الزيارة الشرعية: هي التي يُقصد منها انتفاع الزائر ونفع المزور، فينتفع الزائر بالاعتبار والادِّكار والاتعاظ وتذكر الموت، وينتفع المزور بالدعاء له، هذا بالنسبة للزيارة الشرعية فهي نافعة للزائر.
وزيارة القبور لا شك أنَّها من أنفع الأشياء لقلب المسلم، فحينما يكون عنده شيء من الغفلة فإنه إذا زار القبور وتذكر الموت فإنه يحصل له شيء من الانتفاع القلبي كما في قوله -جل وعلا- : {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1-2]، لكن مما يؤسف له أن كثيرًا من المسلمين يزور المقبرة، ويشيع الجنائز، ويصلي على الجنائز، وقد يشارك في تغسيل الأموات ومع ذلك قلبه فيه شيء من القسوة لا يَلين بسبب هذه المناظر التي رآها، ولا يدَّكِر ولا يعتبر، وذلك بسبب الران الذي غطى على القلوب. وللقرطبي -رحمه الله- في تفسير سورة التكاثر كلام نفيس جدًّا حول هذا الموضوع حينما تعرض لتفسير قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}، وبعض الناس مع الأسف -ويوجد هذا في صفوف المتعلمين- يقف على شفير القبر ولا يتحرك منه ساكن ولا يتحرك منه شعرة، وكأنه وقف على أي حفرة من الحفر التي هي شبيهة بهذه الحفرة إلا أنها من الحفر العادية، المقصود أنه على الإنسان أن يعالج قلبه، وأن يستحضر ما جاء من أجله، وأن يعتبر ويدَّكِر بحال هؤلاء الذين كانوا قبل موتهم أهل صولة وجولة وأهل أثر في الحياة، ثم بعد ذلك لما ماتوا آل أمرهم إلى الحال التي يعرفها كل مسلم من أنهم لا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا، ولا يجلبون لها نفعًا بعد أن ماتوا وفارقت أرواحهم أبدانهم، فكيف ينفعون غيرهم؟! وهنا ندخل في الزيارة البدعية الممنوعة التي يحصل فيها من الزائر بعض الأمور المنكرة التي منها ما هو بِدع، ومنها ما هو شرك، فقد يزور من ينتسب إلى الإسلام القبورَ ليطلب المدد من المقبورين، هذا شرك -نسأل الله العافية-، وقد يتبرَّك بالتراب الذي على القبر، وقد يَحدث منه أشياء، هذه زيارة ممنوعة، فالمرجو والمطلوب والمدعو هو الله -جل وعلا-، وهذه عبادات خاصة لا يجوز صرف شيءٍ منها للمخلوق الذي لا يستطيع في مثل هذه الحالة أن يدفع عن نفسه فكيف يدفع عن غيره؟!
المقصود أن المسلم إذا زار القبور وانتفع وتذكر الموت، وكفى بالموت واعظًا، ودعا لإخوانه ودعا لأحبابه وأقاربه من الأموات فإن هذه تكون زيارة مشروعة، وأما إذا تعدَّى ذلك إلى الأمور الممنوعة من البدع والشرك وغير ذلك مما يحصل من بعض من ينتسب إلى الإسلام فإن هذا أمر محرم لا يجوز. وأشار القرطبي -رحمه الله تعالى- إلى أنه إذا كانت زيارة القبور لا تُحرِّك القلب ولا تؤثر فيه فعليه أن يشاهد المحتضرين فإنهم أشد أثرًا من الأموات، لكن ما كل أحد يتسنى له مشاهدة محتضر، ولكن زيارة القبور متيسرة ولله الحمد، وقد جاء الأمر بها «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» [ابن ماجه: 1569]، «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» [مسلم: 977]، فعلى هذا ينبغى للمسلم ألَّا يغفل عن هذا الباب؛ لأنه علاج للقلب القاسي، لكن هل من مُدَّكر؟ فإنا قد رأينا من يتكلم بكلام لا قيمة له –لغو- على شفير القبر، ووجدنا من يتطاول على غيره، وسمعنا من يغتاب، وسمعنا من يتكلم بكلام قبيح، فأين هذا من الاعتبار؟ وأين هذا من الادِّكار؟