طالب العلم والعالم والذِّين أُوتُوا العلم قد رفعهُم الله درجات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[(11) سورة المجادلة] ودرجات عشرين صانتي مثل درج الدُّنيا؟ عشرين صانتي الدَّرجة الواحدة؟ لا، الدرجة مثل ما بين السَّماء والأرض، ودرجات ما هي درجة و لا درجتين ولا كذا، فننتبه لمثل هذا الأمر، هذا بالنِّسبة للعلم.
وهذه كلمة مُختصرة بالنِّسبة للعمل، يُوجد في صفُوف طُلاّب العلم مع الأسف أنَّهُ يأخُذ العلم مُجرَّداً، ويشكُو من عدم ثَباتِهِ في نفسِهِ، يَنسى العلم، نقول لك: اعمل بهذا العلم ثُمَّ بعد ذلك يَثْبُت، والعلمُ كما يقول علي -رضي الله عنه-: "يَهْتِفُ بالعمل فإنْ أجابَهُ ولا ارْتَحل" وكم من شخصٍ تعلَّم من العُلُوم الشَّيء الكثير ثُمَّ بعد ذلك في النِّهاية نَسي لماذا؟ لأنَّهُ لا يعمل، العلم النَّظري المُجَرَّد لا يَثْبُت، لو أنَّ إنساناً أخذ مُصنَّف ثلاث مائة صفحة مثلاً في تعلُّم قيادة السَّيَّارة وفي تفكيك المكينة، وتفكيك كذا يعني كُل ما يتعلَّق بالسِّيَّارة وقرأ الكاتلوجات القديمة والحديثة وكذا؛ لكنَّهُ ما باشر ما معه مفك ولا عنده بيتعلَّم هذا؟ لابُدَّ من العمل، فالعمل يَثْبُتُ بهِ العلم، والأعمال المُتاحة في شرعنا -ولله الحمد- كثيرةٌ جِدًّا، يعني بعض النَّاس قد يَصْعُب عليهِ ويَشُق عليهِ أنْ يُساعد النَّاس ببدَنِهِ، نقول: يا أخي ساعد النَّاس وابذل في ما تستطيع برأيك مثلاً إذا جاء أحد يستشيرك امحض لهُ النَّصيحة، العمل الخاص الذِّي لا يتعدَّى، صيام النَّوافل، قيام الليل، الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر الذِّي النَّاسُ بأمَسِّ الحاجة إليهِ الآن، المُنكرات الآن في محافل النَّاس تزيد، فلابد من التَّعاون على إزالتها وإنكارها؛ لكنْ بِطُرق تترتَّبُ عليها المصلحة ولا يترتَّب عليها أدنى مفسدة، والإنسان -ولله الحمد- في هذا البلد ما فيه أحد يمنعُهُ من أنْ يقول لشخصٍ رآهُ في طريقِهِ إلى المسجد صلِّ يا أخي، صَلِّ جزاك الله خير، والآن الإقامة قرُبت والمسجد قريب، وقد سمِعْتَ الأذان ولا عُذْرَ لك، ورأْس مالك الصَّلاة، أعظم أركان الإسلام، فيه أحد يمنعُهُ من هذا؟ يرى شباب يلعبُون كُرة أو غيرها يقول لهم: صلُّوا، يرى صاحب محل مفتُوح بعد الأذان يقول لهُ: سكِّر، ولو أنَّ النَّاس تَتَابعُوا على هذا وتعاونُوا عليهِ ما وجدْنَا هذا التَّساهُل الموجُود في أسواق المُسلمين ومحافِلِهِم.
فالاهتمام بهذا الشَّأنْ الذِّي هُو الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر من أهم المُهمَّات و أولى الأولوِيَّات بالنِّسبة لجميع المُسلمين؛ لأنَّ الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم مُنكراً فليُغيِّرهُ بيدِه؛ فإنْ لم يستطِع فبلِسَانِهِ؛ فإنْ لم يستطع فبقلبِهِ)) والإنسان بحمد لله مُستطاع بالأُسلُوب المُناسب الذِّي لا يترتَّب عليهِ مفاسِد.