روى أبو داود في كتاب المناسك، أن ابن مسعود رضي الله عنه صلى أربعًا في الحج، وهو يرى القصر، وقد عاب على عثمان رضي الله عنه تربيعه وود لو قصر فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعًا، قال: «الخلاف شر» [أبو داود (1960)]، وإن كان في إسناده عند أبي داود جهالة، وقد صار مطية لكثير ممن أراد أن يوافق كل مخالف، فيترك بعض الواجبات ويقول: الخلاف شر، وأحيانًا يرتكب بعض المحرمات ويقول: الخلاف شر.
وليس هذا الكلام على إطلاقه، وإن صح عن ابن مسعود رضي الله عنه، وإلا لكانت مخالفة أهل الشرك والإلحاد شرًّا! وهذا لا يقول به مسلم.
فالخلاف في جملته شر، والوفاق والاتفاق خير، ولكن هل كل خلاف شر؟ هل معنى هذا أنك إذا قدمت إلى بلد وأهلُه على مذهب معين يعملون عملًا هو في نظرك واجتهادك محرم، تقول: الخلاف شر، وتعمله، وتوافقهم على ما يعملون؟ فمثلاً ذهبت إلى بلد أهله يعملون بالمذهب الحنفي، فيجيزون شرب النبيذ، هل تشرب النبيذ محتجًّا بأن الخلاف شر؟ أو إلى بلد أهله مالكية، يأكلون من اللحوم ما ترى تحريمه، فهل تأكل معهم محتجًّا بأن الخلاف شر، وأنت عندك دليل واضح صريح على منع هذا الشيء وتحريمه؟
فالجملة لها أصل صحيح، ولكنها تحتاج إلى تقييد، وهذا من جملة القواعد التي يطلقها أهل العلم وهي تحتاج إلى تقييد.
فإذا كان الخلاف بين فاضل ومفضول، وأردت أن توافقهم ارتكابًا للمفضول، فلك ذلك، أو كانت المسألة مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح صحيح، فلك أن ترتكب القول المرجوح، لا سيما إذا ترتب عليه مصلحة راجحة، أما إذا كان عمدةُ المسألة دليلًا مرفوعًا صحيحًا صريحًا، فلا مندوحة من العمل به مهما ترتب عليه، وكذلك ما تعارضت فيه الأقوال معارضة بينة، كقول ينص على الوجوب والآخر على التحريم، فلا سبيل إلى الاتفاق مع الخصم بحجة أن الخلاف شر.
فإذن جملة: (الخلاف شر) لا بد من تقييدها.