لأسباب النزول فوائد كثيرة، لأجلها اعتنى به العلماء عناية فائقة، وصنفوا فيه المؤلفات، منها:
أولًا: أن معرفة السبب مما يورث العلم بالمسبب، فكم من آية نقرؤها ولا ندري ما مراد الله فيها، ولا يتضح لنا وجه ارتباطها بما قبلها وما بعدها، ثم إذا اطلعنا على سبب نزولها زال الإشكال، والعرب يقولون: «إذا عرف السبب بطل العجب».
ثانيًا: أن معرفة السبب قد يُحتاج إليه في قصر الحكم العام على مدلول السبب، فالصحابة رضي الله عنهم استشكلوا بعض الآيات، فلما بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم السبب زال عنهم الإشكال، فمثلاً: استشكلوا ما جاء في آخر البقرة، واستشكلوا ما جاء في سورة الأنعام: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ...} [الأنعام: 82] إلى آخره، قالوا: «أينا لم يظلم نفسه؟» [البخاري (6944) واللفظ له، ومسلم (124)] فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وفي بعض الروايات: «ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]؟» [أحمد (3589)]، وبهذا زال الإشكال.
ثالثًا: أن أهل العلم يقولون: «دخول السبب في النص قطعي»، مثاله: لو جاء طالب إلى شيخ من الشيوخ وقال: (إن الكتاب الفلاني المقرر في الدرس الفلاني لا يوجد في المكتبات، والطلاب ظروفهم لا تساعدهم على أن يبذلوا الأسباب المكلِفة لإحضار الكتاب أو تصويره)، فقام الشيخ بطريقة ما بتوفير الكتاب بعدد الطلاب، ثم أعطى جميع الطلاب نسخة إلا هذا الطالب الذي جاء إليه، فمثل هذا لا ينبغي؛ لأن هذا الطالب هو أولى الناس بنسخة من الكتاب الذي هو سبب في إيجاده، فأهل العلم يقولون: «دخول السبب في النص قطعي».