الترديد مع المؤذن، والقول كما يقول جاء الترغيب فيه، وقولُ ما بعده «اللهم رب هذه الدعوة التامة..» إلى آخره [البخاري: 614] جاء فيه أنه ينال شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فينبغي الحرص عليه، ومع الأسف أن نجد كثيرًا من المسلمين يتشاغل ويستكثر الوقت الذي يمضيه في هذا الترديد والإجابة للمؤذن، وأما كون المؤذن يُطيل أحيانًا ويُمطِّط ويَفصل بين الجمل فصلًا ملفتا، فلا شك أن الأذان يُشرع فيه الترسل، والإقامة يُشرع فيها الحدر، لكن بحيث لا يأخذ وقتًا طويلًا ينشغل فيه مَن يتابعه بسبب طول الوقت، هذا بالنسبة للمؤذن، وأما بالنسبة للمجيب الذي يجيب المؤذن فكلما قال المؤذن جملة قالها بعده «فقولوا مثل ما يقول» [البخاري: 611]، يقولها بعده مباشرة، ويحرص على أن يكون قوله بعده مباشرة؛ للعطف بالفاء، وحينئذٍ يحصل له هذا الثواب المُرتب عليه.
وجملُ الأذان كلها أذكارٌ، فينبغي للمؤذن -وكذلك المجيب- أن يُحضر ذهنَه وفكرَه، ويتأمل في هذه الجمل، ويعقل منها ما أُريد منها؛ لأن الأذكار مِن جملة ما يُطلب فيه حضورُ العقل وتدبرُ ما يقال، "فليس له من صلاته إلا ما عقل"، وكذلك سائر الأذكار ينبغي للمسلم أن يُحضر قلبه ويتأملها عند قولها؛ لأن القلب الغافل لا شك أنه صادّ عن ذكر الله وإن أتى به بلسانه، وبعضُ أهل العلم يُشدد في مثل هذا، ويرى أن مثل هذا لا يُجزئ ولا يَترتب عليه ثوابٌ بالكلية، وبعضهم يرى أنه قد يناله شيءٌ من الإثم؛ لعدم انتباهه لما طُلب منه شرعًا، حتى قال بعضهم: (إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار)؛ لأنه لم يُحضر قلبه فيه، وعلى كل حال الأجور مرتبة على القول «فقولوا مثل ما يقول»، ومع ذلك حضور القلب له ثوابه العظيم مثلما يقال في قراءة القرآن بالحدر مع عدم التفكّر والتأمل والتدبر فيها، وأن له فيها أجر الحروف بخلاف ما إذا اقترن ذلك بالتدبر والترتيل فإن الأجر حينئذٍ يكون أكثر بكثير، كما قرر أهل العلم، وعلى هذا ينبغي لمن يجيب المؤذن أن يُحضر قلبَه عند ذكر هذه الأذكار؛ ليكمُل ثوابُه، والله أعلم.