يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أنّ اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثيرٍ من النَّاس، والحُكم للغالب، تجد السَّاعة لمحة بصر، تجد اليوم ينتهي بمشوار، تجد الليلة تنتهي بجلسة! قيل وقال ثُمّ خلاص!!! تناظر السَّاعة تعجب كيف مشت الليلة، وهكذا!! لكن هذا بالنِّسبة للغالب، أمَّا من منَّ اللهُ عليه وهم الأقلُّون الزمان هو الزَّمان، الذي يُقرأ من القرآن في عهد الصَّحابة في الوقت يقرؤُهُ بعض النَّاس اليوم بنفس الوقت، الذِّي يُقرَأْ وما يُذْكَر عن بعض أهل العلم من قراءة في كتب العلم في الصَّدر الأوَّل يُقرَأْ الآن عند بعض النَّاس مِمَّنْ بُورِكَ لهُ في الوقت! لكنْ غالب النَّاس تضيع أيَّامُهُ سُدىً، اليوم نبدأ لا غدا ما يمدينا اليوم! غداً يمر رأس الشَّهر، ثم من رأس الأُسبُوع وتنتهي الأيَّام وهو ما بادي بشيء!!! هذا حال كثير من النَّاس لاسيما من ابتلي بالسهر مثلاً، ثم في وقت البكور ينام!! لا يستفيد من أوَّل النهار، ثم يداوم إلى قُرْب العصر، ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر، والمغرب يالله يمديه هذي سالفة وهذا تلفون وينتهي، والعشاء مواعدٍ الشلة والربع بيطلع يمين ويسار ويسهر وهكذا تنقضي الأعمار دُونَ جدْوَى عند كثيرٍ من المُسلمين، هذا صُورة؛ بل من أوضح الصُّور لِمَحْقْ الأعْمَارْ، وهذا في المُسلم الذِّي يُمْضِي أوقاته في المُباح، فكيف بمن يُمضي أوقاتَهُ بالمُحرَّمات، -نسأل الله السَّلامة والعافية-؛ لكن لو أراد المُسلم أن يُطبِّق العمل الذِّي شرحهُ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في طريق الهجرتين للمُقرَّبين جدول يمشون عليه منذ استيقاظهم من النَّوم إلى أنْ يأتي اليوم الثَّاني جدول يمشون عليه، وهو في مقدُور كل أحد ما فيه صُعُوبة؛ لكن يحتاج إلى توفيق، أمرٌ في غاية اليُسْر والسُّهُولة؛ لكن من يُوفَّق لمثلِ هذا العمل؟! وابن القيم -رحمهُ الله- يشرح هذا العمل والمظْنُون بِهِ أنَّهُ يُطبِّق، ومع ذلكم يقول: والله ما شممنا لهم رائحة!! هذا من تواضِعِه -رحمهُ الله- ولا يُريد أنْ يُبدِي من عَمَلِهِ شيء، وإلاَّ هو معروف بالعمل المُتَعَدِّي واللاَّزِم، شباب الأُمَّة تجدهم أكثر أوقاتُهُم في السَّيارات، وفي الاستراحات، والقيل والقال، ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشَّخص وينفع أُمَّته، إلا القليل النَّادر، الخير موجُود في أُمَّة محمد؛ لكن أكثر الأُمَّة على هذا -مع الأسف الشَّديد- فَضْلاً عن عوام النَّاس وفَضْلاً عن الفُسَّاق الذِّين يقضُونَ أوقاتهم فيما يَضُرُّهُم ويَضُرُّ غيرهم، واللهُ المستعان.
البركة في العُمُر نزعُها من تقارُب الزَّمان، ووجُودها من زيادة العُمُر، يعني كما قيل في قولِهِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لهُ في أجَلِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمه)) ويُنْسَأَ لهُ في أجَلِهِ تَجِد زيد من النَّاس بَارّ واصِلْ، ويمُوت عن ثلاثين، خمس وثلاثين بحادث، قد يقول قائل أين مصداق هذا الحديث؟! ما بُسِطْ، ما نُسِئ لهُ في أجلِهِ، عُجِّلْ عليهِ وهو بارّ، نقول: نعم، عامِل في هذه الثَّلاثين سنة ما يعملُهُ غيرُهُ في ستين سبعين سنة! وِفِّق لأعمال تُضاعِفْ لهُ الحسنات بحيث يُساوي مَنْ عُمِّرْ مائة سنة على الخِلاف بين أهل العلم، هل هذهِ الزِّيادة حقيقيَّة يعني زاد في سِنِيِّهِ أو هي معنويَّة؛ بأنْ يُبَارك لهُ فيما يعِيشُهُ من عُمر، فَيُنْتِج من الأعمال الصَّالحة، ويَدَّخِرْ من الحسنات ما يجنيه بعض النَّاس في أضعاف ما عاشَهُ، النووي -رحمهُ الله- مات عن خمسةٍ وأربعين عاماً، يعني خمسة وأربعين سنة عُمِّر، يعني في مساجد الدُّنيا كلها يُقال: قال -رحمهُ الله- ألَّف كتب البركة ظاهرة من عُمُرِهِ، البركة ظاهرة، ألَّف رياض الصَّالحين، ألَّف الأذكار كُل مُسلم بحاجة إلى هذين الكتابين، ألَّف شرح مُسلم، ألَّف شرح المُهَذَّب الذِّي لا نظير في كُتب الفِقه لاسِيَّما القِسم الذِّي تَوَلَّى شَرْحَهُ والكتاب ما هو كامل! يعني لو كَمُل لكان أُعْجُوبة! قد يقول قائل: هذهِ أُمُور ليست بأيدينا البركة من الله -عز وجل-؛ لكنْ يا أخي ابذُل السَّبب وتَجِدْ البركة اجْلِسْ واقرأ وشُوف! تتصورُون أنَّهُ يعيش بيننا الآنْ من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة!! تتصورُون أنَّهُ يُوجد من يختم كل ثلاث؟!! ويُداوم الدَّوام الرَّسمي، ويَصِلْ رَحِمَهُ، ويَزُور المقابر، ويزُور المَرْضَى، يُزاول الأعمال طبيعي جدًّا، ويختم كل ثلاث!! والإنسان إذا قِيل لهُ يا أخي ما تقرأ قُرآن ما تفعل كذا! يقول: والله مشغولين، من يبي يشتغل؟ من يبي يقرى؟ من يبي يرتاح؟ مشاغل الآن الحياة!! يا أخي مشاغل الحياة، إيش مشاغل الحياة؟ هذي حياة تسوى؟! الحياة مَمَر ولَيْسَتْ مَقَرّ، الحياة مزرعة؛ ازْرَعْ يا أخي، واللهُ المُستعان.