عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلتُ يا رسول الله! على النِّساء جِهاد؟! تسأل لِتُشارك في الجهاد؛ لِما وردَ في الجِهاد وفي فَضْلِهِ؛ وأنَّهُ ذِرْوة سَنَام الإسلام، ومَصْدَرُ عِزِّ المُسلمين، فَتُريد أنْ تُشارك، على النِّساء جِهاد؟! قال: ((نعم، عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ، الحج والعُمرة)) والجِهاد هُو بذْل الجُهد واستفراغ الوسع في طاعة الله -عزَّ وجل- لا سِيَّما ما فيهِ مَشَقَّة، كالجِهاد الشَّرعي الاصطلاحي، والحج والعُمرة فيهما بَذْل جُهد ومَشَقَّة فهو جهاد، وكُلّ ما يحتاج إلى مُعالجة مع النَّفْس ومُجاهدة فهو جِهاد؛ لكنْ هنا يقول: ((عليهنَّ جهاد)) عليهنَّ هذه الصِّيغة تدُلُّ على الوُجُوب؟! {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} [سورة آل عمران/97] صِيغة وُجُوب عند أهلِ العلم ((عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ)) والمقصُود أنَّهُ لا قتال ولا مُقاتَلَة، مَقْصُودة لِذاتِها، كما هو شأْن الجِهاد؛ وإنْ حَصَل قَتْل وموت في الحج بِسَبب زِحامٍ وشِبهه، هذا ليس بقتال ولا مُقاتلة، في السَّنوات الأخيرة بعض ما يتطلبُهُ الحج من أعمال قريبة من القتال، يعني من ذهب ليرمي الجمرة ضحى يوم العيد مثلاً، أو بعد الزوال في الثَّانية عشر هذا جِهاد؛ لكِنَّهُ لا قِتال فيهِ مَقْصُود لِذَاتِهِ بِسَلِّ السُّيُوف وشِبْهِها لا، وإنْ حَصَل فيهِ ما يَحْصُل في القِتال من مَوْت، واللهُ المُستعان.
((عليهنَّ جهاد)) {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النَّحل/7] وشخص من المُتْرَفين من أبناء المُلُوك قال: لا أحج بدُون شق الأنفُس ما يَلْزَم، أنا ابن ملك تيسر لهُ جميع أسباب ووسائل الرَّاحة فَحُمِل في هَودج، والنَّاس يَحْتَفُّونَ بِهِ من يمين وشِمال، بينما هو سائر إذْ مَرَّ بشجرةٍ فأخذت إحدى عينيه! والآنْ يُعلن عن بعض الحملات أنَّها بالرَّاحة التَّامة، ويُيَسِّرُون ويوفرون بعض وسائل الرَّاحة؛ لكنْ الخبر لن يَتَخَلَّف، لا بُدَّ من شَقِّ الأنْفُس مهما بَذَلْت من الأموال، لا بُدَّ من المَشَقَّة في الحج، ((عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ، الحج والعُمرة)) أمَّا وُجُوب الحج فإجماع والعُمرة محلُّ خِلافٍ بينَ أهل العلم.