التعليق على تفسير القرطبي - سورة الطور (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى –:
"سُورَةُ " وَالطَّوْرِ" مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَهِيَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً، رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
الجبير بن مطعم جاء في فداء الأسرى يوم بدر كافرًا، وسمع النبي –عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وأخبر عن نفسه أنه كاد أن يطير قلبه، تأثر تأثرًا عظيمًا، ولا شك أن السورة مؤثرة لمن كان له قلب، هذا وهو كافر، ووقر بذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه يقول هذا. هو جاء كافرًا، مع الأسف أن المسلم وطالب العلم يقرأ هذه السورة ولا تؤثر فيه، نسأل الله العافية.
طالب:.......
الذي يظهر أنه في الركعتين، ما قال شيئًا في المغرب الطور، ما قال شيئًا، مع ذلك تحمل هذه السنة حال كفره، وأداها بعد أن أسلم، هذا دليل على صحة تحمل الكافر، لكن الأداء لا يكون إلا في حال اكتمال الشروط.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ.
"قوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ(4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ(8)} [الطور1-8].
"قوله تعالى: {وَالطُّورِ} [الطور:1]، الطُّورُ: اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا وَتَذْكِيرًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ، وَهُوَ أَحَدُ جِبَالِ الْجَنَّةِ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْبَعَةُ أَجْبُلٍ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَرْبَعَةُ مَلَاحِمَ مِنْ مَلَاحِمِ الْجَنَّةِ، قِيلَ: فَمَا الْأَجْبُلُ؟ قَالَ: جَبَلُ أُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، وَالطُّورُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَلُبْنَانُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَالْجُودِيُّ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ".
لكن الحديث فيه السلسلة المذكورة، كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، هي ضعيفة عند أهل العلم، مخرج؟ ماذا قال؟
طالب: ........
لا شك في ضعفه الشديد، وهذه السلسة مردودة عند أهل العلم، كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده، فالحديث ضعيف، وفيه نكارة، ولبعضه شواهد، لبعضه شواهد.
"وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كِتَابِ "التَّذْكِرَةِ". قَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ الْجَبَلُ وَالْمُرَادُ بِهِ طُورُسِينَا. وَقَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُمَا طُورَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: طُورُ سِينَا، وَالْآخَرُ طُورُ زَيْتَا؛ لِأَنَّهُمَا يُنْبِتَانِ التِّينَ وَالزَّيْتُونَ. وَقِيلَ: هُوَ جَبَلٌ بِمَدْيَنَ وَاسْمُهُ زُبَيْرٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالزُّبَيْرُ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
قُلْتُ: وَمَدْيَنُ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَهِيَ قَرْيَةُ شُعَيْبٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَقِيلَ: إِنَّ الطُّورَ كُلُّ جَبَلٍ أَنْبَتَ، وَمَا لَا يُنْبِتُ فَلَيْسَ بِطُورٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}[الطور:2]، أَيْ مَكْتُوبٌ، يَعْنِي الْقُرْآنَ يَقْرَؤُهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمَصَاحِفِ، وَيَقْرَؤُهُ الْمَلَائِكَةُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78)} [الواقعة:78 -77]، وَقِيلَ: يَعْنِي سَائِرَ الْكُتُبِ ".
والقرآن كتاب مسطور، والقرآن المكتوب، والمحفوظ، والمتلو، والمحفوظ هو كلام الله -جل وعلا- واحد ليس المكتوب غير المقروء، وليس المقروء غير المحفوظ، المقصود أن القرآن واحد، لا يتعدد، وإن زعم ابن حزم أن المقروء غير المكتوب، والمحفوظ غير المكتوب وهكذا، هذا قولٌ باطل.
"وَقِيلَ: يَعْنِي سَائِرَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَكَانَ كُلُّ كِتَابٍ فِي رَقٍّ يَنْشُرُهُ أَهْلُهُ لِقِرَاءَتِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ : هُوَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِمُوسَى بِيَدِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُوسَى يَسْمَعُ صَرِيرَ الْقَلَمِ . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ؛ فَمِنْ آخِذٍ كِتَابَهِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْ آخِذٍ كِتَابَهِ بِشِمَالِهِ، نَظِيرُهُ : {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا}[الإسراء:13]، وقوله: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير:10]، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ فِي السَّمَاءِ يَقْرَءُونَ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا كَتَبَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيَانُهُ: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة:22]، قُلْتُ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْقُلُوبِ عَنِ الرَّقِّ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الرَّقُّ".
الرَّقُّ الرَّقُّ {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}[الطور:3].
طالب: ........
"قَالَ الْمُبَرِّدُ: الرَّقُّ مَا رُقِّقَ مِنَ الْجِلْدِ لِيُكْتَبَ فِيهِ، وَالْمَنْشُورُ الْمَبْسُوطُ . وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ، قَالَ: وَالرَّقُّ بِالْفَتْحِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ وَهُوَ جِلْدٌ رَقِيقٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}[الطور:3]، وَالرَّقُّ أَيْضًا الْعَظِيمُ مِنَ السَّلَاحِفِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَجَمْعُهُ رُقُوقٌ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكُلُّ صَحِيفَةٍ فَهِيَ رَقٌّ؛ لِرِقَّةِ حَوَاشِيهَا،وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
فَكَأَنَّمَا هِيَ مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا رَقٌّ أُتِيحَ كِتَابُهَا مَسْطُورُ |
وَأَمَّا الرِّقُّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْمِلْكُ، يُقَالُ: عَبْدٌ مَرْقُوق".
مرقوق ورقيق، فعيل بمعنى مفعول.
"وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الرَّقَّ بِالْفَتْحِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ".
ما تقدم من كونه صحائف الأعمال التي سُطرت على بني آدم على المكلفين، فمن آخذ بيمينه وهؤلاء هم المؤمنون، وشمال وهؤلاء هم الكفار – نسأل الله العافية –، وهناك نوع ثالث يأخذ كتابه من وراء ظهره، يأخذ كتابه من وراء ظهره، وعامة أهل العلم على أنه هو الذي يأخذ كتابه بشماله، لكن ابن حزم قرَّر في مقدمة "المحلى" أن الذي يأخذ كتابه من وراء ظهره هم الفساق والعصاة، ليسوا المؤمنين ولا الكافرين وهذا من اختياراته الغريبة.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:4]، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: هُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ حِيَالَ الْكَعْبَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهُ فَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. وَقِيلَ: فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُوتِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَرُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَإِذَا هُوَ حِيَالُ الْكَعْبَةِ لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيْهَا يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ»، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: فَمَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهُ: الضُّرَاحُ . وَكَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَالضُّرَاحُ -بِالضَّمِّ- بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعُمْرَانُهُ كَثْرَةُ غَاشِيَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْهُ".
كما أن عمارة المساجد تكون حسية باللبن والطين، وجاء الحث عليها، لكن أعظم منها عمارته المعنوية بالصلاة والذكر وأنواع العبادات هذه عمارة المساجد {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [التوبة:18]، يعمرونها يعمرونها بالصلاة ثم ماذا إذا كان يعمر المسجد ولا يصلي؟! ولذا ذكر الله في حق قريش وهذا من مسائلهم التي دوَّنها شيخ الإسلام المجدد قال: كانوا يتمدحون بعمارة البيت، عمارة البيت وإن كانت ما يتمدح بها أهل الجاهلية، لكنها من أفضل القربات إذا صدرت من مؤمن، لكن إذا كانت العمارة في مقابل الإيمان {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}[التوبة:19]، فهذا لا قيمة له.
ما فائدة من عمَّر مسجدًا ولا يصلي؟! لكن العبرة في العمارة معنوية، ثم إذا وجد العمارة المعنوية تبعتها العمارة حسية{ نُورٌ عَلَى نُورٍ } [النور:35]، «من بنى لله بيتًا مسجدًا، بنى الله له بيتًا في الجنة، قصرًا في الجنة ولو كمفحص قطاة »، كما جاء في الحديث الصحيح.
طالب:.......
فاسق يصلي أما إذا كان لا يصلي فما له قيمة، إذا كان يصلي فالحمد لله، مادام في دائرة الإسلام فهو داخل في الوعد، له وعليه، له حسنات وعليه سيئاته.
طالب: أحسن الله إليك ولو كمفحص قطاة ترغيب في الخير؟
نعم، وهذا مبالغة، مبالغة ولو كان صغيرًا، لا يأتي من يقول: مسجد صغير عشرة في عشرة، والناس يعمرون عشرة آلاف، لا، ولو كمفحص قطاة، لكن الحاجة هي التي تحدِّد إذا كان أهل الحي فيهم كثرة يكبرون المسجد، وإذا كانوا قلة فإن القدر الزائد عن الحاجة غير مطلوب شرعًا، نعم.
طالب:..........
نعم، فيه أيضًا أن من يدفع ويشارك في عمارة المسجد ولو كان شيئًا قليلًا فله أجره.
"وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْهُ: حِذَاءَ الْعَرْشِ. وَالَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: « ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ»".
تصور من بداية الدنيا، منذ خلق الخليقة يدخل هذا البيت كل يوم سبعون ألف ملك، كل يوم، ضربت سبعين ألفًا في مدة الدنيا كلها أعداد هائلة لا يمكن أن يُحاط بها، ولا يحويها ديوان وأصفارها لا تسعها الأوراق، صحيح كل يوم سبعون ألفًا.
طالب:..........
أي من أيام الدنيا نعم أي؛ لأن الكلام في الدنيا.
"وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُتِيْتُ بِالْبُرَاقِ . . . الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»، "وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: لِلَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَيْتًا، سَبْعَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ. وَسَبْعَةٌ فِي الْأَرَضِينَ وَالْكَعْبَةُ، وَكُلُّهَا مُقَابِلَةٌ لِلْكَعْبَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ".
تكلم عليه؟ باعتباره موقوفًا، لكن الظاهر أنه غير صحيح.
"وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ هُوَ الْكَعْبَةُ، الْبَيْتُ الْحَرَامُ الَّذِي هُوَ مَعْمُورٌ مِنَ النَّاسِ، يَعْمُرُهُ اللَّهُ كُلَّ سَنَةٍ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ، فَإِنْ عَجَزَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ أَتَمَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللَّهُ لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَرْضِ.
يذكر في بعض الآثار أن الحجاج لا ينقصون عن ستمائة ألف، لا ينقصون عن ستمائة ألف، فإذا نقص البشر من بني آدم كمل من الملائكة، لكن الخبر لا يثبت غير صحيح.
"وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَانِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَعَصَوْهُ، فَلَمَّا طَغَى الْمَاءُ رُفِعَ فَجُعِلَ بِحِذَائِهِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَعْمُرُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ، قَالَ : فَبَوَّأَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:26]. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}[الطور:5]، يَعْنِي السَّمَاءَ، سَمَّاهَا سَقْفًا؛ لِأَنَّهَا لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ، بَيَانُهُ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}[الأنبياء:32]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْعَرْشُ وَهُوَ سَقْفُ الْجَنَّةِ".
يعني كما سمى الأرض بساطًا ومهادًا، التسمية شرعية، لكن مع ذلك لو أقسم، لو حلف أو نذر أن لا يبيت تحت سقف، ولا فوق بساط، ثم نام تحت السماء وفوق الأرض فإنه لا يحنث، لا يحنث؛ لأن الأيمان والنذور مردُّها إلى الأعراف، السماء سقف، لكن العرف حد السقف ما صنعه بنو آدم، والبساط المعروف ما يفرش على الأرض، وإلا فهما تسميتان شرعيتان.
"{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}[الطور:6]، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُوقَدُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ: (إِنَّ الْبَحْرَ يُسْجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ نَارًا). وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَمْلُوءُ. وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسَّاسَمَا |
يُرِيدُ وَعْلًا يُطَالِعُ عَيْنًا مَسْجُورَةً مَمْلُوءَةً. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوءُ نَارًا، فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَشِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْأَخْفَشُ بِأَنَّهُ الْمَوْقِدُ الْمَحْمِيُّ بِمَنْزِلَةِ التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ. وَمِنْهُ قِيلَ: لِلْمِسْعَرِ مِسْجَرٌ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6]، أَيْ أُوقِدَتْ، سَجَرْتُ التَّنُّورَ أَسْجُرُهُ سَجْرًا أَيْ أَحْمَيْتُهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَيْنَ جَهَنَّمُ ؟ قَالَ: الْبَحْرُ. قَالَ: مَا أَرَاكَ إِلَّا صَادِقًا، وَتَلَا: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6]، مُخَفَّفَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ طَبَقُ جَهَنَّمَ. وَقَالَ كَعْبٌ: يُسْجَرُ الْبَحْرُ غَدًا فَيُزَادُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَهَذَا قَوْلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَسْجُورُ الَّذِي ذَهَبَ مَاؤُهُ. وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ.
وَرَوَى عَطِيَّةُ وَذُو الرُّمَّةِ الشَّاعِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَتْ أَمَةٌ لِتَسْتَقِيَ فَقَالَتْ: إِنَّ الْحَوْضَ مَسْجُورٌ أَيْ فَارِغٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: لَيْسَ لِذِي الرُّمَّةِ حَدِيثٌ إِلَّا هَذَا. وَقِيلَ: الْمَسْجُورُ أَيِ: الْمَفْجُورُ، دَلِيلُهُ: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:3]، أَيْ تُنَشِّفُهَا الْأَرْضُ فَلَا يَبْقَى فِيهَا مَاءٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ -عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَعِكْرِمَةُ. قَالَ أَبُو مَكِينٍ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ عَنِ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فَقَالَ: هُوَ بَحْرٌ دُونَ الْعَرْشِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: تَحْتَ الْعَرْشِ فِيهِ مَاءٌ غَلِيظٌ. وَيُقَالُ لَهُ بَحْرُ الْحَيَوَانِ يُمْطَرُ الْعِبَادُ مِنْهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمَسْجُورُ الْمُخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْمِلْحِ".
قُلْتُ: إِلَيْهِ يَرْجِعُ مَعْنَى فُجِّرَتْ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، أَيْ فُجِّرَ عَذْبُهَا فِي مَالِحِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْجُورُ الْمَحْبُوسُ"، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ}[الطور:7].
هل تسجير البحر مثل تسجير النار؟ النار تُسجّر، سجَّرت بها التنور يعني أوقدت، أوقدت بها التنور، كعب بن مالك لما جاءه خطاب، يعني في وقت المقاطعة معه والثلاثة الذين خلفوا قوطعوا خمسين يومًا، فجاءه خطاب من ملك الغساسنة، وفيه بلغنا أن صاحبك قد قلاك وهجرك فالحق بنا نواسك، قال: هذه بلية، فسجَّر بها التنور، يعني أوقد بها التنور. {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}، المقصود به أنه في القيامة تكون البحار تنقلب نارًا تسجر، فيزداد بها العذاب -نسأل الله العافية-، ومنه قول بعض الصحابة بعدم الطهارة والوضوء بماء البحر؛ لأنه من نار، وهذا الكلام معارض لحديث « هو الطهور ماؤه» لما سئل عن الوضوء به قال: « هو الطهور ماؤه»، والعبرة بالحال، العبرة بالحال، هو ماء، وكونه ينقلب نارًا فيما بعد، فهذا لا يؤثر فيه؛ لأن الاعتبار بالحال لا بالمآل، وكراهية الطهارة بماء البحر، وإن قال به عبد الله بن عمرو وبعض الصحابة، لكن هو مردود بقوله – عليه الصلاة والسلام – « هو الطهور ماؤه».
طالب:.......
لا، هو الدافع كما يقول أهل العلم أنهم يحملون معهم الماء- كما في سبب الحديث- القليل قالوا: إن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ وأهل العلم يقولون: إن الدافع لذلك أن ماء البحر متغير الطعم، متغير الرائحة، فالسؤال فيه مجال، يعني مادام تموت فيه هذه الحيتان بكثرة، وطعمه متغير، ولونه ورائحته متغيرة، فلا شك أن مثل هذا يثير السؤال، يثير السؤال، لكن الجواب «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» -عليه الصلاة والسلام-.
"{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ}[الطور:7]، هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ وَاقِعٌ بِالْمُشْرِكِينَ . قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لِأَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَوَافَيْتُهُ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ {وَالطُّورِ}[الطور:1]، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)} [الطور8،7]، فَكَأَنَّمَا صَدَعَ قَلْبِي، فَأَسْلَمْتُ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَقُومَ مِنْ مَقَامِي حَتَّى يَقَعَ بِيَ الْعَذَابُ".
يعني من يشعر بهذا الشعور من كثير من المسلمين حتى من طلبة العلم؟! يعني إذا كان في النصارى يقول الله – جل وعلا-: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ }[المائدة:83]، فكيف بالذي يعرف من الحق ما هو أكثر منهم ووقر الإيمان في قلبه، وعلى صلة بربه في يومه وليلته، ومع ذلك كأنه لا شيء؟! قرآن يُتلى، نسأل الله العافية.
ما سبب هذا؟
الران الذي غطَّى القلوب، المكاسب، والمطاعم، والمشارب، وفضول الخلطة، فضول النوم، فضول الكلام، كل هذا يؤثر.
طالب:........
نعم؟
طالب: ........
النار التي هي نار جهنم الله أعلم، ما يبعد، لكن الخلاف في موضعها معروف عند أهل العلم، نعم.
طالب: أحسن الله إليك الجبير ما روى عنه – رضي الله عنه ...... ؟
سمعها كله، سمعها كلها.
"وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ إِلَى الْحَسَنِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ}[الطور:1]، حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ(8)}[الطور8،7]، فَبَكَى الْحَسَنُ، وَبَكَى أَصْحَابُهُ، فَجَعَلَ مَالِكٌ يَضْطَرِبُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا وُلِّيَ بَكَّارٌ الْقَضَاءَ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا الْيَمِينُ، فَرَغِبَ إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ يُعْطِي خَصْمَهُ مِنْ عِنْدِهِ عِوَضًا مِنْ يَمِينِهِ، فَأَبَى إِلَّا الْيَمِينَ، فَأَحْلَفَهُ بِأَوَّلِ "وَالطُّورِ" إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ قُلْ: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَقَالَهَا، فَخَرَجَ، فَكُسِرَ مِنْ حِينِهِ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}[الطور:9].
طالب:............
نعم.
طالب:..........
يعني أراد قراءة السورة، كأنه أراد منه قراءة السورة، أحلفه بأول "والطور"، يعني كأنه قال: اقرأ أول السورة؛ لأنه يريد قل إن عذابك ربك لواقع إن كنت كاذبًا، هذا المراد، لا يريد ذلك اليمين فقال ذلك، ثم كسر، وقع به العذاب.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}[الطور:9]، الْعَامِلُ فِي " يَوْمَ " قَوْلُهُ: وَاقِعٌ أَيْ يَقَعُ الْعَذَابُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تَمُورُ فِيهِ السَّمَاءُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: مَارَ الشَّيْءُ يَمُورُ مَوْرًا، أَيْ تَحَرَّكَ وَجَاءَ وَذَهَبَ كَمَا تَتَكَفَّأُ النَّخْلَةُ الْعَيْدَانَةُ، أَيِ: الطَّوِيلَةُ، وَالتَّمَوُّرُ مِثْلُهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ يَمُوجُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ. مُجَاهِدٌ :تَدُورُ دَوْرًا. أَبُو عُبَيْدَةَ والأخفش: تَكَفَّأَ، وَأَنْشَدَ لِلْأَعْشَى.
كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا مَوْرُ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلٌ |
وَقِيلَ: تَجْرِي جَرْيًا. وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
وَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُورُ دِمَاؤُهَ بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ |
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَمُورُ السَّمَاءُ يَوْمَئِذٍ بِمَا فِيهَا وَتَضْطَرِبُ، يَدُورُ أَهْلُهَا فِيهَا وَقِيلَ : وَيَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. وَالْمَوْرُ أَيْضًا الطَّرِيقُ. وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
وَالْمَوْرُ الْمَوْجُ. وَنَاقَةٌ مَوَّارَةُ الْيَدِ أَيْ: سَرِيعَةٌ. وَالْبَعِيرُ يَمُورُ عَضُدَاهُ إِذَا تَرَدَّدَا فِي عَرْضِ جَنْبِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَى ظَهْرِ مَوَّارِ الْمِلَاطِ حِصَانِ
الْمِلَاطُ: الْجَنْبُ. وَقَوْلُهُمْ: لَا أَدْرِي أَغَارَ أَمْ مَارَ، أَيْ أَتَى غَوْرًا أَمْ دَارَ فَرَجَعَ إِلَى نَجْدٍ وَالْمُورُ بِالضَّمِّ: الْغُبَارُ بِالرِّيحِ. وَقِيلَ: إِنَّ السَّمَاءَ".
أي أتي غورًا، أي أرضًا منخفضة أو دار فرجع إلى الأرض المرتفعة قال عنها: نجد.
وَقِيلَ: إِنَّ السَّمَاءَ هَاهُنَا الْفَلَكُ، وَمَوْرُهُ اضْطِرَابُ نَظْمِهِ وَاخْتِلَافُ سَيْرِهِ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا}[الطور:10]، قَالَ مُقَاتِلٌ : تَسِيرُ عَنْ أَمَاكِنِهَا حَتَّى تَسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ . وَقِيلَ : تَسِيرُ كَسَيْرِ السَّحَابِ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، بَيَانُهُ {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88]، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْكَهْفِ".
والاستدلال بهذه الآيات على دوران الأرض، كما يقول أهل الهيئة، يستدلون بمثل هذه الآيات {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } [النمل:88]، لكن متى هذا؟ هذا في القيامة ليس بالدنيا.
"{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[الطور:11]،" وَيْلٌ" كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْهَالِكِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْفَاءُ؛ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى الْمُجَازَاةِ "{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ}[الطور:12]، أَيْ فِي تَرَدُّدٍ فِي الْبَاطِلِ، وَهُوَ خَوْضُهُمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ بِالتَّكْذِيبِ. وَقِيلَ: فِي خَوْضٍ فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا يَلْعَبُونَ لَا يَذْكُرُونَ حِسَابًا وَلَا جَزَاءً. وَقَدْ مَضَى فِي " بَرَاءَةٌ".
قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ }[الطور:13]، يَوْمَ " بَدَلٌ مِنْ يَوْمَئِذٍ. وَ"يُدَعُّونَ" مَعْنَاهُ يُدْفَعُونَ إِلَى جَهَنَّمَ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، يُقَالُ: دَعَعْتُهُ أَدُعُّهُ دَعًّا أَيْ دَفَعْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون:2] .وَفِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ يَغُلُّونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ، وَيَجْمَعُونَ نَوَاصِيَهُمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَهُمْ فِي النَّارِ دَفْعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَزَخًّا فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّارَ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَابْنُ السَّمَيْفَعِ " :يَوْمَ يُدْعَوْنَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا" بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِذَا دَنَوْا مِنَ النَّارِ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ".
يوم يدّعون دعاءً، مصدر دعا الدعاء.
طالب: الدعاء؟
نعم {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ} الدعاء، دعًّا لا بد أن يكون الأول مثله؛ لأنه مصدره، يدعون دعًّا، يدعون دعاءً.
يمكن دعًا؟
نعم؟
هل تكون يوم يدعون دعًا؟
لا، دعاءً.
"يَوْمَ يُدْعَوْنَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعاءً" بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِذَا دَنَوْا مِنَ النَّارِ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا } [الطور:14].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا}[الطور:15]، اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: أَفَسِحْرٌ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَ الْآنَ بِأَعْيُنِكُمْ".
أي كما قلتم في الدنيا، كما قلتم في الدنيا سحر، ومشى عليه بعض الناس وضللتموهم، لكن في الآخرة إذا رأوا الأمور عيانًا، هل يستطيع أن يقول الإنسان: سحر؟
"اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ: أَفَسِحْرٌ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَ الْآنَ بِأَعْيُنِكُمْ؟ {أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ}[الطور:15]، وَقِيلَ: "أَمْ" بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ: بَلْ كُنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَعْقِلون".
لا تبصرون بصرًا ينفعكم، البصر الذي ينفع هو الذي يمكن إثباته، أما ما لا ينفع فلا قيمة له، وجوده مثل عدمه كغيره من الجوارح، مما ينتفع به كالسمع والقلوب، نفاها الله -جل وعلا-؛ لأنهم لا ينتفعون بها.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {اصْلَوْهَا}[الطور:16]، أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: ذُوقُوا حَرَّهَا بِالدُّخُولِ فِيهَا، {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا}[الطور:16]، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَكُمْ فِيهَا صَبْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَ (سَوَاءٌ) خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمُ الْجَزَعُ وَالصَّبْرُ، فَلَا يَنْفَعُكُمْ شَيْءٌ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوٓاْ أَوْ لَا تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }[الطور:16]. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}[الطور:17]، لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْكُفَّارِ ذَكَرَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، فَاكِهِينَ أَيْ ذَوِي فَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ فَاكِهٌ أَيْ ذُو فَاكِهَةٍ، كَمَا يُقَالُ: لَابِنٌ وَتَامِرٌ، أَيْ ذُو لَبَنٍ وتمْرٍ، قَالَ:
وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ |
أَيْ ذُو لَبَنٍ وَتَمْرٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ".
كأن يتشبه بما لم يعطَ، ثم لما وقف على حقيقة الأمر هذا المغرور، إذا ما فيه شيء لا لبن، ولا تمر.
"وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ "فَكِهِينَ" بِغَيْرِ أَلِفٍ وَمَعْنَاهُ مُعْجَبِينَ نَاعِمِينَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، يُقَالُ: فَكِهَ الرَّجُلِ بِالْكَسْرِ فَهُوَ فَكِهٌ إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْسِ مَزَّاحًا. وَالْفَكِهُ أَيْضًا الْأَشِرُ الْبَطِرُ. وَقَدْ مَضَى فِي "الدُّخَانِ" الْقَوْلُ فِي هَذَا.
{ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الطور:18]، {كُلُوا وَاشْرَبُوا} [الطور:19] أَيْ يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ. هَنِيئًا الْهَنِيءُ مَا لَا تَنْغِيصَ فِيهِ وَلَا نَكَدَ وَلَا كَدَرَ. قَالَ الزَّجَّاجُ أَيْ لِيَهْنِئَكُمْ مَا صِرْتُمْ إِلَيْهِ هَنِيئًا. وَقِيلَ: أَيْ مُتِّعْتُمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ إِمْتَاعًا هَنِيئًا، وَقِيلَ: أَيْ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِئْتُمْ هَنِيئًا فَهُوَ صِفَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ هَنِيئًا: أَيْ حَلَالًا. وَقِيلَ: لَا أَذَى فِيهِ وَلَا غَائِلَةَ. وَقِيلَ: هَنِيئًا أَيْ لَا تَمُوتُونَ، فَإِنَّ مَا لَا يَبْقَى أَوْ لَا يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَعَهُ مُنَغَّصٌ غَيْرُ هَنِيءٍ".
يعني مهما طاب، مهما طاب الطعام والشراب في الدنيا، فإنه وراءه الموت، وقد يكون سببًا للتنغيص، والنكد، والكدر إما بسوء هضم، أو بترتب أمراض عليه، لكن هذا لا يوجد في الآخرة، هذا لا يوجد في الآخرة، لا موت بعده، ولا أذى، حتى الفضلات اللازمة منه في الدنيا لا توجد في الآخرة، فهو هنيء مريء من كل وجه.
"قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ }[الطور:20]، سُرُرٌ جَمْعُ سَرِيرٍ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: مُتَّكِئِينَ عَلَى نَمَارِقَ سُرُرٍ، مَصْفُوفَةٍ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيّ: أَيْ مَوْصُولَةٌ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ صَفًّا. وَفِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا تُصَفُّ فِي السَّمَاءِ بِطُولِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا تَوَاضَعَتْ لَهُ، فَإِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا عَادَتْ إِلَى حَالِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :هِيَ سُرُرٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَالسَّرِيرُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَأَيْلَةَ.
{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}[الطور:20]، أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ. قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ : تَقُولُ الْعَرَبُ زَوَّجْتُهُ امْرَأَةً وَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ. قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}[الطور:20]، أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِهِنَّ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}[الصافات:22] أَيْ وَقُرَنَاءَهُمْ. وَقَال َالْفَرَّاءُ: تَزَوَّجْتُ بِامْرَأَةٍ لُغَةٌ فِي أَزْدِ شَنُوءَةَ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحُورِ الْعِينِ".
يعني ضمن زوجناهم معنى فعل يتعدى بالباء، زوجناهم يعني قرناهم، وإلا فالأصل أن الفعل "زوج" متعدٍّ بنفسه، لا يحتاج إلى حرف تعدية.
"قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }[الطور:21]، قَرَأَ الْعَامَّةُ "وَاتَّبَعَتْهُمْ" بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ. وَقَرَأ َأَبُو عَمْرٍو: "وَأَتْبَعْنَاهُمْ" بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَنُونٍ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: أَلْحَقْنَا بِهِمْ؛ لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. فَأَمَّا قَوْلُهُ ذُرِّيَّتُهُمُ الْأُولَى فَقَرَأَهَا بِالْجَمْعِ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَرَوَاهَا عَنْ نَافِعٍ إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَسَرَ التَّاءَ عَلَى الْمَفْعُولِ وَضَمَّ بَاقِيهِمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: "ذُرِّيَّتُهُمْ" عَلَى التَّوْحِيدِ وَضَمِّ التَّاءِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ نَافِعٍ . فَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَرَأَهَا نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ. والْبَاقُونَ ذُرِّيَّتَهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَتْحِ التَّاءِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ عَن ابْنِ عَبَّاسِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ".
يعني الأولى فاعل، والثانية مفعول، لكن الفرق بين الأولى، في حال الإفراد والجمع "اتبعتهم ذرياتهم"، "اتبعتهم ذريتهم" في الإفراد والجمع، والثانية "ألحقنا بهم ذريتهم" أو "ذرياتهم" هو مفعول سواء جمع أو أفرد، لكن في حال الإفراد ينصب بالفتحة، وفي حال الجمع ينصب بالكسرة.
"وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ عَن ابْنِ عَبَّاسِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ؛ لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُه، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة. وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا النَّحَّاسُ فِي " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ؛ لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ»".
لكن بالشرط المذكور، يعني بالشرط المذكور، لا بد أن يكون الإيمان موجودًا، أما مع عدم الإيمان فلا يمكن أن يلحق به ذريته؛ لأن الإيمان شرط في دخول الجنة، ثم بعد ذلك التفاضل الذي بينه وبين ذريته، وقد يكون كبيرًا من حيث ما يستحقه من درجات، وما يستحقونه، لكن الله- جل وعلا- إكرامًا له يلحقهم به، لكن شريطة أن يتبعونه بالإيمان، وما يدعيه من أصحاب الأنساب الشريفة التي يزعمون، أو قد يكون بعضهم له حقيقة، قد يتصل بالنسب الشريف إلى النبي – عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك إذا كان في إيمانه خلل، أو عنده ما يناقض الإيمان فأبعد الناس خيرٌ منه، نعم إن كان مؤمنًا يستحق دخول الجنة، ثم بعد ذلك يلحق، والله المستعان.
طالب:.............
نعم مما يلحق زوجاته بلا شك، زوجاته؛ لأن آله زوجاته وذريته، لكن زوجاته بلا شك معه في المنزلة.
طالب:........
سيجيء هذا الكلام، يمكن أن يتعرض له المؤلف، استدل ابن حزم على أن أزواج النبي –صلى الله عله وسلم- خيرٌ من أبي بكر وعمر، وأفضل منها؛ لأنهن في منزلته، معه في المنزلة في القيامة، وأبو بكر دونه، وعمر دونه، فهن أفضل من أبي بكر وعمر، لكن عامة أهل العلم على أن أبا بكر وعمر أفضل من أمهات المؤمنين، ومقامهما في الدين معروف، وتفضيلهما في النصوص أشهر وأكثر من أن يذكر، وأما كون أزواجه معه فهذا بالتبعية، فليس التكريم بالأصالة كالتكريم بالتبعية، ترى الخدم يُقدَّمون على غيرهم من أوساط الناس، إذا كانوا خدمًا لعلية القوم فإنهم يقدمون؛ لأنهم يتبعونهم، ويعيشون معهم.
طالب:......... قول ابن حزم...
لا، من كونهم معه في المنزلة، معه، زوجاته معه -عليه الصلاة والسلام-، ومنزلة أبي بكر دون منزلة النبي –صلى الله عليه وسلم-، إذًا أبو بكر دون منزلة ابنته عائشة، وعمر دون منزلة حفصة، وهكذا.
على كل حال هذا قول مرجوح، ومعروف أن التكريم أصالةً يختلف عن التكريم تبعية، يعني معروف أن كثيرًا من الخدم في البيوت بعض الناس أفضل حالًا وعيشًا من حال كثير من أوساط الناس، ولا يعني أنهم أفضل لا؛ لأنهم تبع.
طالب:..........
حدهم يعني هل يصلون للسابع من الولد كما قال بعض أهل العلم، أو أنهم ينقطعون بمن رآهم، وعاملهم، وعاشرهم، واعتنى بهم، ورباهم؟
المقصود أنه محل خلاف بين أهل العلم، والذرية تقدمت، تقدم بسطها في التفسير، جاء بجميع نظائرها عند قوله، قريبًا الجزء الذي قبل هذا، "وجعلها كلمةً باقيةً" الزخرف.
طالب: في عقبه.
في عقبه، العقب الذرية، جاء بجميع النظائر التي ترد هنا، في جمعٍ من الكلام لهذه الأمور وكلام في اللغة والاصطلاح لا يوجد عند غيره.
طالب:.............
هذا إذا مشوا على طريقته وتبعوه عليها، لكن إذا غشهم وانصلح بعض أولاده فلا تلازم، لا شك أن التربية لها أثر كبير في الجزاء {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24]، حتى إن بعض أهل العلم يقول: إذا لم يربه فلا تناله هذه الدعوة؛ لأن الكاف للتعليل.
طالب:..........
ألحقنا بهم ذريتهم، الذرية لا تشمل الأب، لكن قد يكرم الإنسان، قد يكرم الإنسان ويزيد تكريمه فيلحق به من تقر به عينه؛ كرامةً له.
طالب:.............
هذا الدعاء ينفعه، لكن قد يكون الوالد عنده ما هو أعظم من ذلك، نسأل الله العافية.
"ثُمَّ قَرَأَ{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[الطور:21]، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ :فَصَارَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
أبو جعفر هو النحاس.
"وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا يَفْعَلُهُ وَبِمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . الزَّمَخْشَرِيُّ"
فمثل هذا لا يدرك بالرأي، فسواء صُرِّح بالرسول -عليه الصلاة والسلام- أو لم يصرح فمثل هذا له حكم الرافع، مخرج؟
طالب:..............
يعني يرتفع المرفوع بالموقوف، ينجبر.
طالب:............ عن ابن عباس ...
نعم.
"قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَهُمْ أَنْوَاعَ السُّرُورِ بِسَعَادَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَبِمُزَاوَجَةِ الْحُورِ الْعِينِ، وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ، وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ بِهِمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُلْحِقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْإِيمَانَ. قَالَه الْمَهْدَوِيُّ. وَالذُّرِّيَّةُ تَقَعُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَإِنْ جُعِلَتِ الذُّرِّيَّةُ هَاهُنَا لِلصِّغَار، كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بِإِيمَانٍ}[الطور:21] بِإِيمَانٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمَفْعُولِينَ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ بِإِيمَانٍ مِنَ الْآبَاءِ. وَإِنْ جُعِلَتِ الذُّرِّيَّةُ لِلْكِبَارِ كَانَ قَوْلُهُ: {بِإِيمَانٍ}[الطور:21]، حَالًا مِنَ الْفَاعِلِينَ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ آمَنُوا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالذُّرِّيَّةُ التَّابِعُونَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِنْ كَانَ الْآبَاءُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رَفَعَ اللَّهُ الْأَبْنَاءَ إِلَى الْآبَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبْنَاءُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رَفَعَ اللَّهُ الْآبَاءَ إِلَى الْأَبْنَاء، فَالْآبَاءُ دَاخِلُونَ فِي اسْمِ الذُّرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[يس:41]، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاس أَيْضًا يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ سَأَلَ أَحَدُهُمْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَعَنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ فَيُقَالُ لَهُمْ : إِنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مَا أَدْرَكْتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ فَيُؤْمَرُ بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ»".
حكمه؟ ماذا قال عنه؟
طالب: ........
نعم.
" وَقَالَتْ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَلَدَيْنِ لِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لِي: هُمَا فِي النَّارِ فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِي قَالَ: لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ ثُمَّ قَرَأ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}» الْآيَةَ.
الحديث؟
طالب: ........
الخلاف بين أهل العلم في هذا معروف في أطفال المشركين، هل هم في الجنة أو في النار؟ تبع لأبويهم أو أنهم يمتحنون كأهل الفترة، ذكر ابن القيم -رحمه الله- في طريق الهجرتين في أواخر الكتاب في طبقات المكلفين، أقوال العلماء فيهم.
طالب:........
نعم، أطفال.
طالب:..............
على الخلاف المعروف كان في أول الأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول في النار، ثم بعد ذلك قال: الله أعلم بما كانوا عاملين.
"{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ }[الطور:21]، أَيْ مَا نَقَصْنَا الْأَبْنَاءَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ لِقِصَرِ أَعْمَارِهِمْ، وَمَا نَقَصْنَا الْآبَاءَ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا بِإِلْحَاقِ الذُّرِّيَّاتِ بِهِمْ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ رَاجِعَانِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا }[الطور:21]، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِالذُّرِّيَّةِ أَبْنَاءَهُمُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْعَمَلَ، فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلذُّرِّيَّةِ . وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: " وَمَا أَلِتْنَاهُمْ " بِكَسْرِ اللَّامِ. وَفَتَحَ الْبَاقُونَ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " آلَتْنَاهُمْ" بِالْمَدِّ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَلَتَهُ يَأْلِتُهُ أَلْتًا، وَآلَتَهُ يُؤْلِتُهُ إِيلَاتًا، وَلَاتَهُ يَلِيتُهُ لَيْتًا كُلُّهَا إِذَا نَقَصَهُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَلَاتَهُ عَنْ وَجْهِهِ يَلُوتُهُ وَيَلِيتُهُ أَيْ حَبَسَهُ عَنْ وَجْهِهِ وَصَرَفَهُ، وَكَذَلِكَ أَلَاتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَعَلَ وَأَفْعَلَ بِمَعْنًى، وَيُقَالُ أَيْضًا: مَا أَلَاتَهُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا أَيْ مَا نَقَصَهُ، مِثْلُ أَلَتَهُ، وَقَدْ مَضَى بِ " الْحُجُرَاتِ".
طالب:....................
تلحق، ما دام تزوجته فهي بمنزلته بالشرط وهو الإيمان.
طالب:.............
أرفع درجة منه نعم، هل تنزل لدرجته أو يرفع إليها؟ لأن من الأزواج من يعين زوجته على الخير، ومنهم من يعمل جاهدًا على ثنيها عن الخير، هذا يرفع إليها أو تنزل له.
على كل حال إذا كان ممن يعينها على الخير فهو شريك لها، يعني بعض الأزواج يريد حاجته من الزوجة على أي حال، فتجده يثنيها عن فعل الخير، عن الصدقة، عن العبادة، عن الصيام فلا يكون عونًا لها على الخير، مثل هذا الله أعلم بمصيره، لا نجزم بشيء، لكن الله أعلم بمصيره بعض الأزواج يصير نقمة على زوجته.
دعونا من الشخص الذي حاول جاهدًا بزوجته حتى فتنها وأضلها، نسأل الله السلامة والعافية، نعم.
طالب:...................
نفل؟
طالب:........
إذا احتسب فهو يؤجر وأجرها ثابت.
طالب:................
على كل حال على حسب ما يقر في قلبه، إن كان قصده حاجته مقدمة على العبادة فهذا شيء، وإن كان ترك حاجته، وترك شهوته من أجل أن تتم عبادتها فهذا بعد له شأن، والأمور بمقاصدها.
طالب: إذا توفي عن المرأة أكثر من الرجل فالحكم يتعلق؟
للأخير، للأخير نعم.
طالب: لآخرهم؟
نعم، لكن لو طلقها أكثر من زوج، ماتت وهي ليست في ذمة أحد، أو مات عنها أكثر من زوج.
طالب:..........
تخيَّر، تخيَّر إذا مات عنها أكثر من زوج تُخيَّر، أما إذا طلَّقها أكثر من زوج، ولا واحد منهم، نعم.
"{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[الطور:21]، قِيلَ: يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ارْتَهَنَ أَهْلُ جَهَنَّمَ بِأَعْمَالِهِمْ وَصَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى نَعِيمِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39) }[المدثر38-39]، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ".
وكل غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته، يعني محبوس عن الشفاعة بالعقيقة.
"وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُرْتَهَنٍ بِعَمَلِهِ، فَلَا يُنْقَصُ أَحَدٌ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ، فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوَابِ الْعَمَلِ فَهِيَ تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَلَا يَلْحَقُونَ آبَاءَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ يَكُونُونَ مُرْتَهَنِينَ بِكُفْرِهِم"ْ.
كل امريء هذا من صيغ العموم يشمل الذرية الكفار، ويشمل غيرهم.
"قوله تعالى :{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[الطور:22]، أَيْ أَكْثَرْنَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةً مِنَ اللَّهِ، أَمَدَّهُمْ بِهَا غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ".
الفرق بين " مد و أمد" يقولون: مد في الشر، {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}[مريم:79] نمد لهم العذاب مدًّا، وأمد في الخير.
"قوله تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا}[الطور:23]، أَيْ يَتَنَاوَلُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ وَزَوْجَاتُهُ وَخَدَمُهُ فِي الْجَنَّةِ. وَالْكَأْسُ: إِنَاءُ الْخَمْرِ وَكُلُّ إِنَاءٍ مَمْلُوءٍ مِنْ شَرَابٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا فَرَغَ لَمْ يُسَمَّ كَأْسًا. وَشَاهِدُ التَّنَازُعِ وَالْكَأْسُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:
وَشَارِبٌ مُرْبِحٌ بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ |
نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَد صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي |
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْحَدِيثَ وَأَسْمَحَتْ هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَمَارِيخَ مَيَّالِ |
وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي "وَالصَّافَّاتِ {لا لَغْوٌ فِيهَا }[الطور:23] أَيْ فِي الْكَأْسِ أَيْ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ لَغْوٌ وَلَا تَأْثِيمٌ وَلَا مَا فِيهِ إِثْمٌ . وَالتَّأْثِيمُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْإِثْمِ، أَيْ تِلْكَ الْكَأْسُ لَا تَجْعَلُهُمْ آثِمِينَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُمْ . وَقِيلَ {لا لَغْوٌ فِيهَا }[الطور:23] أَيْ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَيُّ لَغْوٍ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ مَحَلُّهُ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَسُقَاتُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَشُرْبُهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَرَيْحَانُهُمْ وَتَحِيَّتُهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْقَوْمُ أَضْيَافُ اللَّهِ وَلَا تَأْثِيمٌ أَيْ وَلَا كَذِبٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الضَّحَّاكُ :يَعْنِي لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو: لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ".
ولا توقعهم في إثم، لا توقعهم في إثم؛ لأنها لا تغتاب العقول ولا تغطيها، -والله المستعان- خلاف خمر الدنيا.
" قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ :أَيُّ لَغْوٍ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ مَحَلُّهُ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَسُقَاتُهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَشُرْبُهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَرَيْحَانُهُمْ وَتَحِيَّتُهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْقَوْمُ أَضْيَافُ اللَّهِ! وَلَا تَأْثِيمٌ أَيْ وَلَا كَذِبٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، الضَّحَّاكُ :يَعْنِي لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ}[الطور:23] بِفَتْحِ آخِرِهِ. والْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي "الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ }[البقرة:254]، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ".
يعني هل أل "لا" هذه نافية للجنس، أو نافية للوحدة إذا قلنا: نافية للجنس قلنا: لا لغوَ، ولا خلةَ، وإذا قلنا للوحدة قلنا: لا لغوٌ ولا خلة.
"قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ }[الطور:24]، لَهُمْ أَيْ بِالْفَوَاكِهِ وَالتُّحَفِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَدَلِيلُهُ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ }[الزخرف:71]، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}[الصافات:45]، ثُمَّ قِيلَ: هُمُ الْأَطْفَالُ مِنْ أَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ، فَأَقَرَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ أَعْيُنَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مَنْ أَخْدَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ مِنْ أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: هُمْ غِلْمَانٌ خُلِقُوا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ الْكَلْبِيّ: يَكْبُرُونَ أَبَدًا كَأَنَّهُمْ فِي الْحُسْنِ وَالْبَيَاضِ {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ}[الطور:24] فِي الصَّدَفِ، وَالْمَكْنُونُ الْمَصُونُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}[الواقعة:17]، قِيلَ : هُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ نَصَبٌ وَلَا حَاجَةٌ إِلَى خِدْمَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّهُمْ عَلَى نِهَايَةِ النَّعِيمِ. وَعَنْ عَائِشَةَ".
لأنه إذا اشتهى الطعام ينزل إليه جاهزًا، أي نوع من أنواع المأكول أو المشروب يأتيه جاهزًا، وبعد ذلك لا يحتاج معه إلى ما يحتاجه في الدنيا، من تنظيفٍ لأيدٍ أو تخلص من مخلف ولا شيء، الله المستعان.
"وَعَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يُنَادِي الْخَادِمَ مِنْ خَدَمِهِ فَيُجِيبُهُ أَلْفٌ كُلُّهُمْ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ»، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ".
خرج.
طالب:...................
"وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : -«مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ غُلَامٍ كُلُّ غُلَامٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ». وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْخَادِمُ كَاللُّؤْلُؤِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَخْدُومُ؟ فَقَالَ: مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَبَيْنَ أَصْغَرِ الْكَوَاكِبِ» قَالَ الْكِسَائِيُّ: كَنَنْتُ الشَّيْءَ سَتَرْتُهُ وَصُنْتُهُ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَكْنَنْتُهُ فِي نَفْسِي أَسْرَرْتُهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: كَنَنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ بِمَعْنًى فِي الْكِنِّ وَفِي النَّفْسِ جَمِيعًا".
يعني لا فرق بين كننت الشيء وأكننته، يأتي من الثلاثي والرباعي بمعنًى واحد.
تَقُولُ: كَنَنْتُ الْعِلْمَ وَأَكْنَنْتُهُ فَهُوَ مَكْنُونٌ وَمُكَنٌّ. وَكَنَنْتُ الْجَارِيَةَ وَأَكْنَنْتُهَا فَهِيَ مَكْنُونَةٌ وَمُكَنَّة".
الآن بقي نصف السورة، بقي نصف السورة، وبقي من الدروس واحد، ما بقي إلا الأسبوع القادم الاختبارات؟
طالب: ........
الجمعة ما فيه، الجمعة عندنا سفر، والجمعة الثانية كذلك الجمعة القادمة القريبة دورة في الدمام، والتي تليها في مكة إن شاء الله تعالى ... الدروس إلا الاثنين القادم.
طالب:............
لا، الاختبارات ... لأن عندنا دورة قبل آخر أسبوع من الدراسة بمكة، وأثناء اختبارات، أو آخر أسبوع من الاختبارات الذي هو بالنسبة الجامعي ينتهون، دورة في المدينة، ما يبقى إلا أسبوع واحد ما يساوي شيئًا، ما فيه جمعة، ما يساوي، درس واحد باقٍ الآن نكمل به السورة، ونقف على النجم.
طالب: ........
دورة الرياض الظاهر أنها ...
الجمعة هذه ما فيه، ولا الجمعة القادمة ما في إلا الاثنين، نكمل السورة ونقف على النجم.
طالب:...........
اللؤلؤ نوع من أنواع في بياضه.
في تلألؤه، في عدم ظهوره إلى المؤثرات الشمس ولا الهواء ولا.
طالب:..................
مع الصغر لكن المقصود الوصف بكونه مكنونًا، يعني اللؤلؤ معروف، يعني وضعه من حيث البريق واللمعان ثم إذا صار مكنونًا بعد استمر على هذا، لا تغيره المؤثرات.
طالب:...............