بلوغ المرام - كتاب الصلاة (18)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصلِ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((عجل هذا)) ثم دعاه، فقال: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما شاء)) رواه أحمد والثلاثة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصلِ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((عجل هذا))" مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله- في وضعه هذا الحديث بين أحاديث التشهد أن هذا الدعاء كان بعد التشهد، ولا شك أن التشهد ثناء على الله -عز وجل- وتمجيد، وفيه صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي آخره دعاء.
"يدعو في صلاته" هذا مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- وإلا النص ليس فيه ما يدل على أنه في التشهد، ولا في شيء من طرقه ما يدل على ذلك، وبعضهم يرى أن الحديث عام في الدعاء داخل الصلاة وخارج الصلاة، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- في أي موضع كان من الصلاة، أما ما سمعنا من مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- وأنه خص ذلك بالتشهد، يعني بعد الثناء على الله -عز وجل- والتمجيد بالتشهد والشهادة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو بالأربع، على ما سيأتي ثم يتخير من المسألة ما شاء.
ومنهم من يرى أن هذا خاص بالدعاء خارج الصلاة، أما في الصلاة فيقصر فيها على ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن مواطن الدعاء داخل الصلاة في السجود مثلاً هل يثني على الله -عز وجل- ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- في السجود أو بين السجدتين؟ لم يقل بهذا أحدٌ من أهل العلم، هذا إما أن يكون في الصلاة في آخرها كما هو مقتضى صنيع المؤلف، أو يكون في الصلاة التي يراد بها الدعاء بمعناها الأعم، كما هو الأصل في الصلاة هي في اللغة: الدعاء.
"رأى رجلاً يدعو في صلاته" يدعو في دعائه، الصلاة هنا بمعناها الأعم التي هي مطلق الدعاء "ولم يحمد لله ولم يصلِ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((عجل هذا))" الإنسان لا بد أن يقدم بين يدي مسألته ما يكون أدعى لقبولها من تمجيد لله -عز وجل-، وتحميد وثناء، وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يختم ذلك بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- "فقال: ((عجل هذا)) ثم دعاه فقال: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) إذا صلى أحدكم يعني إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، وإن كان المراد الصلاة عموماً إذا صلى أي صلاة فمقتضى ذلك أن يبدأ بتحميد ربه بالفاتحة، والثناء عليه بما يتلوها من قراءة لأنها ذكر، بل أعظم الذكر، القراءة أعظم الذكر، والثناء هو تكرار المحامد وتثنيته، فالذي يظهر -والله أعلم- أن المراد بالصلاة هنا مطلق الدعاء ((إذا صلى أحدكم)) يعني إذا دعا أحدكم ((فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ} [(103) سورة التوبة] يعني: ادعُ لهم.
((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) لأن لو قلنا: إن المراد به الصلاة الشرعية المعروفة سوف يبدأ بالتحميد قطعاً بقراءة الفاتحة، وأما في التشهد كما هو مقتضى صنيع المؤلف فليس في التشهد حمد اللهم إلا إن كان إذا أراد أن يتخير من المسألة ما شاء بعد الدعاء بالأربع، بعد الاستعاذة بالله من أربع، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا فيه بعد؛ لأن الاستعاذة بالله -عز وجل- من أربع دعاء، فلتبدأ بذلك.
الدعاء في السجود دعاء فليبدأ بذلك، الدعاء بين السجدتين دعاء فليبدأ بذلك، ولم يقل بهذا أحدٌ من أهل العلم، إذاً تحمل الصلاة هنا على مطلق الدعاء، وحينئذٍ يبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، وبهذا يقول بعض أهل العلم في دعاء القنوت، يبدأ بتحميد الله والثناء عليه والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو داخل الصلاة؛ لأنه في حكم الدعاء المطلق، يدعى فيه بما شاء ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، وليس فيه اعتداء.
((فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) الجمهور يفسرون الحمد بأنه الثناء، الثناء على المحمود، والصحيح كما حقق ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الثناء غير الحمد، ولذا جاء في حديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله -عز وجل-: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي)) وهنا يقول: ((بتحميد ربه والثناء عليه)) والأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة.
((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد التحميد والثناء يثني بذلك، بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ثم يدعو بما شاء)) وهذا الحديث مصحح عند جمع من أهل العلم، وهو صحيحٌ أيضاً "صححه الترمذي وابن حبان والحاكم" وواقعه أنه صحيح.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت، ثم قال: ((قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)) رواه مسلم. وزاد ابن خزيمة فيه: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟".
نعم حديث: "أبي مسعود" البدري عقبة بن عمرو البدري، نزل بدراً فنسب إليها، ولم يشهد الواقعة في قول الأكثر، وإن عده البخاري -رحمه الله تعالى- ممن شهد بدراً، لكن الجمهور على أنه لم يشهد بدراً.
"قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك" يعني في قوله -جل وعلا- في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ومقتضى الأمر في الآية لا يخص الصلاة، بل هو مطلق غير مقيد بوقت ولا زمان ولا مكان ولا حال، كلما ذكر يصلى عليه -عليه الصلاة والسلام-، ويصلى عليه في مواطن جاءت الأدلة بها، ومنها الصلاة.
الأمر الصادر من الله -جل وعلا- في الصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام- مطلق، والحديث خاص بالصلاة، ولذا أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- رواية مسلم برواية ابن خزيمة "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" ولذا جاء تفسير الأمر بما يخص الصلاة، جاء تفسيره بالصلاة الإبراهيمية المعروفة، فقال: "أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت" وسكوته -عليه الصلاة والسلام- في هذا الموضع وفي مواضع حينما يسأل يسكت -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا تربية لمن يتولى إفتاء الناس ألا يستعجل بالجواب، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فإما أن يكون ينتظر الوحي -عليه الصلاة والسلام- بالجواب، أو يكون في هذا تربية لمن يقتدي به، ويتولى إفتاء الناس ألا يستعجل، ولذا تجدون في كثير ممن يستعجل في الجواب يتلقف الجواب قبل أن يكمله صاحبه أنه لا يحالفه الصواب، كثير هذا، يتلقف السؤال طرف السؤال ثم يجيب، قد يكون مقصود السائل غير هذا، وقد يكون السائل غير موجود إما بواسطة أو بشيء من هذا ولم يستفهم منه ولا يستثبت، فيأتي الجواب خلاف ما يريده.
فعلى من يتولى الإجابة على أسئلة الناس أن يتريث ويستفصل ويفهم السؤال على حقيقته من صاحبه إن أمكن، وإلا من الواسطة إن كان هناك واسطة، وإذا كان السؤال صاحبه غير موجود محتمل يتوقف حتى يستفصل.
"فسكت -عليه الصلاة والسلام-، ثم" العطف للتراخي "ثم قال: ((قولوا))" يعني إذا صليتم عليَّ مطلقاً امتثالاً للأمر الإلهي، أو قولوا في الصلاة خاصة، يعني هل الإنسان امتثالاً للأمر الإلهي خارج الصلاة، بمعنى أنه لا يتم امتثال الأمر في الآية إلا إذا قلنا: ((اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد)) يعني لا يتم امتثال الأمر في الآية إلا بهذه الصيغة؟ أو نقول: هذا خاص بالصلاة؟ يعني مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- في وضعه هذا الحديث في هذا المكان أنه خاص بالصلاة، يعني تفسير أو تبيين النص المطلق ببعض أوصافه، أو العام ببعض أفراده، هذا فرد من أفراد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وخاص بالصلاة هل يعني هذا أنه يقصر عليه؟ نأتي بمثال يوضح المقام:
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وفسر -عليه الصلاة والسلام- رياض الجنة بأنها حلق الذكر، هل نقول: إن حلق الذكر هي رياض الجنة فقط؟ أو أن رياض الجنة هي حلق الذكر فقط؟ أو ما جاءت النصوص بوصفه أو بتسميته بأنه روضٌ من رياض الجنة نرتع فيه وحلق الذكر فردٌ من أفراده؟ وعلى هذا: إذا مررنا بالروضة روضة من رياض الجنة ((بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هل نقول: ارتعوا لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))؟ وحلق الذكر فرد من أفراد رياض الجنة وليس بجميع رياض الجنة.
وهنا ما جاء في الصلاة الإبراهيمية فرد من أفراد الأمر بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في سورة الأحزاب، ولذا يتم امتثال الأمر في الآية بإطلاقه، يعني خارج الصلاة في غير هذا الموضع بقولنا: -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذٍ امتثلنا ما أمرنا به في الآية، لكن في الصلاة نقول: هذه الصلاة التي وجهنا إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((قولوا: اللهم صلِِ على محمد وعلى آل محمد)) نعم في الصلاة نزيد: "آل محمد" وخارج الصلاة لا يلزم أن نزيد، إنما يتم الامتثال خارج الصلاة بقولنا: "صلى الله عليه وسلم" نعم إذا زدنا: "آل محمد" لما لهم من حق، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- طيب، لكن يتم الامتثال الأمر بدونه، أيضاً إذا زدنا آل الرسول -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة نزيد صحابته لما لهم علينا من فضل ومنة، عن طريقهم وصلنا الدين، وعلى هذا: إذا قلنا: "صلى الله عليه وسلم" خارج الصلاة إما أن نقول: "وآله وصحبه" لما للجميع علينا من حق، امتثالاً لوصيته -عليه الصلاة والسلام-، ولما لصحابته من فضلٍ علينا، وإلا إذا أردنا امتثال الأمر من غير زيادة نقول: "صلى الله عليه وسلم" وانتهى الإشكال.
وأما الاقتصار على الآل فقط خارج الصلاة -هذا داخل في الصلاة النص صريح في الباب- لكن خارج الصلاة الاقتصار على الآل لما صار شعاراً لبعض المبتدعة كما أن الاقتصار على الصحب صار شعاراً لمبتدعة آخرين، فالذي ينبغي الجمع بينهما أو تركهما، أما ما يقوله بعضهم: من أن المتعين بل يوجبون الصلاة على الآل كالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يمكن امتثال بعض الأمر دون بعض، الأمر المطلق جاء في الآية، وامتثاله يتم بتطبيق ما أمرنا به، الأمر المقيد هنا في الصلاة نعم لا يتم إلا بذكر الآل، هؤلاء الذين يوجبون الصلاة على الآل مع الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة أيضاً ماذا يقولون عن صنيع الأئمة من عصر السلف إلى يومنا هذا؟ كتب السنة مملوءة بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في موضع قالوا: "وآله" يقصدون آله -عليه الصلاة والسلام-، يقولون: الأئمة رووا هذا الحديث وصححوه، وتركوا الصلاة على الآل، وتواطئوا على ذلك تقية، كان الخلفاء من بني أمية يخشى شرهم من قِبَل من يصلي على الآل، بني العباس وهم من الآل لماذا الأئمة المصنفون كلهم في عصر بني العباس لماذا تركوا الصلاة على الآل وهم من الآل؟
أما نتهم علماء الإسلام بأنهم تركوها تقية، ومحاباة ومداهنة ومداراة للخلفاء هذا أمر ليس بالسهل، كلهم يتواطئون على عدم ذكر الآل معه -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة أما داخل الصلاة ما في أحد يقول: لا يصلى على الآل، نفرق بين هذا وهذا، لكن الكلام خارج الصلاة، امتثال الأوامر المطلقة يتم بتخصيصه -عليه الصلاة والسلام- بالصلاة والسلام، لكن داخل الصلاة كما وجهنا هنا.
ولا نتهم علماء الإٍسلام الذين لم يصلوا على الآل بأنهم كلهم تواطئوا على هذا، فنفرق، يعني ما هم..، المقصود أن ليس الإنسان يريد أن يقرر أنه لا يصلى على الآل، الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، نصلي عليهم، لهم علينا حق، من حقه -عليه الصلاة والسلام- علينا، لكن أيضاً صحابته الكرام، بواسطتهم وصلنا الدين، لماذا لا نقول: وصحبه؟ لماذا لا نقول: "صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم"؟ فنكون جمعنا بين جميع من لهم علينا حق، وخالفنا طوائف المبتدعة، هذا خارج الصلاة أما داخل الصلاة لا يجوز أن تزيد وصحبه، إذا زدت وصحبه صرت ابتدعت، وإذا حذفت الآل داخل الصلاة ما امتثلت الأمر؛ لأنه قال: ((قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)) سابقاً يعني قبل ذلك، كانوا يقولون: السلام على الله من العباد، فنهوا عن ذلك، وعلموا كيف يسلمون ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)).. إلى آخره، ((كما عُلُّمتم)) أو ((كما عَلِمتم)) ضبطت بهذا وهذا، "رواه مسلم".
"وزاد ابن خزيمة فيه: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟" يعني هذه الصيغ خاصة بالصلاة، وهي فردٌ من أفراد الأمر العام في الآية، ولا يعني أننا نقول: امتثال الأمر في الآية لا يتم إلا بهذه الصيغة، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، لذا رواية ابن خزيمة معتبرة في تخصيص هذه الصيغة بالصلاة، ولا يفهم من هذا أننا لا نصلي على الآل خارج الصلاة، نصلي على الآل، ولهم علينا حق، وهذا من حقه -عليه الصلاة والسلام-، فهم وصيته، لكن أيضاً صحابته الكرام الذين بواسطتهم وصلنا الدين، وهم الذين حملوه وهم الذين بلغوه، ونشروه في الآفاق في المشارق والمغارب أيضاً لهم حقٌ عظيم علينا، وبهذا نكون خالفنا جميع طوائف المبتدعة.
واتهام علماء الإسلام بأنهم تركوا الصلاة على الآل تقية ومداراة للحكام هذا ليس بصحيح، هم يدارون بني أمية طيب التأليف كلها، التأليف باستثناء شيء يسير -يعني ما- بني أمية انتهت سنة (132هـ) ما ألف شيء في ذلك الوقت إلا الجمع العام اللي صار على يد الزهري، وأحاديث نزائع يعني ما هي بمؤلفات، كل التأليف صارت في عهد بني العباس، ونقول: إن أئمة الإسلام كلهم تركوا الصلاة على الآل مداراة للحكام، هذا لا يمكن أن يقوله شخص منصف.
نعم يقولوه شخص تأثر ببيئة يمكن، يعني مثل الصنعاني تأثر بالبيئة الزيدية، هو يقول هذا الكلام، ويرمي علماء الإسلام كلهم علشان هذه البيئة التي عاش فيها، وليس هذا من باب تقليل شأن الآل، إنما من باب إحقاق الحق، والإنصاف مع جميع الأطراف، يعني تنصف جهة أو تندفع مع جهة وتترك الجهة الأخرى ما هو بصحيح، يعني اتهام جميع علماء الإسلام بهذا التواطؤ ليس بصحيح.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير))".
بعض طلاب العلم يقول: إنه من باب الحكمة في الدعوة أن نصلي على الآل، يعني من باب الحكمة في الدعوة، وجاء بعض المبتدعة ورأونا ننصف ونصلي على..، من يبغض آل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وإذا كان هؤلاء المبتدعة يغضبهم أن نصلي على صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- خلهم يغضبون، وليكن ما يكون، الصحابة أهم عندنا منهم، يعني لما سمع المبتدعة أننا نصلي على الآل نصلي على الآل وهم تاج فوق رؤوسنا، أعني من التزم منهم بشرع الله -عز وجل-، والآل فيهم وفيهم، لكن أوائلهم على الجادة، والصحابة أيضاً لهم من الحق علينا، هم صحابة، رضي الله عنهم ورضوا عنه، والنصوص في فضلهم وحقهم علينا، وعدم التعرض لهم، ولا ذكر مساوئ ولا مثالب ولا ما شجر بينهم -عليهم رضوان الله-، فالمسألة مسألة إنصاف، فإذا كان المبتدعة الذي نريد دعوته لا يرضيه الحق لا يرضى يا أخي، إذا كان يغضبه أن نحق الحق ونصلي تبعاً له -عليه الصلاة والسلام- على صحابته لا يرضون أبداً، الله المستعان.
يليه حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم)) إذا تشهد: تشهد فعل ماضي، الفعل الماضي أصله يراد به الفراغ من الفعل، يعني إذا فرغ من التشهد، ويراد به أيضاً الشروع في الفعل، ويراد به إرادة الفعل، وهنا يراد به معناه الأصلي وهو الفراغ من الفعل، إذا تشهدنا وفرغنا من التشهد وصلينا على النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث السابق نستعيذ بالله من أربع ((فليستعذ بالله من أربع)).
الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء الأمر بها، وهي واجبة، وإن قال بعضهم بسنيتها، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الحنابلة ركن من أركان الصلاة، بهذه الصيغة لا تصح إلا بها، وغيرهم منهم من يرى الوجوب، ومنهم من يرى الاستحباب، لكن الأمر بها ثابت ((فقولوا)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.
وهنا: ((فليستعذ)) اللام لام الأمر ((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) يقول المؤلف: "متفق عليه" المتفق عليه من فعله -عليه الصلاة والسلام-: "كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تشهد قال: ((أعوذ بالله)) هذا المتفق عليه، أما الأمر بالاستعاذة بالله من هذه الأربع فهو من أفراد مسلم، يعني هل هناك فرق بين الأمر والفعل؟ في فرق، فمن فعله -عليه الصلاة والسلام- كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تشهد تعوذ بالله من هذه الأربع، أو استعاذ بالله من هذه الأربع هذا متفق عليه، لكن الأمر بذلك ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع)) هذا من أفراد مسلم، وليس بمتفقٍ عليه كما قال المؤلف -رحمه الله-.
((يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم))، ((من أربع)) يعني ذكر العدد جاء في النصوص ((آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع)) ((بني الإسلام على خمس)) ((خمس من الفطرة)) ((عشرٌ من الفطرة)) هذا مهم ذكر العدد، لو لم يكن فيه أنه أعون وأضبط للحفظ، بحيث إذا نسي واحدة وعرف جملتها استذكر، لو قال: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من: عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح..، يمكن ينسى واحدة وما يستذكر، ولذا ما تجدون في مثل هذه المواطن ينسى شيء منها التي ينص فيها على العدد، فإذا نسي شيء طالب نفسه به ((فليستعذ بالله من أربع)) وإلا بالإمكان أن يستعذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وهي أربع، لكن ذكر العدد إجمالاً مفيد في هذا الباب، ولذا من يعنى به من أهل العلم في مؤلفاتهم ينبغي أن يعتنى بكتبه ومؤلفاته، لا سيما المتون التي تحفظ، الأعداد الحاصرة هذه مهمة.
((فليستعذ بالله من أربع)) بينها بقوله: ((يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم))، ((فليستعذ)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقال بوجوب ذلك طائفة من أهل العلم، حتى إن طاووساً -رحمه الله- أمر ابنه أن يعيد الصلاة لما نسي هذه الأربع، وهذا في صحيح مسلم، وبعضهم يقول: هي واجبة كغيرها من الواجبات على ما سيأتي في حديث ترك التشهد أن الواجبات لا تعاد الصلاة من أجلها، بل تجبر، والأكثر على أنها سنة، على أن الاستعاذة بالله من أربع سنة، لكن اللام كما عرفنا لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم)) وأي عذاب أعظم من عذاب جهنم؟! ((ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات)) فتنة المحيا والممات، عذاب جهنم معروف، وعذاب القبر أيضاً جاءت به النصوص، جهنم هي دار الجزاء الثاني لمن عصى ومن أبى جزاؤه جهنم -نسأل الله العافية-، عذاب القبر أيضاً ثبت بالنصوص القطعية المتواترة ((ومن فتنة المحيا)) الإنسان يفتن في حياته، وإن كان ظاهره الصلاح لا تؤمن عليه الفتنة، وإن كانت فواتحه خير لا تؤمن أن تكون عاقبته إلى شر ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يفتن عن دينه، تكون هناك دسيسة في قلبه منطوٍ عليها، ولو صارت صغيرة في نظره، لكن تخونه، فتنة المحيا والفتن كثيرة ومتفاوتة، منها الفتن الكبرى المضلة، ومنها الفتن الصغيرة التي تكفرها الصلاة، ورمضان، والعمرة إلى العمرة، فتنة الرجل في أهله، في ماله، في جاره، هذه أمورها سهلة، لكن الإشكال إذا فتن وصرف عن دينه، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
والله ما خوفي الذنوب وإنها |
| لعلى سبيل العفو والغفران |
الإنسان ما يلزم أن يكون هذا خاص بالحكام والقضاة، كل إنسان مطالب بأن يحكم بشرع الله، فيمن تحت يده، في نفسه، والله المستعان.
((ومن فتنة المحيا)) ومن فتنة ((الممات)) يفتن الإنسان عند موته، كما أنه يتعرض لفتنة في قبره، ويُسأل ((ومن فتنة المسيح الدجال)) من أعظم الفتن في هذه الدنيا فتنة المسيح الدجال، وأي فتنة؟! مخلوق يأتي ومعه ما يفتن به الناس، معه ما يشبه الجنة ومعه ما يشبه النار، يأمر السماء تمطر، ويأمر الأرض تنبت، ويشق الرجل بنصفين ثم يدعوه فيقوم، يفتتن به الناس بلا شك، وهي فتنة عظيمة، لكن على الإنسان أن يصدق مع ربه -جل وعلا-، وأن يتعرف على الله في الرخاء ليُعرف في الشدة، فإذا صدق مع الله -عز وجل-، وصدق الالتجاء إليه، وأخلص له يقيه شر هذه الفتن كلها.
"وفي رواية لمسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد)) حينئذٍ يكون هذا في نهاية الصلاة، ثم بعد ذلكم يتخير من المسألة بعد ذلك ما شاء، كما في حديث أبي بكر -رضي الله عنه-، نعم.
"وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي" أبو بكر -رضي الله عنه- أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، يطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه دعاءً جامعاً يدعو به في صلاته، وقد أوتي -عليه الصلاة والسلام- جوامع الكلم، "قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)).
والصحابة -رضوان الله عليهم- يقولون: وأينا لم يظلم نفسه؟ لما نزل قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم} لم يخلطوا إيمانهم {بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [(82) سورة الأنعام] أينا لم يظلم نفسه؟ جاء تفسير الظلم بالشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] مقتضى القواعد {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} (بظلم) نكرة في سياق النفي تعم، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قصره على بعض أفراده {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} والمراد بالأمن هنا الأمن المطلق، وإن كان لكلٍ نصيبه من الأمن والخوف بحسب ما يحققه من التوحيد والعدل، وما يتركه من ظلم، وإلا أي إنسان لم يظلم نفسه؟ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) في رواية: ((كبيراً)) هذا اعتراف، والاعتراف بالذنب ضد الكبر والاستكبار، وبعض الناس قد يزكي نفسه شعر أو لم يشعر، فالاعتراف بأنه يظلم نفسه ظلماً كثيراً مظنة، بل هذه تقدمة لما يطلب، والاعتراف بالخطيئة سبب من أسباب العفو والتجاوز، هذا مشاهد في حياة الناس.
((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) يقول هذا أحياناً وأحياناً هذا، ولا يجمع بينهما؛ لأن المقول إما هذا أو هذا، فإذا قال أحياناً: كبيراً، وقال أحياناً: كثيراً، امتثل ما جاء في الروايات، لكن لا يجمع بينهما.
((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) إقرار بالذنب، ثم حصر لجهة العفو والمغفرة والصفح لله -عز وجل-، لا يملك مخلوق أن يغفر لأحد، لذا من يتجه إلى غير الله -جل وعلا- في هذا الباب مشرك، ونرى في كثير من تصرفات المسلمين التجاء إلى غير الله -جل وعلا- تطلب مباشرة غفران الذنوب وستر العيوب من البشر وهذا هو الشرك ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك... إنك أنت الغفور الرحيم)) فالتعقيب بما يناسب المسألة، المناسب لطلب المغفرة والرحمة والستر والعفو والتجاوز والصفح من الأسماء الحسنى ما يناسبها، كما هنا: ((الغفور الرحيم)).
هل يناسب أن نقول: إنك أنت العزيز الحكيم؟ يناسب وإلا ما يناسب؟ وماذا عن آية المائدة؟ {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة]؟ أهل العلم يقولون: من آداب الدعاء أن يعقب الدعاء من الأسماء الحسنى بما يناسبه فماذا عن آية المائدة؟ يعني ليس هذا دعاء في الدنيا {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} [(4) سورة الممتحنة] {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(5) سورة الممتحنة] هذا يوم القيامة بعد؟ متى هذا؟ أو نقول: الأولى كما هنا وما جاء على خلافه يدل على الجواز؟ أما بالنسبة لآية المائدة تعقب هذا التذييل أمرين: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [(118) سورة المائدة] تعقب هذا، كما أنه تعقب أيضاً {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} [(118) سورة المائدة] فقد تعقب أمرين، والله -سبحانه وتعالى- من أسمائه العزيز الحكيم، وهو مناسب للشق الأول {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [(118) سورة المائدة].
لكن الإشكال في الآية الثانية، وأولى ما يقال: إنه الأولى أن يؤتى من الأسماء ما يناسب الحال، هذا الأصل، وما جاء على خلاف ذلك دليلٌ على الجواز، ليس بلازم أن نعقب هذا باسم المغفرة والرحمة، ولذا يستحبون ويذكرون من آداب الدعاء..، يذكر أهل العلم من آداب الدعاء أن يعقب بالاسم المناسب للحال.
أحسن الله إليك:
"وعن وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" رواه أبو داود بسند صحيح".
نعم، السند صحيح، حديث وائل بن حجر في السنن أنه قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" عن يمينه الذي في السنن، "وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله" بدون وبركاته، فزيادة بركاته في التسليمة الثانية ليست في السنن، وجلّ من روى السلام عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكروا هذه الزيادة لا في التسليمة الأولى ولا في الثانية، لكنها ثبتت من حديث وائل بن حجر، فمقتضى صنيع من يقبل زيادة الثقة مطلقاً يقول: زيادة من ثقة فهي مقبولة، ويطلق ذلك البيهقي والحاكم، وابن عبد البر، وجمعٌ من أهل العلم، وعليه جرى المتأخرون أنهم يقبلون زيادة الثقة إذا لم تكن معارضة، وهنا هي زائدة ليست معارضة، لكن صنيع الأئمة لا يطردون قبول الزيادة ولا نفي الزيادة، لا يطردون ذلك، بل قد يقبلون الزيادة ويرون أنها محفوظة، وقد يردونها ويحكمون عليها بالشذوذ تبعاً للقرائن، ولو لم تكن مخالفة، لكن دلت القرائن على أن الراوي لم يحفظ هذه الزيادة وإن كان ثقة، فقبولها باطراد ونفيها باطراد ليس موافق لصنيع الأئمة في هذا الباب، وإن حكموا بأن زيادة الثقة مقبولة، أن هذا ما جرى عليه المتأخرون أما الأئمة الكبار المتقدمون فلا.
وقد يقول قائل والإنسان بصدد تعلم هذا العلم العظيم ودراسته وتخريجه، ودراسة أسانيده، والحكم على الأحاديث والزيادات، نقول: لا مانع أن يتمرن الطالب على القواعد المطردة؛ لأنه إذا لم يتمرن على القواعد المطردة يضيع، يتمرن تمرين لكن لا يعمل ولا يفتي بمقتضى ذلك، يتمرن ويحكم بالقواعد المطردة المعتمدة عند المتأخرين، ويعرض نتائجه على أهل الخبرة وأهل المعرفة، ويقارن بين أحكامه وأحكام الأئمة، فإذا تأهل وصارت لديه الأهلية لمحاكاة المتقدمين من الحكم بالقرائن هذا فرضه؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين كما هو معروف، لكن الشأن في طالب العلم المبتدئ الذي يريد أن يتعلم، ناشئ يريد أن يتمرن، نقول: لا مانع أن تحكم بالقواعد المطردة، فإذا ما تأهلت فيما عدا ذلك وساويت المتقدمين في معرفة القرائن والحكم بها هذا فرضك، والله المستعان.
"فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وعلى كل حال هي ثابتة بالسند الصحيح، فلو فعلها أحياناً وتركها في الغالب كان أولى، يعني لو فعلت أحياناً إحياءً لهذه السنة، والترك هو الغالب؛ لأن أكثر الرواة على عدم ذكرها، أعني: "بركاته" في التسليمة الأولى التي هي عن اليمين، وأما عن الشمال فلا، "فكان يسلم" السلام الجمهور على أنه واجب، وقال بعضهم: ركن لا تتم الصلاة إلا به، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وداوم عليه، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعند الحنفية ليس بواجب ولا ركن، إنما تتم الصلاة بدونه، إنما هو مجرد علامة، مجرد علامة على انقضاء الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على السلام، كان يسلم عن يمينه وعن شماله، ومن يوجب السلام يقول: إن الواجب الأكثر من الشافعية والمالكية على أن الواجب التسليمة الأولى، وأما الثانية فهي سنة، والتسليمتان ركنٌ من أركان الصلاة عند الحنابلة، والحنفية لا يرون ذلك، يرون أنه علامة على انقضاء الصلاة.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وعرفنا ما في هذه الزيادة من قبولٍ ورد، والصواب أن السلام ركن من أركان الصلاة، داوم النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال: ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)).
وأما ما يروى من حديث ابن عمر: أنه إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد، ثم أحدث قبل التسليم فقد تمت صلاته، الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، هذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعلم المسيء التسليم لا يعني عدم الوجوب؛ لأنه زيد على ما جاء في حديث المسيء واجبات غير السلام، بعضهم يستدل على هذا بقوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحـج] وليس فيه سلام، نقول: أيضاً ليس فيه قيام ولا قراءة، ولا غير ذلك من أركان الصلاة وواجباتها، فلا يعني أنه ليس بواجب.
"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) متفق عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" دبر الشيء: عقبه وآخره، الدبر يحتمل أن يكون في آخر الشيء جزءٌ منه في آخره، ويحتمل أن يكون عقبه منفصلاً عنه، وجاء نصوص بهذا وبعض النصوص بهذا.
"كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" بعد الفراغ منها ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) في الصحيح في بعض روايات البخاري: ثلاثاً، وفي بعضها: مرة واحدة، ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) وفي بعض الروايات: ((ولا راد لما قضيت)) عند عبد بن حميد وغيره: ((ولا راد لما قضيت)) وهي صحيحة، زيادةً على ما هنا ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
((اللهم لا مانع لما أعطيت)) لو أن الناس كلهم اجتمعوا على أن يمنعوا أحداً من الخلق من شيء قد كتبه الله له لن يستطيعوا أن يمنعوه مما كتبه الله عليه، كما أنهم لو اجتمعوا على أن يعطوه ما لم يكتب له لن يستطيعوا، فالله -سبحانه وتعالى- هو المعطي، وهو المانع، وهو النافع، وهو الضار.
((لا مانع لما أعطيت)) فالمكتوب لا بد من حصوله، وإن اجتمع جميع الأرض للمنع أو للإعطاء لما حصل إلا لمن قدره ((ولا معطي لما منعت)) بعض الناس يجبن عن قول الحق خشيةً على رزقه المكتوب له، كما أن بعض الناس يبادر بالباطل لهثاً وراء شيء لا يدري هل كتب له أو لم يكتب؟ لكنه إذا علق أمره بالله -جل
وعلا-، أو تعلق قلبه به، وتوكل على الله حق التوكل، وجزم يقيناً أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع لمن يمنعه من قول الحق مانع.
((ولا معطي لما منعت)) ((ولا راد لما قضيت)) ما قضاه الله -جل وعلا- وكتبه على الإنسان لا بد أن يحصل، قد يكون المكتوب معلق بأسباب وجوداً وعدماً، فيكون وجوده مرتبط بسبب إن وجد وإلا فلا، لكن الأصل أنه لا راد لما قضى الله -جل وعلا-، والسبب مما قضاه الله -جل وعلا-: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد] في هذا الحديث: ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) ينسأ له في أثره المكتوب الذي هو في أيدي وعلى علم الملائكة، أما ما في علم الله -جل وعلا- فإنه لا يتغير، الله -سبحانه وتعالى- كتب له هذا العمر، وكتب له هذا السبب، ويبقى أن الله -جل وعلا- يمحو ما يشاء ويثبت، يعني مما في علم الملائكة، أما ما في علمه -جل وعلا- فإنه لا يتغير.
((ولا راد لما قضيت)) ((ولا ينفع ذا الجد)) لا ينفع صاحب الحظ والنصيب من الله -جل وعلا-، ولا يغنيه منه حظه ولا نصيبه "متفقٌ عليه" ففي هذا دليلٌ على استحباب قول هذا الذكر، بما فيه من كلمة الإخلاص، وما عقبت به بعد الفراغ من الصلاة، وليس بدبر الصلاة يعني في آخرها، لا، إنما هو بعد الفراغ منها.
"وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)) رواه البخاري".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سعد بن أبي وقاص" أحد العشرة المبشرين بالجنة، وممن اعتزل الفتن بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- "-رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن" الضمير يعود على متأخر، يعني الأصل أن يقدم: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن)).. إلى آخره، ثم يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بهن دبر كل صلاة" فعود الضمير على متأخر لا أعني مفردات اللغة....... في القواعد، الآن أنت تجزم أن هذا لفظ سعد -رضي الله عنه- أو رواه بعض الرواة بالمعنى؟ مسألة الاحتجاج بالحديث في قواعد العربية مسألة خلافية بين..، وسبب الخلاف تجويز الجمهور الرواية بالمعنى وإلا لو ضمنا أن هذا هو اللفظ النبوي، أو لفظ الصحابي، الصحابة عرب أقحاح، لا بد أن يحتج بهم، وأهل العلم جوزوا الرواية بالمعنى، ولذا رأى بعض أهل العربية أنه لا يحتج بالحديث في العربية.
على كل حال الأمر لا يلتبس، سواءً قدمنا الضمير وأخرنا ما يعود عليه أو عكسنا، المعنى واضح ومفهوم، وإن كان الأصل أن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبةً، لا يعود على متأخر لفظاً ورتبةً، لكن إذا تأخر في أحد الأمرين وتقدم في الأمر الثاني لا بأس، يعني إذا قلت: خاف ربه عمر، الأصل خاف عمر ربه، فأعدنا الضمير على متأخر في اللفظ، لكن رتبته متقدمة، رتبة عمر التقدم لأنه فاعل، لكن لو كان مفعول والضمير مقترن بالفاعل يعود على المفعول لا يجوز، وتأخر المفعول، وعاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة لا يجوز، (زان نوره الشجر) هذا لا يجوز عند أهل العلم.
فالمقصود أنه كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة، "بهن" يعني بهذه الأمور التي ذكر ((اللهم إني أعوذ بك من البخل)) البخل: وهو منع ما يجب دفعه ((وأعوذ بك من الجبن)) وهو المهابة للأشياء، والتأخر عنها لا سيما إذا كانت هذه المهابة تعوق عن أمرٍ واجب من جهاد مثلاً، من أمر بمعروف ونهي عن منكر، من تعليم، لا بد أن يستعاذ منه هذا جبن، وبعض الناس يسميه حياء وهو في الحقيقة ليس بحياء؛ لأن الحياء خيرٌ كله ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فكيف يعوقك هذا الحياء على حد زعمك من الجهاد في سبيل الله، كيف يعوقك هذا الحياء من إنكار المنكر الذي يجب تغييره، كيف يحول بينك هذا الحياء وبين ما يستحب فعله مما ندب الشرع إليه، هذا في الحقيقة ليس بحياء، بل هو جبن وذل ومهانة.
((وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر)) كي لا أعلم بعد علم شيئاً، يعني من سبر حال هؤلاء الذين اختلطوا، وردوا إلى أرذل العمر هم يشتركون مع الأطفال في التصرفات التي لا يقبلها العقل، لكنها مقبولة من الطفل وليست مقبولة من كبير؛ لأن الطفل يرجى أن يكبر ويتصرف تصرفاً حميداً، لكن الكبير كيف يرجى؟! والرد إلى أرذل العمر الموت خيرٌ من أرذل العمر، كون الإنسان يرد إلى أن يصل إلى حد لا يعرف نفسه، لا يعرف أولاده، لا يعرف كيف يتعامل مع الناس؟ لا يعرف كيف يتصرف؟ بل يتصرف تصرفات يُستحى من ذكرها، هذا يستعاذ منه لأنه شر، نسأل الله العافية، يعني ختام الحياة بهذا نعم هو موجود وشيء يكتبه الله ويقدره على الإنسان، لكنه ليس بشيء مما يطلبه الناس، بل ينبغي أن يستعاذ منه، وإن كان ظاهره أنه طول في الحياة، الحياة ما قيمتها، يعني لو تصور أن إنسان يموت في الستين أو في السبعين قبل أن يصل إلى هذا الحد، أو إذا وصل هذا الحد وصل إلى أرذل العمر واستمرت به الحياة عشرين سنة ما فائدته من هذه العشرين؟ هل يستفيد منها؟ ما يستفيد منها، ولذا جاء الاستعاذة من أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر.
نعم ((خيركم من طال عمره)) لكن بالقيد: ((وحسن عمله)) ولا يتصور أو يتوقع ممن رد إلى أرذل العمر أنه يحسن عمله، ولذا جاء أنه كان يتعوذ بالله -جل وعلا- من أن يرد إلى أرذل العمر.
((وأعوذ بك من فتنة الدنيا)) نعم الدنيا تفتن، وكم من شخص سلك الجادة والطريق المستقيم، والصراط القويم، بدأ يطلب العلم ويتعبد، ثم بعد ذلكم دخل في أمور الدنيا فافتتن بها، ولذا سلف هذه الأمة لا يرْغَبون ولا يرَغِّبون في مخالطة أهل الدنيا، لا يرغبون؛ لئلا يفتن الإنسان، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كاد أن تفتنه الإنبجانية، كساء مخطط تفتنه تشغله عن صلاته، فماذا عن هذه المظاهر التي غزت دور المسلمين؟ بل غزت بيوت الله -عز وجل- من الزخارف، تقدم الحديث عن هذه المسألة في باب المساجد، والعناية بها وتنظف وتطيب لكن لا تزخرف، كل هذا مما يفتن الإنسان {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا} لإيش؟ {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [(131) سورة طـه] هذه فتنة، والذي يكثر من مخالطة أرباب الدنيا لا يؤمن عليه أن يفتتن، ولذا أهل العلم بالدخول على السلاطين؛ لأنه يخشى عليه من الافتتان، القليل النادر الذي يسلم من هذه الفتنة، جاء النهي: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لكن من خالطهم ولم يفتتن بدنياهم وزخرفها، ونفعهم بما عنده من علم هذا على خير -إن شاء الله-، فعله جمع من أهل العلم ممن يؤثر ولا يتأثر، لكن الشأن فيمن يتأثر ولا يؤثر، مثل هذا يقال له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] هنا الزم الذين يعينونك على طاعة الله -جل وعلا-.
((وأعوذ بك من عذاب القبر)) عذاب القبر ليس بالأمر السهل، هذه أيضاً فتنة، وتقدم فتنة القبر، وما يترتب عليها من عذاب، وقد جاء أيضاً في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر على قبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، كان أحدهما يمشي بالنميمة، والآخر لا يستبرئ من بوله)) أو ((لا يستنزه من البول)) أو ((لا يستتر من البول)) وعامة عذاب القبر من هذين الأمرين، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، والنميمة تفسد بين الناس، نقل الكلام على جهة الإفساد هذا يفسد أحوال المسلمين، وأيضاً الاستبراء من النجاسات والتخلص منها بيقين واجب، والله المستعان.
أحسن الله إليك:
"وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) رواه مسلم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً" يقول كما يقول الأوزاعي أحد رواة الحديث: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله؛ لأن أستغفر السين والتاء للطلب، فـ(أستغفر) أطلب المغفرة من الله -جل وعلا-، وإذا قيل: استغفَر و استغفِر والاستغفار، وكان النبي -عليه الصلاة السلام- يستغفر، جاء تفسيره بأنه يقول: ((رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم)) وأما الاستغفار الوارد في هذا الحديث فسره الراوي بقوله: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله" ثلاثاً، يعني يكررها ثلاث مرات، لا يقول: أستغفر الله ثلاثاً، وإنما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله.
ثم يقول: ((اللهم أنت السلام... تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) ((اللهم أنت السلام)) فالله -جل وعلا- من أسمائه السلام، كما جاء في آخر سورة الحشر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [(23) سورة الحشر].
وهو السلام على الحقيقة سالمٌ |
| من كل ما عيبٍ ومن نقصانِ |
فالسلام من أسمائه -جل وعلا- ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام)) منك السلام لخلقك، والسلامة إنما تطلب من الله -جل وعلا-، السلامة من الآفات، السلامة من النقائص والعيوب إنما تطلب من الله -جل وعلا-، ((تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) يا ذا الغنى المطلق، والفضل التام، وهذا من عظائم صفاته -جل وعلا-، ولذا جاء الأمر بالإلحاح بهذا ((ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام)) فعلينا أن نلح بمثل هذا فإنه حريٌ أن يستجاب لنا.
((إذا انصرف من صلاته)) يعني إذا سلم منها، ليس معنى انصرف قام من مكانه وخرج لا، إذا انصرف يعني سلم ((لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود)) يعني من الصلاة، وإن قال بعضهم: إن المراد بالانصراف الانصراف من جهة القبلة، يعني ما ينصرف الإنسان حتى ينصرف الإمام عن قبلته، وهو محتمل.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: "أن التكبير أربع وثلاثون".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله)) يعني قال: سبحان الله ((دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) قال: سبحان الله، والتسبيح التنزيه، سبحان الله دبر كل صلاة وهذا بعد الانصراف من الصلاة، ولا يقول قائل: إن الدبر يحتمل أن يكون في آخر الشيء قبل الانفصال منه لا، هذا بعد الفراغ من الصلاة إجماعاً ((ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله)) قال: الحمد لله ((ثلاثاً وثلاثين)) يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله.. ثلاثاً وثلاثين، ثم بعد ذلك يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.. ((وكبر الله)) بأن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ((ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعون)) ناتج المجموع ثلاثة وثلاثين و...، تسع وتسعين ((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) رواه مسلم" هذا الوعد وهذا الجزاء لمن حقق الشرط، بأن قال: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين، وختم المائة بـ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) من حقق الشرط يعني هل يكفي أن نقول باللسان دون عقل المعاني؟ أو نقول: الجزاء المرتب في الحديث على مجرد النطق ولو لم نعقل معانيها؟ وهل يرتب هذا الجزاء لمن زاد عليها؟ من نقص أمره معلوم لكن من زاد عليها بأن قال: سبحان الله أربعين مثلاً، والحمد لله أربعين، والله أكبر أربعين؟ كونه يقصد الزيادة هذا أمره واضح أيضاً؛ لئلا يعتقد أن هذا أكمل مما قاله -عليه الصلاة والسلام- مما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والعبادات توقيفية، لكن من خشي أن يكون ما ضبط العدد مثلاً، وأراد أن يخرج من عهدة هذا العدد بيقين هل نقول: إن له أن يزيد أو لا بد أن يتقيد بالعدد ليتحقق الجزاء....؟ وهكذا في بقية الأذكار التي جاءت محددة بعدد منهم من يقول: إن الزيادة على القدر المشروع تدخل في حيز البدعة، أنت شرع لك هذا العدد فلا يجوز لك أن تتعداه، النقص لا إشكال في كونه لا يترتب عليه الجزاء، يصدق على من قال: سبحان الله ثلاثين، والحمد لله ثلاثين، والله أكبر ثلاثين تسعين ما قال تسعة وتسعين، وقال: لا إله إلا الله... صارت واحد وتسعين، يعني ما يصدق عليه أنه جاء بالعدد ليثبت له الجزاء المرتب عليه، هذا مفروغٌ منه.
لكن لو قال هذا خمسة وثلاثين، وهذا وخمسة وثلاثين من باب الاحتياط أو من باب أنه يجزم أنه قال العدد المطلوب الزيادة فضل الله واسع، منهم من يقول: إن الجزاء يترتب على العدد بالتحديد، ولا تجوز الزيادة عليه، وأن من زاد على ذلك يدخل في حيز الابتداع.
ومنهم من قال كما جاء في حديث: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، لم يأتِ أحدٌ بمثل ما جاء به إلا من...)) أو إيش؟ ((أو زاد)) فدل على أن الزيادة لا بأس بها، زيادة تمجيد، وزيادة تحميد لا بأس، زيادة تنزيه لا بأس مقبولة، ولا شك أن التقيد بالنص، وما جاء فيه من عدد أولى، إذا أردت أن تزيد اذكر أذكار مطلقة، لا أحد يمنعك أن تسبح ألف تسبيحة ما في أحد، كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يسبح اثنا عشر ألف تسبيحة أبو هريرة؛ لأنه ذكر مطلق {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] لا يدخل تحت حد، لكن الكلام على ما رتب عليه من أجر هل يحصل أو لا يحصل؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أن الأجر يرتب على من تقيد بهذا العدد ولو لم يستحضر، يعني بمجرد قول، الاستحضار واستحضار المعاني، والتأثر بهذه المعاني، وأيضاً معرفة هذه المعاني أجرها قدرٌ زائد على ذلك؛ لأن الأجر "من سبح" هذا سبح، يصدق عليه أنه سبح، كما أن من قرأ القرآن له بكل حرف عشر حسنات ولو لم يتدبر، له أجر الحروف، لكن يبقى أجر التدبر قدر زائد على ذلك، وفضل الله واسع.
وإذا قلنا: إنه لا بد أن يستحضر ولا بد أن..، ولا يثبت له من الأجر حرمنا عموم المسلمين من هذا، من الذي يستحضر كل ما يقول؟ لكن الشرع قال لك هذا وامتثلت يرجى لك الأجر -إن شاء الله تعالى-، إذا قلت ذلك مخلصاً لله -عز وجل-.
((فتلك تسعٌ وتسعون)) يعني جملة، ((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد)) بعض الروايات: ((يحيي ويميت)) وبعض الروايات: ((حيٌ لا يموت بيده الخير)) المقصود أنها روايات، ((وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) والجمهور على أن المراد بالخطايا هنا الصغائر، وأما الكبائر لا بد لها من توبة، مثل هذا ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى جمعة كفارات ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر أمرها عظيم، قد يقول قائل: الصغائر مكفرة بغير هذا باجتناب الكبائر مكفرة، بالصلاة مكفرة، بالعمرة إلى العمرة، برمضان، بالجمعة، ومع ذلك أنت بحاجة إلى مزيد من المكفرات، أنت بحاجة إلى مزيد من المكفرات، فعلى الإنسان أن يحرص أشد الحرص على ما جاء في مثل هذه النصوص، ويحرص أيضاً أن لا يغش الكبائر؛ لئلا يعرض نفسه لغضب الله وعقابه؛ لأن الله -جل وعلا- يغار، نعم رحمته وسعت كل شيء، غفورٌ رحيم، لكنه أيضاً شديد العقاب، ذو انتقام {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] المقصود أن الله -جل وعلا- يعاقب ويغضب ويغار على محارمه، فلا نعتمد على سعة رحمة الله -جل وعلا-، ومع ذلكم لا نيأس ولا نقنط من رحمته التي وسعت كل شيء، فعلينا أن نبذل الأسباب، ولا نعتمد على هذه الأسباب، بل يبقى الإنسان خائفاً وجلاً يرجو ثواب الله.
((حطت عنه خطاياه)) غفرت عنه خطاياه، من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، يعني في دقيقة واحدة تقال سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان..، في دقيقة واحدة ((حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) يعني في كثرتها، مثل ما يعلو على البحر، كم يعلو على البحر من زبد؟!
"وفي رواية أخرى" ومقتضى صنيع المؤلف أنها عن أبي هريرة؛ لأنه إذا اختلف الصحابي لا بد من التنصيص عليه، وليست من رواية أبي هريرة، وإنما هي من رواية كعب بن عجرة "أن التكبير أربع وثلاثون" وهكذا جاءت أيضاً في حديث فاطمة: ((إذا أويتما إلى فراشكما فقولا)).. إلى آخره، ((كبرا الله أربعاً وثلاثين)) وحينئذٍ تتم المائة، إذا قلنا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين تتم المائة، وهذه صيغة من صيغ هذه الأذكار تقال هذه أحياناً، وأحياناً تكمل المائة بـ(لا إله إلا الله)، وجاء أيضاً أن التسبيح خمساً وعشرين، والتحميد كذلك، والتكبير كذلك، ولا إله إلا الله كذلك، وجاء عشراً عشراً، هذا من اختلاف التنوع، فالإنسان يقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، وإن كان الأكثر ما جاء هنا، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول تمام المائة، ويستوي في ذلك أن يفرد كل جملة، وبين أن يجمع بين هذه الجمل، سواءً قال: سبحان الله، سبحان الله، ثلاثة وثلاثين، أو قال سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر يجمع بينهن، ولا يضره بأيهن بدأ، المقصود أن من المجموع يتحصل مائة.
أحسن الله إليك:
"وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند قوي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن معاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((أوصيك يا معاذ)) وفي رواية: ((إني أحبك)) فقال معاذ -رضي الله عنه-: "وأنا أحبك" وتسلسل الخبر بقول كل راوٍ من رواته: ((إني أحبك لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك)).
((أوصيك يا معاذ لا تدعن)) (لا) ناهية، أي لا تتركن هذا الذكر ((دبر كل صلاة)) كل صلاة، مثل ما قلنا: يحتمل أن يكون في آخر الشيء، وأن يكون منفصلاً عنه والاحتمال قائم، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن الأذكار بعد الصلاة، والدعاء يكون في آخرها، لكنه غير مطرد، هذا غير مطرد، جاء في بعض الأدعية أنها تقال بعد الصلاة، إذا انصرف من صلاته قال: ((ربِّ قني عذابك يوم تبعث عبادك)) والصلاة أيضاً مشتملة على أذكار فليست بمطردة.
((لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول)) دبر كل صلاة، كل صلاة، (كل) من صيغ العموم فيشمل صلاة الفريضة والنافلة العامة والخاصة، الصلوات الخاصة، صلاة الجنازة صلاة، لا يمنع أن تدخل في هذا النص، صلاة الاستسقاء صلاة، صلاة العيد صلاة، الكسوف..، كلها صلوات، الرواتب، النوافل المطلقة تدخل في هذا الحديث، الفرائض من باب أولى.
((لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى..، لا بد من طلب الإعانة من الله -جل وعلا-، ولذا جاء في سورة الفاتحة التي تقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] يعني نطلب العون، منك نستمد العون، فالإنسان إذا لم يعنه الله -جل وعلا-، إذا وكله على نفسه وكله إلى ضعف، لا يستطيع أن يصنع شيئاً.
((اللهم أعني على ذكرك)) يعني على مداومة الذكر، على مداومة الذكر ولزومه، وجاء في مداومته ولزومه والإكثار منه نصوص كثيرة، جاء في الترغيب فيه ما يدل على أن من يتركه محروم وأي حرمان، مما رتب على ذلك من أجور عظيمة على أعمالٍ يسيرة، سمعنا: ((سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) يعني لا يترك مثل هذا إلا شخص بين واضح الحرمان.
القرآن الكريم أعظم الأذكار، يعني يتصور طالب علم ليس له حزب -ورد- من القرآن يومي لا يتركه حضراً ولا سفراً مهما كانت ظروفه؟! يتصور أن يوجد طالب علم يفرط بحزبه ونصيبه من القرآن؟! نعم يوجد، لكن هذا حرمان، شيء لا يكلفك شيء {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ما يحتاج تقول: والله أبداً الآن لست مستعد للذكر، لا يحتاج أن تشغل سيارة ولا تحمي سيارة ولا شيء، حتى ولا يحتاج ولا نور، ولا تجلس إذا كنت جالس لا، اذكر الله قياماً وقعوداً على جنب، اذكر الله على جميع أحوالك وأحيانك.
((اللهم أعني على ذكرك)) يعني من توفيق الله -جل وعلا- للعبد أن يلهمه الذكر، وأيضاً الشكر المتضمن للمزيد من النعم {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] والشكر مطلوبٌ استمراره، ولا يقال: إنه يلزم منه التسلسل، بل تسلسله مطلوب؛ لأنك إذا شكرت الله -جل وعلا- على نعمةٍ من نعمه التي لا تعد ولا تحصى توفيقك لهذا الشكر نعمة يحتاج إلى شكر فاشكر، ثم توفيقك للشكر الثاني يحتاج إلى شكر وهكذا، فالهج بالذكر والشكر، ولا يزال لسانك رطب من هذا.
"وحسن عبادك" يعني الإتيان بها على وجه حسن، على وفق مراد الله -جل وعلا-؛ لأن العبادة إذا جيء بها على مراد الله ترتبت عليها آثارها، لكن لو نقص منها ما نقص نقص أجرها بقدر ما نقص منها، مما لا يخل بأصلها وصحتها، لكن لو جاء بها على وجهٍ غير مجزي ولو صلى أو زكى أو صام على وجهٍ غير مجزي وجودها مثل عدمها ((صلِ فإنك لم تصل)) فالمطلوب إحسان العبادة، لا مجرد إيجاد العبادة على إي وجه، إنما على وجهٍ تبرأ به الذمة، ويسقط به الطلب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"يعني الخشوع في الصلاة شيء محل شكوى من كثير من أهل الخير والفضل والاستقامة فضلاً عن غيرهم، أما أثر المعاصي فظاهر، لكن الكلام في أهل الفضل والاستقامة، نعم قد يغفل الإنسان قد يطرأ له ما يطرأ، قد يلبس عليه الشيطان، فيسهو عن بعض صلاته، لكن الإشكال في وجود مثل هذا الأمر في جميع الصلاة، حتى ممن ينتسب إلى طلب العلم، هذا شيء مقلق يجده الإنسان من نفسه أحياناً يصلي لا يدري كم صلى؟ يقرأ الإمام لا يدري ماذا قرأ؟ ينصرف من صلاته..، لكن ما يعين على ذلك أن تقبل على صلاتك، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يلبس عليك صلاتك، وأن تصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن تتدبر وتعي ما تقول وتسمع، وتصدق مع الله -جل وعلا-، ويعينك على ذلك -إن شاء الله تعالى-.
الهادوية فرقة من فرق الزيدية، وهم في وقت الصنعاني غالب سكان اليمن، كما نص على ذلك في سبل السلام، غالب سكان اليمن هادوية، وهم من الزيدية، فكأن نسبتهم قلّت، وزاد عدد نسبة أهل السنة من الشافعية وغيرهم، المقصود أنهم طائفة من الزيدية.
الأولى أن يسبح الإنسان بأنامله ويذكر الله يعد بأنامله لأنها مستنطقة، فتشهد له يوم القيامة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجه أم المؤمنين إلى التسبيح باليد بدلاً من الحصى، بدلاً من العد بالحصى، والسبحة حكمها حكم هذه الحصيات، ومثلها مثل الحصى الآلة هذه التي تعد، فالأولى أن يسبح ويعد الإنسان أذكاره بأصابعه.
ما جاء فيه التعميم دبر كل صلاة يشمل النافلة والفريضة، وإلا فالأصل أن الأذكار المرتبة المذكورة هذه بعد الفريضة.
الأصل أن المناظرات بين أهل الحق وغيرهم لإقناع غير أهل الحق، وبيان الحق ونشره طريقة شرعية، وأهل العلم يعقدون المناظرات، ويصنفون فيها الكتب، وجاء هذا الأسلوب -أسلوب المناظرة- في النصوص في القرآن، المقصود أنها لها أصل شرعي، بيان الحق وإقامة الحجة على المخالف، لكن إعلان هذه المناظرات، وكون هذه المناظرات يطلع عليها من يستوعب ومن لا يستوعب هذا خطأ؛ لأن هذه المناظرات لا بد أن يكون فيها شيء من الشبه، وقد تقصر حجة المناظر عن إزالة هذه الشبهة فتقع موقعها من قلوب بعض العامة، وحينئذٍ يصعب اجتثاثها، وقد يستوعب الشبهة ولا يستوعب الرد فيحصل بذلك ضرر على عوام المسلمين، فينبغي أن لا تلقى هذه المناظرات على عوام المسلمين، لكن من تأهل ويستوعب لا بأس يحضر، ويناقش.
هذا لا يجوز، إذا كان هذا ديدن وهذا طريقة مستمرة لا يجوز، بل إذا كان السبب في تأخيرها السهر مثلاً قيل بتحريمه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا كان الإنسان لا يتيسر له، بل لا يستطيع الصلاة مع الجماعة إلا بالنوم المبكر تعين عليه، وحينئذٍ يكون السهر في حقه حرام.
طالب:......
الأصل فيه أنه مكروه، يكره الحديث بعدها -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا ترتب عليه فائدة فهو مطلوب، إن ترتب عليه ترك مستحبات وسنن صار مكروهاً، وزادت في الكراهة، إن ترتب عليه ترك واجبات صار محرماً، يعني على حسب الآثار المترتبة عليه، فمثل هذا لا بد أن يعمل الاحتياطات اللازمة والكافية، ويهتم بصلاة الفجر؛ لئلا يتشبه بالمنافقين ((أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر)) فأمرها خطير ((من صلى البردين دخل الجنة)) فأمر صلاة الفجر عظيم جداً، بعض الناس لا يلقي لذلك بال، ولا يهتم، لا بنفسه ولا بمن تحت يده، يركب الساعة والمنبه على الدوام، والأولاد لا يوقظهم إلا للمدارس هذه خيانة لمن استرعاه الله عليه، هذا خيانة للأمانة التي أنيطت به، فإذا كان يفعل ذلك في نفسه ويقصد ذلك فالأمر خطير، فتفويت صلاة واحدة عن وقتها ابن حزم نقل الإجماع على أنه إذا تعمد ذلك وأخرج الصلاة عن وقتها لا يقضيها يكفر، وإن كان طرفٌ آخر نقلوا الإجماع عن أهل العلم لا سيما الأئمة الأربعة كلهم يقولون: يقضي، ولا يكفر بذلك لكن خطره عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
أما على جهة الاستقلال فالمسألة خلافية، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) لكن العرف عند أهل العلم يخصون الصلاة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة يترضون عنهم، ويترحمون على من بعدهم، هذا عرف عند أهل العلم، مشوا عليه، ودرجوا عليه، فلا يصلى على غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "عز وجل" يعني عزيزاً جليلاً، بل العرف خص ذلك بالله -جل وعلا-.
تخصيص علي -رضي الله عنه وأرضاه- بالصلاة أو بالسلام كما يوجد في بعض الكتب: "عليه السلام" دون غيره من خيار هذه الأمة لا ينبغي، بل إذا قلنا: بجواز الصلاة على غير النبي -عليه الصلاة والسلام- فأولى بها قبل علي من هو أفضل من علي -رضي الله عن الجميع- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، كما هو المعتمد عند أهل السنة.
وعلى كل حال -مثل ما ذكرنا- لا ينبغي تخصيص علي -رضي الله عنه وأرضاه- بشيء إلا بما خصه به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما لم يخص به في النصوص الشرعية فلا، وهو كغيره من الصحابة له منزلته، ولا يغلى به، وعليه تصلى النار طائفتان، كما قال الناظم:
إحداهما لا ترتضيه خليفةً
ج وتنصه الأخرى إلهاً ثاني
لا يغلى ولا يجفى، ينزل منزلته -رضي الله عنه وأرضاه-، رابع الخلفاء، وصهر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومنزلته في الدين معلومة، لكن لا يعطى أكثر مما يغلى به، فيصرف له شيء من حقوق الرب -جل وعلا-، أو حتى يفضل على من هو أفضل منه، والله المستعان.
يقول: هل يدل ذلك على أن قول: "صلى الله عليه وآله وسلم" بدعة؟ أو المقصود بالبدعة الصلاة على الآل فقط، كقولك: "صلى الله على آله وسلم"؟
"صلى الله عليه وآله وسلم" لا أحد يقول: إنها بدعة، وإن كانت شعار لبعض المبتدعة، بمعنى أنهم لا يصلون على الصحب، كما أن الصلاة على الصحب شعار لمبتدعة آخرين، فالأولى أن نجمع بينهما، وإن كان لا يلزم خارج الصلاة أن نصلي على الآل ولا على الصحب، إنما يتم الامتثال بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من باب التوازن وبيان وسطية أهل السنة أننا كما نتولى الآل نتولى الصحب أيضاً، فلا نغلو ولا نجفو، ولكلٍ منهما حق، ولا نقول: إن الصلاة على الآل بدعة، لا، أما داخل الصلاة فلا بد من الصلاة عليهم كما جاء في الحديث، خارج الصلاة الامتثال يتم بدونهم، لكن إذا جئنا بهم من باب الإنصاف أن نأتي بالصحب، ولنبين بذلك أن مذهب أهل السنة في الصحابة عموماً وسطٌ بين مذهب الروافض وبين مذهب النواصب، ما يقال: إن الصحابة -رضي الله عنهم- يدخلون في الآل إذا أفرد، الآل أخص، أوائل الآل يدخلون في الصحابة، يعني من له صحبة منهم يدخلون في الصحابة، لكن مع ذلكم من أراد الكمال يفرد الآل لما لهم من حق، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً ينص عن الصحب لما لهم من فضلٍ علينا، يعني لولا الصحابة ما وصلنا دين، فمن حقهم علينا أن نفردهم بالذكر.
على كل حال هي دبر الصلاة، وعرفنا أن الدبر قد يكون داخل الشيء ملاصقاً له في آخره، وأحياناً يطلق على ما بعد السلام، بعد الفراغ من الشيء، وأكثر التي مرت بنا بعد السلام، وهذا قلنا: إن شيخ الإسلام -رحمه الله- يفرق بين ما كان دعاء وما كان ذكر، فما كان دعاء يكون قبل السلام، وما كان ذكر فهو بعد السلام، وعرفنا أن هذا غير مطرد، بل جاء من الأذكار ما هو داخل الصلاة، وجاء من الأدعية ما هو خارج الصلاة، والمسألة فيها سعة، إن شئت فقلها قبل السلام، وإن شئت فبعد السلام.
نعم، جاء الجمع بين إبراهيم، وجاء أيضاً إفراد الآل، وإذا أفردوا دخل فيهم إبراهيم، فآل الشخص أول من يدخل فيهم دخولاً أولاً الشخص نفسه، كما في قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] هل يعني هذا أن فرعون ليس معهم؟ هو مقدمهم، يقدمهم يوم القيامة، نسأل الله العافية.