جاء في الحديث الصحيح من قصة جريج أنه كان يصلي فنادته أمه: يا جريج، فقال: أمي وصلاتي، يستخير فيما يُقدِّم منهما، ويذكر أنه في حرج من هذا التعارض، فلم يجبها، ثم نادته ثانية، ففعل مثل ذلك، ثم نادته الثالثة، ثم دعت عليه ألا يموت حتى يرى أو ينظر في وجوه المومسات، وحصل له ذلك في قصة مشروحة في (صحيح البخاري) [1206] وغيره، فهذا الحديث مما استدل به بعض العلماء على أن النافلة تُقطع إذا دعته الأم؛ لأن إجابة دعوتها واجبة والنافلة على اسمها نافلة مستحبة لا يعارَض بها الواجب، ومنهم من يقول: تُكمَل خفيفة؛ للنهي عن إبطال العمل، والله -جل وعلا- يقول: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣].
وعلى كل حال دعوة الأم لا بد من إجابتها، ولو قطعها -نظرًا لتعارض الواجب مع النفل والواجب مقدَّم- لكان له وجه، ومن استدل بالآية في عدم إبطال العمل، وقال: إن قصة جريج في شرع من قبلنا فالمسألة في محل نظر، وبكلٍّ من الأمرين قال بعض العلماء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دعا أُبيًّا وهو يصلي فلم يجبه، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: لماذا لم تجب؟ قال: إني كنت في صلاة، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] [البخاري: 4647]، يعني ولو كنت في الصلاة، فهذا قد يُستدل به أنه إذا تعارَض الأمر الواجب كأمره -عليه الصلاة والسلام- مع النافلة أنها تُقطَع النافلة، ومثل هذا إذا دعاه أحد أبويه ممن تجب إجابة دعوته فيقطع النافلة، وهو في سعة من ذلك -إن شاء الله تعالى-.