الثانية قطعًا، المراد بها الثانية من الاثنتين.
مقتضى قوله: الميتة الأولى أن هناك ميتة تليها، تعقبها فتكون ثانية أو أخيرة؛ لأن الأول قبله الثاني إذا كان هناك الثالث أو الأخير إن لم يكن هناك ثالث، هنا قال: إلا الموتة الأولى، يعني مقتضاه أن يكون هناك موتة تلي هذه الأولى، نفيت عنهم، فتثبت لغيرهم، ومعلوم أن أهل الجنة لا يموتون، وكذلك أهل النار لا يموتون، فالاستثناء هنا قال: على الاستثناء المنقطع، وهل ينحل الإشكال بهذا سواء قلنا: إن الاستثناء منقطع أو متصل؟
تأملوا في السياق.
هو الإشكال في اللفظ، الإشكال في اللفظ حتى لو قلنا مستثنى منقطع، وقلنا لكن لا يذوقون فيها الموت، لكن الموتة الأولى، وصف الميتة بالأولى ما يحل الإشكال، ويبقي الإشكال حتى لو قلنا إن الاستثناء منقطع بمعنى لكن، فأصل الإشكال أن مقتضى وجود أولى كوجود أول لابد له من ثانٍ أو أخير، إذا لم يكن هناك ثالث، لكن قد يطلق اللفظ، ولا يراد الحقيقة وإنما لوقوعه في وقت متقدم، كما هنا، أو في وقت متوسط، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو: ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط.
قد يقول قائل: متى يقال: أوسط؟
إذا كان عدده فرديًّا ثلاثة مثلاً الوسط هو الثاني إذا كان خمسة فالأوسط هو الثالث، الأوسط إذا كان سبعة فالأوسط هو الرابع، وهكذا، الأوسط يأتي فيما له طرفان فقط؛ لأن الأوسط يقع بينهما وليس قسيمًا لهما، ظاهر أم ليس بظاهر؟
فيراد به مجرد التوسط كما في حديث عبدالله بن عمرو، ويراد به التقدم، كما في الآية، يعني الموتة التي تقدمت.
طالب: ....
نعم.
طالب: ........
لا يقضي عليهم فيموتوا، لا يقضي عليهم.
البيت الذي أنشده سيبويه، من قائله؟
طالب: .......عنز..
عنز بن دجاجة، العرب ما كانوا يأبهون بالأسماء، يسمون بأي شيء، ولد بجوار عنز، سموه عنزًا، والده ولد بجوار دجاجة، هناك ذكر دجاجة سموه دجاجة.
طالب: ......
كيف؟
طالب: .......
الأصل يعني نقول: الأسماء لا تعلل، لكن ما الداعي أن يسمى عنز بن دجاجة؟
طالب: ......
نعم.
طالب: .........
لا لا، هذه حقيقة معروفة عنز بن دجاجة المازني معروف من فحول الشعراء.
طالب: .......
جالس بجوار دجاجة ما يضر، جويرية بن أسماء...
طالب: ........
الآن الإنسان له أسبوع يبحث عن الاسم المناسب، ويستشير، لكن مع ذلك من المخالفات التي يسلكها كثير من الناس وقتنا هذا فيها التسمية بأسماء فيها ما فيها، فيها من إعجاب بغير المسلمين تجدهم يسمون بأسماء غير المسلمين، وإن كان اللفظ في الأصل ليس فيه ما يخالف شرعًا، لكن أيضًا الإعجاب إما بالكفار أو بالفساق أو ما يسمونهم بالنجوم أو ما أشبه ذلك، هذا مخالف، وإن كان أصل الاسم ما فيه شيء.
طالب: ....
يسمون الآن بأسماء ممنوعة، لكن الذي نعرفه الآن الأحوال ما توافق إلا على الأسماء التي عندهم في القائمة من قبل أهل العمل أنها ممنوعة شرعًا أو حتى من قبل بعض الجهات التي تمنع هذه التسميات.
طالب: ......ناس يسمون إيمان، ويسمون ملاك..
هذه فيها تزكية، لكن أصل التسمية مثل ما يسمى جبريل في المتقدمين ملاك يعني واحد الملائكة.
طالب: .......
أحيانًا ينظر إلى الوضع الذي يعيشه الإنسان، وقد ينظر إلى الداعي إلى التسمية إذا كان يقصد بذلك التزكية فيغير إذا كانت التزكية ما خطرت بباله كصالح مثلاً لا يغير، والأسماء المنصوصة التي غيرت بنص.
طالب: ....
يبقي الناس..
طالب: .....
صالح فالح كلها تزكية، لكن إذا جاءت من غير قصد للتزكية فلا حكم، لكن إن قصدت بها التزكية تغير.
"ثُمَّ اسْتَثْنَى بِمَا لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ فَقَالَ:
إِلَّا كَنَاشِرَةِ الَّذِي ضَيَّعْتُمُ ... كَالْغُصْنِ فِي غُلَوَائِهِ الْمُتَنَبَّتِ وَقِيلَ: إِنَّ" إِلَّا" بِمَعْنَى بَعْدُ، كَقَوْلِكَ: مَا كَلَّمْتُ رَجُلًا الْيَوْمَ إِلَّا رَجُلًا عِنْدَكَ، أَيْ بَعْدَ رَجُلٍ عِنْدَكَ. وَقِيلَ:" إِلَّا" بِمَعْنَى سِوَى، أَيْ سِوَى الْمَوْتَةِ الَّتِي مَاتُوهَا فِي الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى{ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]. وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: مَا ذُقْتُ الْيَوْمَ طَعَامًا سِوَى مَا أَكَلْتُ أَمْسِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: { إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى } مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ اسْتَقْبَلَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَيَلْقَى الرَّوْحَ وَالرَّيْحَانَ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي الْجَنَّةِ لِاتِّصَافِهِ بِأَسْبَابِهَا، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ. وَالْمَوْتُ عَرَضٌ لَا يُذَاقُ، وَلَكِنْ جُعِلَ كَالطَّعَامِ الَّذِي يُكْرَهُ ذَوْقُهُ، فَاسْتُعِيرَ فِيهِ لَفْظُ الذَّوْقِ.
{ وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} أَيْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ. فَ" فَضْلًا" مَصْدَرٌ عَمَلَ فِيهِ " يَدْعُونَ". وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ" وَوَقاهُمْ". وَقِيلَ: فِعْلٌ مُضْمَرٌ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَفَضُّلٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ، إِذْ وَفَّقَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَعْمَالٍ يَدْخُلُونَ بِهَا الْجَنَّةَ، {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أَيِ السَّعَادَةُ وَالرِّبْحُ الْعَظِيمُ وَالنَّجَاةُ الْعَظِيمَةُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ فَازَ بِكَذَا، أي ناله وظفر به.
فهو قوله تعالى: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} يَعْنِي الْقُرْآنَ، أَيْ سَهَّلْنَاهُ بِلُغَتِكَ عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أَيْ يَتَّعِظُونَ وَيَنْزَجِرُونَ. وَنَظِيرُهُ."
هذا كلام القتبي السابق إلا الموتة الأولى قال: معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة، ويلقى الروح والريحان كان موته في الجنة؛ لاتصافه بأسبابها، فهو استثناء صحيح ظاهر يقول: إلا الموتة الأولى أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ اسْتَقْبَلَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَيَلْقَى الرَّوْحَ وَالرَّيْحَانَ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي الْجَنَّةِ لِاتِّصَافِهِ بِأَسْبَابِهَا..
طالب: ......
كيف؟
طالب: .....
ما فيه
طالب: ......
لاتصافه بأسبابها، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي الْجَنَّةِ لِاتِّصَافِهِ بِأَسْبَابِهَا، فهو استثناء صحيح معنها أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة، ويلقى الروح والريحان، إذا قلنا: إن الكافر في نزع روحه والمشقات العظيمة قلنا: إنه في حكم من يموت موتات؛ لأنه فيما يرى في الواقع بعض المرض الذين يشتد بهم المرض ثم يحكم بموتهم، ثم تعود الروح إليهم يموتون بأي نوع بإغماء أو بموت الدماغ أو ما أشبه ذلك، ثم يفيقون، ثم بعد ذلك يحكم عليهم ثانية، فهي موتات، بينما المؤمن يسهل خروج روحه فلا يحصل له مثل هذه الموتات التي يذوقها الكافر أو العاصي المخالف مرتكب الجرائم، فكأنه في تعذيبه في الطول في موته ذاق الموت مرات، وأما المؤمن فإنه لا يذوق إلا موتة، يعني المقدمات كما قال هنا: إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة، سرور حتى وجد بعضهم من يقهقه في هذه الحال، ضاحكة مستبشرة، لا يذوق الموت الذي يذوقه غيره من المخالفين؛ لأن الموت كما يطلق على مفارقة الروح للبدن يطلق على ما دونه، يطلق مقدماته وأسبابه، فالمؤمن كما جاء في الخبر: «يموت بعرق الجبين« يعني ما فيه إلا أنه يعرق، وهنا أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة، ويلقى الروح والريحان، ثم بعد ذلك إذا قبضت روحه حكم عليها بأنها موتة واحدة.
النبي –عليه الصلاة والسلام- يوعك كما يوعك الرجلان، يعني شدد عليه في المرض، كما يوعك الرجلان كما في حديث بن مسعود، قال ابن مسعود ذلك لأن لك أجرين قال: «أجل«، شدد على المسلم المؤمن في حال نزعه وموته لمصلحته، لمصلحته؛ لتخفيف ما اـرتكبه، لتكفير ما ارتكبه من معاصٍ ومخالفات، ولرفع درجاته، بينما الكافر إذا شدد عليه فهو زيادة لعذابه لا للتخفيف عنه، ويرى الموت مرات، وقد يتمنى الموت مما هو واقع فيه، مما هو أشد منه، فهذا موت حكمي لا حقيقي، فالمؤمن لا يموت إلا الموتة الأولى، بينما الكافر يموت موتات، نعم قد يشدد على المؤمن في حال النزع، لكنه من أجل تكفير ذنوبه أو لرفع درجاته بخلاف الكافر؛ لأنه ليس له شيء من ذلك.
"ونظيره {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] فَخَتَمَ السُّورَةَ بِالْحَثِّ عَلَى اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا".
تيسير القرآن لا شك أنه ميسر، لكن لمن؟ هل كل أحد؟ لمن أعرض عنه؟ لا، تيسيره للمدكر الذي يقبل عليه أم من أعرض عنه فإنه يكون شديدًا عليه، فالحياة شديدة، فإن له معيشة ضنكًا، أما من أقبل عليه فإنه ييسر له، فإنما يسرنا، فيما يدل على ما يعود عليه الضمير، لكنه إذا كان معلومًا بحيث لا يلتبس جاز عود الضمير على غير المذكور، {حتى توارت بالحجاب} فيه أحد يشك أنها الشمس؟ ما فيه أحد يشك أنها الشمس ولا تقدم لها ذكر، وهنا فإنما يسرناه يعني القرآن بلسانك أي بلغتك بلسان عربي مبين.
" كَمَا قَالَ فِي مُفْتَتَحِ السورة: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} [الدخان: 3]، {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [الْقَدْرِ: 1] عَلَى مَا تَقَدَّمَ".
ولم يتقدم له ذكر على العلم به.
"{" فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} أَيِ انْتَظِرْ مَا وَعَدْتُكَ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ إنهم منتظرون لك الموت، حكاه النَّقَّاشُ. وَقِيلَ: انْتَظِرِ الْفَتْحَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ بِزَعْمِهِمْ قَهْرَكَ. وَقِيلَ: انْتَظِرْ أَنْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ بِكَ رَيْبَ الْحَدَثَانِ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ: ارْتَقِبْ مَا وَعَدْتُكَ مِنَ الثَّوَابِ فَإِنَّهُمْ كَالْمُنْتَظِرِينَ لِمَا وَعَدْتُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ. وَقِيلَ: ارْتَقِبْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَوْمُ الْفَصْلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا وُقُوعَ الْقِيَامَةِ، جُعِلُوا كَالْمُرْتَقِبِينَ؛ لِأَنَّ عَاقِبَتَهُمْ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
يعني لا يرتقبون فصلًا في يوم القيامة؛ لأنهم لا يرون أن هناك بعثًا، لكنهم في حكم من يرتقب، فإن لم يرتقبوا في واقعهم؛ لأنهم لا يرون البعث، ولا يقرون به، ولا يعترفون بهن فلا يرتقبونه، فالذي لا يرى الشيء لا يرتقب حصوله، ولا ينتظر حصوله، الذي لا يرى الشيء لا ينتظر حصوله، لكنه حاصل لا محالة، مثل ما يقال: خلق كلهم عبيد الله، هذا المؤمن المذعن، هذا الإشكال في كونه متعبدًا لله –جل وعلا- متذللًا له خاضعًا له، وأما الثاني وإن لم يتذلل وإن لم يخضع فهو عبد ذليل.
طالب: ........
نعم مقهور على التذلل والخضوع شاء أم أبى.
اللهم صلِّ على محمد.
"