تقييد العلم

هُناك فوائد يُخشى من فواتها، والعلم صيد، والكِتابة قيدُهُ، والكتابة نائبة مناب الحِفظ، الأصل الحِفظ، وكثير ما يمُر بالطَّالب وهو يَقرأ في كُتب أهلِ العلم احْفظ هذا، احْرص على هذا، كثير ما يقول: احْفَظ هذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- علَّك أنْ لا تَجِدَهُ في مُصنَّفٍ آخر البَتَّة، وهُو يَحُث طالب العلم على هذه الفائدة التِّي تَعِبَ عليها ابن القيم، ولا يعني هذا أنَّهُ مُعجَبٌ بكتابِتِه، وأنَّهُ يزدَرِي غيرهُ، أو أنَّهُ أتى بما لمْ يأتِ بِهِ غيرهُ، لا، هو يحث طالب العلم أنْ ينتبه لهذا الموضوع، هذا من باب النَّصيحة.

وهنا يقول: إذا ذكر إبراهيم النخعي حديثاً قال: احفظ هذا، وجاء في حديث وفد عبد القيس المُخرَّج في الصَّحيح أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((احفظُوهُنَّ، وأخْبِرُوا بهِنَّ من وراءكم)) فهذا حَثٌّ على الحِفظ، وأيضاً الذِّي لا يحفظ يُقال لهُ: اكتُب، اكتُب يا أخي، اكتب هذه الفائدة، نعم؛ لأنَّها فائدة متعُوب عليها ما هي تجدها في أيِّ كلام، والذِّي لا يحفظ لا يُسْعِفُهُ الحفظ يستعمل القلم، استعمل يمينك بالكتابة.

فالعِلم صيد والكتابةُ قَيْدُهُفمن الحماقة أنْ تصيد غزالةً

 

قيِّد صُيُودك بالحبال الواثقةوتتركها بين الخلائق طالقة

وكم نَدِمنا على فوائد مرَّت بِنا، ونُريدُ أنْ نتذَكَّرها فلا نذكر، ونُريد أنْ نُراجع أي كتاب ما تقدر، إلاَّ إذا استعملت الكتابة، ولو كتبت العناوين ورُؤوس المسائل، يعني معك هذا الكتاب تقرأ فيه تمُر عليك الفوائد، تُدَوِّن صفحة كذا فيها كذا، كفِهرس خُلاصة للفوائد ورُؤوس المسائل، وهذه طريقة معرُوفة في كُتب العلماء والأئمَّة من المُتقدِّمين والمُتأخِّرين يستعملون هذه الكتابة.