هذا يقول: حينما يسلُكُ الإنسانُ طريق العلم، فهل يبدأُ بِفَنِّ الحديث أم الفِقه أم العقيدة؟!
طريقة المشارقة في التَّعلم تختلف عن طريقة المغاربة، المغاربة يُقدِّمون حفظ القرآن، ولا يقرؤُونَ معهُ شيءٌ آخر، فإذا ضمنُوا حفظ القرآن -كما ذكر ذلك ابن خلدون في مُقدِّمَتِهِ- اتَّجَهُوا إلى العُلُومِ الأُخْرى، والمشارقة يمزجُونَ العُلوم؛ بمعنى أنَّهُم في وقت واحد يُنوِّعُون ويَتَفَنَّنُون، فيتعلمُون من القرآن نصيباً، ومن الحديثِ شيئاً، ومن الفقهِ قَدْراً، ومن العقيدة وجميع العلوم يدرُسُونها في آنٍ واحد على ترتيبهم لطبقات المُتعلِّمين، فالمبتدؤُون لهم كتب، والمُتوسِّطُون لهم كُتب، والمُنتهون لهم كُتب، فبهذه الطريقة يدرسُ من القرآن مثلاً في حال كونِهِ مُبْتدئاً المُفصَّل يحفظُ هذا القَدْر من القرآن، ويحفظُ متْناً صغيراً في الحديث، ومتْناً في العقيدة، ومتْناً صغيراً في الفقه، ومتناً في علوم الآلة من اللُّغة بفرُوعها، وأُصُول الفقه وعلوم الحديث وغيرها، ثُمَّ بعد ذلك ينتقل إلى كُتب الطَّبقة الثَّانية أو الثَّالثة وهكذا، قد يقول قائل: إذا قرأت في أكثر من علم في وقتٍ واحد يَتَشَتَّت ذهني، ولا بُدَّ أنْ أحْصر جُهْدِي في كِتابٍ واحد، في فنٍّ واحد، نقول: لكَ ذلك، ابدأ بالقرآن فاحْفظْهُ، اضْمن حفظ القرآن، ثم احفظ من السُّنَّة بعض المُتُون المُرتَّبة عند أهل العلم احفظ الأربعين، ثُمَّ العُمدة، ثُمَّ البُلُوغ، ثمَّ بعد ذلك اتَّجِهْ إلى علم الفقه والاستنباط، فتحفظ مَتْناً صغيراً، ثُمَّ الذِّي يليه، ثُمَّ الذِّي يليه على طريقةٍ شرحناها مراراً في كيفيَّة التَّفقُه من كُتب العلم، ثُم بعد ذلك اتَّجِه إلى العقيدة، أو قدِّم بعضها على بعض على حسب ما يَتَيَسَّر لكَ من عُلماء تُلازِمُهُم يُحْسِنُون التَّعامل معك في سنِّك، فإذا كُنتَ مِمَّن يَتشتَّتْ فاقْتَصِر على علمٍ واحد، وإنْ كنتَ مِمَّنْ يستوعب، ويَمَلّ لو اقتصر على علمٍ واحد؛ فَنَوِّع، والنَّاس يَخْتَلِفُون في هذا.