التذكير بعدل الله -سُبحانهُ وتعالى-، ومُساواتِهِ بين خلقهِ، حيثُ جعل هذا الركن فرضاً على جميع المُسلمين غنِيِّهم وفقيرهم مُلُوكِهِم وسوقتِهم، وبذلك يتذكَّر المُلُوك العدل الذِّي فُرض عليهم إقامتُهُ بين رعاياهم، ومن ذلك أنَّهُ وجاءٌ للصَّائم ووسيلةٌ لطهارتِهِ وعفافِهِ، وما ذاك إلا لأنَّ الشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، والصَّوم يُضيِّقُ تلك المجاري، ويُذكِّرُ بالله وعظمتِهِ فيضعفُ سُلطان الشَّهوة، ويقوى سُلطان الإيمان، ولذلك وجَّه النبي -عليه الصَّلاة والسّلام- من لا يجدُ القُدرة على النكاح إلى الصِّيام، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم فإنَّهُ لهُ وجاء)) لكن تجد كثير من الشباب تكثر شكواهم من شدة الشهوة أثناء الصِّيام، تقوى عند بعضهم الشهوة... لماذا؟ هل لأنَّ هُناك خُلف في الخبر؟ - لا – إنَّما المُراد بالصَّوم، الصَّوم الذِّي تترتَّب عليه آثارُهُ الشَّرعيَّة، أمَّا شخص في سحورِهِ يتناول جميع أنواع الأطعمة التي تُؤجِّج هذه الشهوة، وتزيد من هذه الغريزة، وتُعينُ عليها، ثُم بعد ذلك لا يُزاول أي عمل، يقضي على ما أَكلهُ تَجِدُهُ مرتاح، نائم أكثر الوقت، وقد تكدَّست عندهُ هذه الأغذية المُؤجِّجة للشهوة والمُنمِّية لها، أو يتعرِّض كذلك لمواضع الفِتن.
المقدم: والآن يكثر -مع كل أسف- في رمضان ظهور بعض النِّساء في الأسواق وكثرتها!، وما يُعرض في القنوات الفضائيَّة في رمضان مع كلِّ أسف.
هذا لا إشكال فيه من الأصل يعني مثل هذا – نسأل الله السَّلامة والعافية – معرِّضٌ صومهُ للبُطلان؛ لأنَّ مُزاولة المُنكر أثناء الصِّيام ((من لم يدع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه)) لكن المسألة مُفترضة في شاب من أوساط النَّاس، تسحَّر السّحور من أنواع الأغذية التي في بعضها ما يزيد في الباءة مثلا، ويُؤجِّج الشهوة ثُم ينام إلى صلاة الظُّهر الآن ما تهضّم شيء من طعامِهِ فما يبقى وقت لئن يحترق هذا الطَّعام الذِّي أكلهُ ويهضم، المقصُود أنَّ مثل هذه الطَّريقة لا تترتَّب آثار الصِّيام عليها، الصِّيام صحيح ومُجزئ ومُسْقِط للطَّلب؛ لكنْ يبقى أنَّهُ لا بُد من مُلاحظة ما لحَظَهُ الشَّرع من الأُمُور التِّي رُتِّبت على هذه العِبادة؛ فعلى الإنسان أنْ يحرص على أن يكُون صومُهُ شرعيًّا تترتَّب آثارُهُ عليهِ؛ لأنَّ في الحديث الذِّي يرد ذكرُهُ – إنْ شاء الله تعالى – فيما بعد والتَّعليق عليهِ، حديث: ((...ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتُنِبت الكبائر)) يعني المقصُود العِبادات المُكفرَّة التِّي تترتَّبُ آثارُها هي التِّي تُؤدِّى على الوجه المشرُوع، وفي كلام شيخ الإسلام ما يُلْمِح إلى هذا؛ فالصَّلاة التِّي لا ينصرف صاحِبُها منها بشيء، أو لا ينصرف منها إلاَّ بالعُشْر، هي عند الفُقهاء صحيحة ومُجزِيَة ومُسْقِطة للطَّلب... لكن هل تترتَّبُ عليها آثارُها؟! هل تنهى صاحِبُها عن الفحشاء والمُنكر؟ يعني نجد كثير من المُصلِّين يُزاول بعض المُنكرات، في الوحي المُنزَّل الذِّي لا يتطرَّق إليه أدْنى احتمال النَّقيض {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت : 45]، يعني قد يقول قائل: الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر بكلام الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ بعض النَّاس ما نهتْهُ صلاتُهُ عن الفحشاء والمُنكر، نقول: الصَّلاة التِّي تنهى عن الفحشاء والمُنكر هي التِّي تُؤدِّى على الوجه المطلُوب بِشَرائِطها وأركانِها وسُننِها، ويُؤتى بها امتِثالاً لقولِهِ –عليه الصَّلاة والسَّلام–: ((صلُّوا كما رأيتُمُوني أُصلِّي)) لكن الذِّي يُصلِّي وقلبُهُ خارج المسجد؟ قلبُهُ في أعمالِهِ في دُنياهُ، مثل هذا لا تترتَّب عليهِ آثارُها، وقُل مثل هذا في سائر العِبادات رمضان إلى رمضان، العُمرة إلى العُمرة، تجد مثلاً من يَعْصِي أثناء العِبادة، مثل هذا لا تترتَّب آثارُهُ عليها، ولذا الصَّوم الحقيقي المُورِث للتَّقوى هو الذِّي يُؤدَّى على ما أمر الله – جلَّ وعلا – وما أُثِرَ عن نَبيِّهِ – عليهِ الصَّلاة والسَّلام – على الوجه الشَّرعي والمرضي.