((هاذم اللَّذات)) وجاء في بعض الألفاظ بالدَّال المُهملة هادم، وجاء في بعضها هازم، والفرق بين هذه الألفاظ أنَّ الهاذم هو القاطع، والهادم هو المُزيل كالذي يهدم البناء، والهازم هو الغالب، وإذا نَظَرْنا إلى الموت وجدنا فيهِ هذهِ الألفاظ كلها، فهو يقطع اللَّذات، والمُراد باللَّذات المحسُوسة من استمتاعٍ بمُتَعِ هذهِ الحياة، فَيَحُول بين المرءِ وبينها، فيقطعُهُ من الاستمتاع بالأكل والشُّرْبِ ومُعاشرة الأقرانْ، والنِّساء، وما أشْبَهَ ذلك، من مُتَعِ هذه الحياة الدُّنيا، على أنَّهُ قد ينقُلُ الإنْسَانْ إلى ما هو أشد مُتعةٍ ولذَّةٍ منها؛ لكنْ هذا بالنِّسبة لمُسْتَوى النَّاس كُلِّهِم الذي يشتركون فيه، في مُتَعِ هذهِ الحياة الدُّنيا؛ لكنْ من النَّاس من ينتقل إلى ما هو أفضل من حالِهِ وعَيْشِهِ، ومنهم من ينتقل إلى حالٍ سيِّئة نسأل الله السَّلامة والعافية، فهو قاطع وحائل بينَهُ وبين لذَّاتِهِ، وهو أيضاً هادم مثل ما يُهْدَم البِنَاء ويتحطَّم فهو مُزيل لهذهِ النِّعم، سواءً كانت حقيقتُهُ أو ذكرُهُ عند من أحيا الله قلبَهُ، هو مُزيل لهذا التَّلذُّذ بهذهِ النِّعم واللَّذَّاتْ، وهو أيضاً غالبٌ لها، ولذا يتقزَّز كثير من النَّاس من ذِكْرِ الموت أثناء الطَّعام! ويُنْكِر على من يذكر الموت في أوقات الفرح مثلا، في الأعياد، وفي الأفراح، في الأعراس، وفي غيرها، وأثناء الأكل والشُّرب، يُنْكِر من يقولها، النَّاس جاؤوا يَنْبَسِطُوا، يفرحوا، ويتلَّذُذون بحياتهم؛ لكنْ أولى ما يُذْكَر فيهِ الموت في هذهِ المواطن، مع أنَّهُ ينبغي أنْ يكون على لسان المُسْلِم؛ امتثالاً لهذا الحديث، وللمصلحة المُترتِّبة على ذِكْرِهِ؛ لأنَّ الإنسان الذِّي يُكْثر منْ ذِكْرِ الموت، الموت لا يُذْكَرْ في كثير إلا قَلَّلَهُ، ولا في قليل إلاَّ كَثَّره، إذا كانت عندك الأموال الطَّائلة إذا ذَكَرْتَ الموت؛ أمِنْتَ من الطُّغْيَان؛ لأنَّكَ رأيت أنَّكَ اسْتَغْنَيْتْ، فإذا عَرَفْتْ أنَّ ورائك موت؛ تأْمَنْ من هذهِ الآفة، وإذا كُنْتَ فَقِيراً لا تجدُ ما يكفيك؛ تكاد نفسُكَ تتقطَّع حسرات إذا رَأْيْت ما عند النَّاس من أموال ذكرت الموت؛ فهان عليك كل شيء!! هذا الأمر على المُسلم أنْ يمتثِله... لماذا؟ لئلاَّ يسترسل في اتِّباعِ شَهَواتِهِ ومَلَذَّاتِهِ، وينسَى ما أمامَهُ من أهوال، فإذا اسْتَحْضَر ذكر الموت؛ ارتاح ضميرُهُ، وعَمِلَ لما بعد الموت، لا يُذْكَرُ في كثيرٍ إلاَّ قَلَّلَهُ، ولا في قليلٍ إلاَّ كَثَّرَهُ، وجاء في بعضِ الألفاظ لهذا الحديث بعد الأمر بذكرهِ - أنَّ من أكثرَ ذِكْرَهُ؛ أحيا الله قلبَهُ - من أكثر ذكر الموت؛ أحيا الله قلبَهُ ومعناهُ صحيح، إذا تَصَوَّرت ما أمامك؛ عَمِلْتْ، وإذا نَسِيتْ ما أمامك؛ أهْمَلْتْ وغَفَلْت، فلا شكَّ أنَّ هذا الأمر على كُلِّ مُسلم أنْ يَمْتَثِله؛ لا سِيَّما من يَنْتَسِب إلى العلم وطَلَبِهِ، تَجِد النَّاس، ويُوجد هذا في مجالس طُلَّاب العلم أيضاً يَكْثُرُ فيها الهَزل، يكثُرُ فيها الضَّحك، ويَكْثُرُ فيها القِيل والقال؛ لكنْ لو ذُكِر الموت، الموت شبح أمام النَّاس كُلَّهم، مُخِيف؛ يَقِفُونَ عندَ حَدِّهم، واللهُ المُستعان.