وهل الجَمْع في عَرَفة ومُزدلفة للسَّفر أو للنُّسُك؟ قولان لِأهل العِلم، والرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اجْتَمَعَ فِيهِ الوَصْفَان، فهو مُسَافر يَسُوغُ لَهُ الجَمْع والقَصْر، وهو أيضاً مُتَلَبِّس بإحْرَام وبِنُسُك يَسُوغُ لَهُ الجَمْع والقَصْر عندَ من يقُول بِأَنَّ هذا الجَمْع لِلنُّسُك، الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- في مكَّة لمَّا سَلَّم من رَكْعَتين قال: ((أَتِمُّوا؛ فَإِنَّا قَوم سَفْرٌ)) وهنا في عَرَفَة ومُزْدَلِفة لَم يُحْفَظ عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ قال: ((أَتِمُّوا))... فَهَل جَمِيع من حَضَر هذه الصَّلاة سواء كانت في عَرَفَة أو في مُزْدَلِفَة قَصَرُوا مَعَهُ وجَمَعُوا؟! أو اخْتَصَّ هذا الأمر بِمَن كان على مَسَافة قَصْر من المَوْقِع؟ على كُلِّ حَال هُما قولان لِأَهْلِ العِلم ولم يُحْفَظ عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِالإِتْمَام، فَالمُتَّجَه أنَّ الكُّل يَجْمَع ويَقْصِر، كما فَعَل النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ولو أَمَرَ أَحَدًا بذلك لِاسْتَفَاضْ ونُقِلْ، والفَائِدَة مِنْ الجَمْع؛ وإنْ كانت العَادَةُ المُطَّرِدَة منهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ لا يَجْمَع إِلَّا إِذَا جِدَّ بِهِ السَّيْر، وهنا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْر؛ لِيُتَوَفَّر لَهُ الوَقْت الكَافِي لِلْوُقُوفْ بِعَرَفَة والدُّعَاء والذِّكْر.