إنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- كان إذا أتاهُ سائل أو طالب حاجة، قال: ((اشفعُوا تُؤْجروا)). النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ على أنْ يَكْسِبَ المُسْلِمُون الأجر والثَّواب يقُول مثل هذا الكلام، وإلاّ قد يقول قائل: كيف تقول يعني لو دخل واحد على رئيس مصلحة أو مُدير دائرة وأنت جالس عنده ثم جاء واحدٍ يُقدِّم طلب يعني تستسهل أنْ يقول لك يا فُلان انْفع نفسك اشفع لصاحبك، قد يقول صاحب الطَّلب والجالس اقبل حاجة من دون شفاعة، يعني ما يقول بلسان مقالِهِ أو حالِهِ، إذا كُنت تُريد أنْ نَشفع اقْضِها بدون شفاعة؛ لكنْ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ ونُصْحِهِ لِأُمَّتِهِ يقول مثل هذا الكلام؛ لأنَّ الشَّفاعة ما تكلّف شيء ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النتيجة ليست بيدك، كثير من النَّاس أُوتِي جاه فَيَأْتِيهِ المُحتاج لِيَشفع لهُ عنْد فُلان وعَلاَّن، ويقول والله يا أخي عَجِزْنَا عنهُ هذا كِتَبْنا لهُ مِرَاراً ما اسْتَفَدْنا، يا أخي اكتب! ألا تريد الأجر؟ يَقْضِي الله على لسان مَخْلُوقِهِ ما شاء، طَلَبْ ولاّ ما أَجَاب قُبِل ولاّ مَا قُبل هذا ليس لك، النَّتَائِج ليس بيدك، أنْتَ مَأْمُور بالشَّفَاعة، {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النِّساء / 85]؛ فالشَّفاعة لا تُكَلِّفُ شيئاً هي مُجَرَّد كلمة، والآنْ بعد ما يحتاج إلى أنْ تَلْبَس حِذَائِك وبِشْتِك وتُرُوح تِشْفَع، لا إمَّا تِلِفُون أو وَرَقَة اكْتُب وأنْت جالس وتُرُوح يَثْبُت لك هذا الأجر، ونَعْرِف من سَادَ الأُمَّة لا بِقُوَّتِهِ ولا بِمَالِهِ ولا بشيء بمثل هذه الشَّفَاعَات؛ لأنّ بعض النَّاس يتصور أنَّهُ كُل ما كتب تهبط قيمتُهُ، ينزل مُسْتَواه وما أشبه ذلك، لا لا أبداً العكس، الذِّي يَتَولَّى الشَّفاعة للنَّاس لا شكَّ أنَّ الله -جلَّ وعلا- يَرْفَعُهُ في الدُّنيا والآخرة، النَّووي -رحمهُ الله- كان صاحب شَفَاعَات من جاءَهُ كَلَّم عنهُ الوُلاة وكَتَب، ويَسْمَع أَحياناً ما يَسُرُّهُ وأحياناً ما يَسُوءُهُ، يَضِيرُهُ شيء؟! يحصل له الأجر والباقي على الله، بعث له الوالي مرَّة من المرَّات، قال: لا تَشْفَع لِأَحَد، فَجَاءَهُ شخص شفع لهُ، ثاني شفع لهُ، لمَّا نَظَر الوالي وين المَسْأَلة؟ اعْتَرَفْ بِأَنَّ أَمْرَهُ لله، ولاّ بعض النَّاس إذا جَاءَهُ مثل هذا الكلام الخَشِن تَأْخُذُهُ العِزَّةُ بِالإِثْم ويَيْأَس وخلاص انتهى كُل شيء بالنِّسْبَةِ لهُ؛ لكنّ النَّووي أَعَادَ الشَّفَاعة، أعاد الشَّفاعة، ثُمّ قال الوالي: أَشْهَدُ أنَّهُ يَشْفَعُ لله، فَأَجَاب طلبهُ، وصار لا يَرُدُّ لهُ طَلَب، وَأَدْرَكْنَا من الشُّيُوخ مَن يَشْفَع للصَّغِير والكَبِير عِنْدَ الكَبِير والصَّغِير، ورَفَعَ الله -جَلَّ وعلا- مَنْزِلَتَهُ فِي الدُّنيا والآخرة، والآخرة اللهُ أعلمُ بِها؛ لكنْ هذا الذِّي يَغْلِبْ على الظَّن، امْتِثَالاً لهذا الحديث: ((اشفعوا تُؤجروا))، يعني ما الذِّي يَضِيرُك أنْ تُكَلِّم فُلان أو عَلان مِنْ أَجل فُلان؟ وإذا كانت هذه الشَّفاعة أيضاً فيما يُقَرِّبُ إلى الله -جَلَّ وعلا- كُنتَ مِمَّن دلَّ عليه، ولك نصيبٌ من هذا الأَجر، شَرِكْتْ صَاحب هذا الأجر ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النَّتَائِج ليست بيد الشَّافع ولا المَشْفُوع لهُ ولا المَشْفُوع عنده، الله -جلَّ وعلا- هو المُعْطِي وهو المَانِع: ((إنما أنا قاسمٌ واللهُ المُعطِي)) اشْفَع لفُلان يُعْطَ من بيت المَال كَذا أو يُعْطَ من مَال فُلان التَّاجِر كذا، الله المُعطِي -جَلَّ وعلا-، المَسْأَلَة لَيْسَت مُلْزِمَة؛ لكنْ أَنْتْ احْصَلْ عَلَى الأَجْر المُرَتَّبْ على الشَّفَاعة في هذا الحَدِيث الصَّحِيح، وعَادْ كُوْنُهُ يُجَابْ أو لا يُجَابْ تَمَنَّ أنْ يُجَابْ طَلَبْك تَمَنَّ وتَرْجُو ذلك، إِذَا لمْ يُجَبْ حَصَلَ لكَ الأَجْر وتَحْقِيقُهُ والمُسَبِّب هو الله -جَلَّ وعَلا- هو الذِّي يُرَتِّبْ المُسَبِّبَات على أَسْبَابِها، والله المُسْتعان.