أركانُ الإسلامِ الخمسةُ جاء ذكرُها في الصحيحين، وغيرهما، في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسلام على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضانِ، وحجِّ البيتِ لمن استطاع إليه سبيلًا»، وفي رواية: «وحجِّ البيتِ، وصيامِ رمضان» [البخاري (8)، ومسلم (16)] بتقديم الحجِّ على الصِّيام.
وهذه الأركانُ الخمسةُ شأْنُها عظيمٌ جدًّا؛ من ترك شيئًا منها، فهو على خطر عظيم، فمن ترك الشَّهادَتَيْنِ، فإنه ليس بمسلِم أصلًا، ومَن ترك الصلاة - وإن اعترف بوجوبها، وأقرَّ به -، فإنه كافرٌ عند جمع من أهل التحقيق، وأما إيتاءُ الزكاةِ، فإنه إذا اعترَفَ بوجوبها، ولم يدفعْها، لا يكفر عند جمهور العلماء، وإنْ قيل بكفره، كما قيل بكفر تارك أحد بقيَّة الأركان، فالقول بكفر تارك الأركان الخمسة أو واحدٍ منها قولٌ معتبرٌ عند أهل العلم، وهو قولٌ في مذهب الإمام أحمد.
وقد جاء الوعيدُ الشديدُ فِيمَن أعطاه اللهُ مِنَ المالِ ما تقوم به حياتُه ومصالحُه، ومع ذلك يَبْخَلُ بالقَدْرِ اليسير الذي فرضه الله عليه، وكذلك فيمن عافاه الله في بَدَنِهِ، وأقرَّه في وطنه، ومع ذلك لم يصُمْ رمضان، فهذا أيضًا على خطر؛ فمن أفطر يومًا من رمضان مِنْ غَيرِ عُذْرٍ، لم يقْضِ عنه صيامُ الدَّهرِ وإنْ صامه؛ فالأمرُ جِدُّ خطيرٍ.
وكذلك حجُّ البيتِ، وهو: الركنُ الخامسُ مِن أركان الإسلام؛ فقد جاء الوعيدُ الشَّديدُ فيمَن ترَكَهُ مع القدرة عليه، وجاءت الآثارُ والأخبارُ المرفوعة والموقوفة في التَّشْدِيد على من تركه مع القدرة عليه، وقد كَتَبَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الآفاق: أن يَنْظُروا مَن كان ذا جِدَةٍ ولم يحجَّ، فليضرِبُوا عليه الجِزْيَة، ما همْ بمسلمين، ما هُمْ بـمسلمين [أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كما قال ابن كثير في تفسيره 2/85]؛ ولذا يستدلُّ من يقول بِكُفر تاركِ الحجِّ بقول الله - سبحانه وتعالى - في آيةِ وجوبِ الحجِّ: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، ويقول: {من كفر}، يعني: لم يَحُجَّ.
فالأركانُ الخمسةُ هي دعائمُ الإسلامِ التي بُنِيَ عليها، ولا يَثْبُتُ أيُّ بناءٍ دون أركان، فتارِكُ شيءٍ منها على خطَرٍ عظيم، وعليه أن يبادِرَ بالتوبة والاستغفار، وأن يؤدِّيَها على الوجه المطلوب؛ لأنَّ الكفرَ شأنُه عظيم، وأمرُه خطيرٌ، والمعاصي وإن كانت تحت المشيئة - إن شاء الله غفرها للعبد، وإن شاء أخذه بها -، إلا أنها - أيضًا - بَرِيدٌ إلى الكفر، لكنَّ أمرَها أخفُّ من الكفرِ المُوجِبِ للخلودِ في النار.