الذِّي يقرأ القُرآن حِفْظاً مثل صاحب التَّمر، من زادُهُ التَّمر، والذِّي يقرؤُهُ نظراً مثل من زادهُ البُر الحب، الذِّي زادُهُ التَّمر يمد يدهُ ويأخذ من التَّمر ويأكل ما يحتاج يطبخ ولا يجلس ولا يطحن ولا شيء؛ لكن الذِّي زادهُ البر يحتاج إلى أنْ ينزل من وسيلتِهِ و ينصب النَّار ويطْحن هذا الحب ويطبخُهُ، عناء، أيضاً الذِّي يسُوق سيَّارتُهُ مثلاً وهو حافظ يقرأ ما دام مُسافر؛ لكن الذِّي لا يحفظ يحتاج إلى مُصحف، هل يستطيع أنْ يقرأ في المُصحف وهو يقُود السَّيَّارة؟ لا ما يستطيع، فالتَّنظير في مثل هذا مُطابق، وحفظ القُرآن فضل من الله ومنَّة ونِعمة على من يسَّرهُ الله عليه.
والله -جل وعلا- ذكر أنَّهُ يسَّر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[(17) سورة القمر] لكنْ {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} المسألة تحتاج إلى بذل، لابُدَّ أنْ تُريَ الله من نفسك خيراً من أجل أنْ يُيسِّرَ لك، ولذا قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ما قال: فهل من قارئ فقط، الإنسان مُستعد يقرأ، والقراءة نظراً سهلة يعني على النَّاس؛ لكن الإشكال فيمن يجلس ويُكرِّر هذا خلاف ما تهواهُ النُّفُوس، لاسِيَّما بعد أنْ تتقدَّم بِهِ السِّن، على طالب العلم أنْ يحرص حرصاً شديداً على حفظ القُرآن؛ لأنَّهُ ما يدري ماذا يطرأُ لهُ، يُمكن يُكف بصرُهُ ثُمَّ يندم ولات ساعة مندم، مع أنَّهُ -ولله الحمد- تيسَّرت الأُمُور، ووُجدت الآلات، ونحنُ نرى من عوامِّ المُسلمين من يأتي ويتقدَّم إلى المسجد في الأماكن الفاضلة، وفي المواسم الفاضلة؛ لكنَّهُ لا يقرأ ولا يكتب، فتتقطَّع نفسُهُ حسرات وأسَى على أنْ يكسب النَّاس الحسنات كل حرف بعشر حسنات وهو ما عندهُ شيء.
ومثل هذا التَّبِعةُ عليه حينما فرَّط في وقت الصِّغر ثُمَّ بعد ذلك على أولادِهِ وبناتِهِ، وهذا من أعظم البر أنْ يُقال: يا أبتي تعال نُحفِّظك سُورة الفاتحة التِّي تُصحِّح بها صلاتك، ثُمَّ بعد ذلك يبدأ بِهِ من قِصار المُفصَّل، ورأيتُ بنفسي من يُلقِّن شيخاً كبيراً سُورة الكهف كلمة كلمة من صلاة الصُّبح من يوم الجُمعة لمُدَّة ساعة ونصف يُلقِّنُهُ تلقين، هذا شريكٌ لهُ في الأجر، وهذا دالٌّ على الخير، ومُعينٌ عليه، فكيف إذا كان هذا المُحتاج أب أو أُم ولديك القُدرة على تعليمهم؟ وهذا من أعظم البر أنْ يُختم لهُ بشيء من القُرآن يحفظُهُ ويُردِّدُهُ، والله المُستعان.