عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله تعالى عنهُ- أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يُكفِّر السَّنة الماضية والباقية)) يُكفِّر سنتين الماضية والباقية ((وسُئل عن صوم يوم عاشُوراء فقال: يُكفِّر السَّنة الماضية)) فصومُ يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشُوراء؛ لأنَّهُ يُكفِّر سنتين، كونُهُ يُكفِّر الذُّنُوب الماضية مُتصوَّر؛ لكن يُكفِّر الذُّنُوب المُستقبلة اسْتشكلهُ بعضُ أهل العلم، ولا إشكال؛ لأنَّ الذُّنُوب المُكَفَّرة بهذِهِ الأعمال إنَّما هي الصَّغَائِر، الصَّغائر هي التِّي تُكفِّرُها هذهِ الأعمال؛ لأنَّهُ جاءَ القيد: ((مَا لم تُغْشَ كبيرة))، ((ما اجتُنِبَت الكبائر))، {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النِّساء/31]، فدلَّ على أنَّ الذُّنُوب المُكَفَّرة هي الصَّغائر، يوم عرفة هو اليوم التَّاسِع من ذِي الحِجَّة، وقبلَهُ ثمانِيَة أيَّام، هي أفْضَلُ أيَّامِ العام ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ فيها خيرٌ وأحبُّ إلى الله من هذهِ الأيَّامِ العَشْر، قالوا: يا رسُول الله ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجِهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بِنفسِهِ ومالِهِ ولم يرجِع من ذلك بشيء)) فهي أفضل الأيَّام على الإطلاق، وأمَّا بالنِّسبة للَّيالي فليالي عشر رمضان أفضل عند أهل العلم من ليالي عشر ذي الحِجَّة، صِيام العشر باسْتِثناء العِيد الذِّي يحرُمُ صَوْمُهُ، يوم عرفة مَنْصُوصٌ عليهِ بالتَّحديد والتَّعيين، وأنَّهُ يُكفِّر السَّنة الماضية والباقِيَة، وبَقِيَّة الأيَّام صِيامُها يشملُهُ قولُهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ فيها خيرٌ وأحبُّ إلى الله من هذهِ الأيَّامِ العَشْر))، وثبتت النُّصُوص الشَّرعيَّة القَطْعِيَّة الصَّحيحة أنَّ الصِّيام من أفْضَل الأعمال؛ بل هو على رأس ما يُعَدُّ من الأعمال الصَّالِحَة ((منْ صَامَ يوماً في سبيل الله بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عن النَّار سبعين خَرِيفاً)) وهو عملٌ صالح، فيدخُلُ في قولِهِ: ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ)) يدخُلُ فيها هذا الصِّيام، فَيُشْرَع ويُسَنّ صِيام التِّسعة أيَّام منْ شَهْرِ ذي الحِجَّة، وثَبَت عن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- فيما نَقَلَهُ الإمام أحمد أنَّهُ كان يصُوم العَشْر، وفي صحيح مُسلم من حديث عائشة أنَّهُ ما صامَ العشر، والنَّفيَ عندها على حَدِّ عِلْمِها، والمُثبت مُقدَّم على النَّافي، ولْنَفْتَرِض أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ما صامَ العشر، فالذِّي يَخُصُّنا بالنِّسبةِ للإقتداء بِهِ قولُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، إذا ثَبَتَتْ المُقدِّمة ثَبَتَتْ النَّتِيجة، ثبَتَ أنَّ الصِّيام عمل صَالِح، فهو من أفْضَل الأعمال في هذهِ الأيَّام، وأيضاً حثَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- على كثيرٍ من الأعمال ولم يَفْعَلْها، ثَبَتَ عنهُ أنَّهُ قال: ((عُمرَةٌ في رمضان تَعْدِلُ حجَّة)) في رواية: ((تعدلُ حجَّةً معي)) وما ثَبَت أنَّهُ اعتمر في رمضان، نقول نترك العُمرة في رمضان؛ لأنَّهُ ما اعْتَمَر؟! ما نترُك! فالذِّي يَهُمُّنا من سُنَّتِهِ قَوْلُهُ، كونُهُ ما فَعل لأمْرٍ من الأُمُور، نعم من كانَ بِمَنْزِلَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بِحيثُ يَعُوقُهُ الصِّيام عمَّا هو أهمّ من تقرير شؤُون العَامَّة يكون الصِّيام بالنِّسبةِ لهُ مفضول افترض شخص يحتاجُهُ النَّاس، الأُمَّة بأمسِّ الحاجة إليهِ، وهو مِمَّنْ لا يستطيع الجَمْع بين الصِّيام وغيره من الأعمال، نقول لهُ: صُم واجلس في بيتك أو في مسجدك واتْرُك أُمُور العامَّة؟! - لا - ، هذا بالنِّسبة لهُ الاشتغال بأمر العامَّة أفضل من الصِّيام، لو مثلاً وليّ الأمر أو كبير عُلماء الأُمَّة من النَّاس كُلُّهُم بِحاجةٍ إليهِ إذا صَام جَلَسْ في بيتِهِ وفي مسجِدِهِ ما استطاع يستقبل النَّاس وشقّ عليهم، نقول: - لا – يا أخي لا تصُوم أفضل لك؛ فالنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يُنْظَرُ إليهِ وما ثَبَتَ عنه من قَوْلِهِ وفِعْلِهِ بِعِدَّةِ اعتبارات، يُنْظَر إليهِ باعتبار أنَّهُ الإمام الأعْظَم ويجب أنْ يَقْتَدِي بِهِ، ويَأتَسِي بِهِ منْ هذهِ الحَيْثِيَّة الإمام الأعْظَم الأُمراء وغيرهم وُلاة الأمر، وباعتِبارِهِ المُفتي يَقْتَدِي بِهِ من يتولَّى الإفتاء، وباعْتِبارِهِ قاضي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يَقْتَدِي بِهِ من يتولَّى القَضاء، وباعْتِبارِهِ إمام يَقْتَدِي بِهِ الأَئِمَّة، وباعْتِبَارِهِ الأُسْوَة والقُدْوَة وهذا هُو الأصْل، لو جاء شخص قال أنا بجلس في بيتي حتَّى تكون السَّاعة إحدى عشر ونصف مع زوال الشَّمس بدخل المسجد يوم الجُمعة! هذا أفضل ولا يجي في السَّاعة الأُولى؟! يقول: ما ثبت أنَّ الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- دخل قبل الزَّوال، أنا ما أدخل قبل الزَّوال! نقول: - لا - هذا في حقِّ الأَئِمَّة، وأنت باعْتِبارِك مأمُوم مُطالبٌ بالمُبادرة بالتَّهجير، طيِّب يقول النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ثبت أنَّهُ يقول سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، أنا بقول سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه! ربَّنا ولك الحَمْد، وأنا مَأمُوم! نقول: - لا - هذا باعْتِبارِهِ إمام؛ لأنَّهُ يقول: ((فإذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فقُولُوا: ربَّنا ولك الحمد)) فالذِّي يَخُصُّك، قولُ ربَّنا ولك الحَمْد، المَقْصُود أنَّ هذهِ المَسْألَة تحتاج إلى شيء من البَسْط والأمْثِلَة والتَّوضِيح؛ لأنَّها تَلْتَبِسْ على كثير من النَّاس، ويُشَاع في مثلِ هذهِ الأيَّام أنَّ صِيَام العَشْر بِدْعَة! وهذا ليس بِصَحيح، نعم، إذا احتاجَهُ النَّاس، وصار بِمثابة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- والأُمُور مَنُوطَة بِهِ لا شكَّ أنَّ مِثل هذا نَفْعُهُ العام المُتَعَدِّي ويُكْتَب لهُ أجر الصِّيَام، إِضَافةً إلى أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قد يَتْرُك العَمَل الفاضل رَحْمَةً بالأُمَّة، يعني تَصَوَّر لو أنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ما حَصَل منهُ هذهِ النُّصُوص المُتعارِضَة! تقول عائِشَة: ما صَام مع حَثِّهِ على الأعْمَال الصَّالِحَة في هذه الأيَّام العَشْر! يمكن كل النَّاس يَصُومُون ويَلْزَمُون في بُيُوتِهِم! تصَوَّر لو أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اعْتَمَر في رمضان مع قَوْلِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((عُمرةٌ في رمضان تَعْدِلُ حَجَّة)) وش يصير وضع النَّاس لو تَظَافر القول مع الفِعل؟! كان يَقْتَتِل النَّاس على العُمرة في رمضان! وتَبْقَى أنَّ العُمرة في رمضان سُنَّة وتَعْدِل حَجَّة، وإنْ قال بعضُ أهلِ العلم إنَّهُ خاصّ بتلك المرأة كما أشارت إليه رِواية أبي ذر؛ لكنْ القول الذِّي لا وجهَ لهُ، ومع الأسَف أنَّهُ كُتِب في بعض الصُّحُف القول الذِّي لا وَجْهَ لهُ قول من يقُول نعم العُمرة في رمضان تَعْدِل حَجَّة؛ لكنْ ما هو كل سنة!!! شلون ما هو كل سنة؟! يعني القول بأنَّ هذا النَّص خاص بالمرأة هذا لهُ وَجه، وقال بِهِ من أهلِ العلم المُعتبرين؛ لكنْ ما هو كل سنة!!! وش الحل! يعني يصير نظام نحدد العُمرة في رمضان يصير هو الشّهر ما هو كل سنة، علشان إيش؟! المسألة مسألة شَرْعِيَّة النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قال هذا الحديث، وأهل العلم إمَّا أنْ يقُولُوا للجميع وهذا قول عامَّةُ أهل العِلم، ومنهم من قال خاصٌّ بالمرأة، وقُلنا مثل هذا القول وكفاية، أمَّا أنْ يُقال تعدل حجَّة لكن ما هو كل سنة!!! ما أدري كيف من أيِّ قاعِدَةٍ ينطلق مثل هذا الكلام!! صوم يوم عرفة يُكفِّر السَّنة المَاضِيَة والباقِيَة منهم من يقول الشَّخص ما حَصَل منهُ في السنة الماضِيَة من الصَّغائر يُكَفَّر، ويُحال بينهُ وبين الذُّنُوب في السَّنَةِ اللَّاحِقَة، أو يُوفَّق للتَّوبة إنْ حَصَلَتْ منهُ، ولَسْنَا بِحاجَة إلى مثل هذا ما دام التَّكفير للصَّغائِر، فهذهِ أعمالٌ عَظِيمة تأتي على الصَّغائِر، وش المانع بالوعدِ الصَّادِق؟!