قال صلى الله عليه وسلم: «أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة» وهو ابن عمه، «وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» [مسلم (1218)]، هذا يدل على أن من يُقتدى به ينبغي أن يبدأ بنفسه وبأقرب الناس إليه، ولذا جاء في الحديث: «لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها» [البخاري (3475)، ومسلم (1688)]. وأما الذي يأمر الناس وينهاهم، ويجبرهم على أشياء هو يخالفها، فمثل هذا حري وجدير بأن يخالَفَ ولا يطاع أمره، ولو فَرَضَ أوامره بالسيف؛ لأن الإنسان إذا لم يمتثل ويبدأ بنفسه وأقرب الناس إليه، فإن أوامره لا بد أن تعصى، وعلى هذا يقال لمن دعا الناس إلى الخير: «ينبغي له أن يكون أسبق الناس إليه»، ولمن نهاهم عن فعل المنكرات: «ينبغي له أن يكون أبعد الناس عنها»، وأما العصمة فهي لا تتصور في غيره صلى الله عليه وسلم، فلا إفراط ولا تفريط، فلا نقول: «لا يأمر ولا ينهى إلا المعصوم»، كما أننا لا نقول بانفكاك الجهة من كل وجه، فيأمر مطلقًا ولو كان تاركًا، وينهى مطلقًا ولو كان فاعلًا، بل عليه ألّا يأمر بشيء إلا ويسارع إلى فعله؛ ليكون قدوة في فعله قبل قوله.
فإنّ الذي يأمر بشيء ويأتي عكسه، وينهى عن شيء ويرتكبه، فهذا مذموم. وقد جاء في الحديث: «يُجاءُ بالرَّجل يومَ القيامَةِ فَيُلْقَى في النَّارِ، فتَنْدلِقُ أَقتَابهُ فِي النَّارِ، فيدورُ كما يدُورُ الحمَارُ بِرحاهُ، فيجْتَمعُ أهْلُ النَّارِ عليْهِ فيقولون: أَي فلان ما شأْنكَ؟ أَلَيْس كُنْتَ تَأْمرنَا بالْمَعْروفِ وتنْهانا عن المُنْكَر؟ قال: كنْتُ آمرُكمْ بِالمعروفِ ولا آتيهِ، وأَنْهَاكمْ عن المنْكرِ وآتِيهِ» [البخاري (7098)، ومسلم (2989)] نسأل الله العافية.