فضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه، فإذا إذا عرفْنَا منزلةَ القرآنِ، لَزِمَنَا أن نعنى به عناية تامَّة، وأن نُديمَ النظرَ فيه؛ ففضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه، وكثيرٌ من المسلمين - للأسف - يقْضُون السَّاعاتِ الطوالَ في مطالعة الصحفِ والمجلَّاتِ، وليس لكتاب الله من وقْتهم نصيبٌ، وهذا مسْخٌ للقلوب، نسأل الله العافية.
فلا بدَّ من إدامة النَّظر في كتاب الله، وحِفظِ ما يمكن حفظه منه، قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]، والقلبُ الذي ليس فيه شيءٌ مِن القرآن كالبيتِ الخَرِب.
فعلينا أن نعتني بحفظِ القرآن، وإدامةِ النَّظر فيه، وملازمةِ تلاوتِه، وأن نَجْعَل لنا حزبًا يوميًّا؛ بحيث لا تغيب شمس اليوم إلا وقد قرأناه.
وعلينا أيضًا أن يَصْحَبَ هذه القراءةَ الفهمُ والتدبُّرُ؛ لأنه كلام الله، ولأنه يشتمل على أوامر الله - سبحانه وتعالى - ونواهيه، وإذا كان القارئ لا يفهم ما يقرأ، فكيف سيمْتَثِلُ الأمر والنهي؟! والعلوم كلُّها تحت تدبُّرِ القرآن، يقول ابن القيِّم رحمه الله [نونية ابن القيم (ص49)]:
فتَدَبَّرِ القرآنَ إنْ رُمْتَ الهُدى فالعلْمُ تحتَ تدبُّرِ القرآنِ
وتمثيلًا لذلك: لو عُمِّم نظام على موظَّفي دائرةٍ معيَّنةٍ لتطبيقِهِ، ستجد مديرَ الدائرةِ، ووكلاءَه، ورؤساء الأقسام، يحتجبون عن الناس لمدارَسَةِ هذا النظامِ وفهْمِه، وهو نظامٌ بشريٌّ، أمَّا الآياتُ والكلماتُ من كتابِ اللهِ التي يُحتاج في فهمها إلى استيضاح أهل العلم، أو الرجوع إلى كتب التفسير، فيُمِرُّونها دون تدبُّرٍ أو سؤالٍ أو بحثٍ، وكأنها لا تعني القارئَ أو السامعَ!