)جامع الأصول( لأبي السعادات ابن الأثير الجزري يجمع بين أصول كتب السنة: (الصحيحين) و(أبي داود) و(الترمذي) و(النسائي) و(الموطأ)، فجَعَل سادس الكتب (موطأ الإمام مالك) خلافًا لابن طاهر وغيره الذين جعلوا السادس (ابن ماجه)، ومنهم من يجعل السادس (الدارمي)، وعلى كل حال الكتاب الذي نتحدث عنه وهو (جامع الأصول) جَعَل السادس (موطأ الإمام مالك)؛ اقتفاءً لأثر رزين العبدري في (تجريد الأصول) حيث جعل السادس (الموطأ)، وكذلك ابن الأثير فهو يجمع هذه الكتبَ الستةَ الأصول، ورتَّب الأحاديث على الأبواب والكتب، ثم رتَّب الكتب على الحروف، فتجد الزكاة قبل الصلاة؛ لأن حرف الزاي قبل الصاد، وهكذا، فهو مرتَّب على الكتب والأبواب، وهذه الكتب على الحروف، وهذا فيه تيسير لمن أراد أن يصل إلى الكتاب الذي يريده عن طريق تتبع الحروف ومعرفة مواضعها، ولكن في تقديري لو رُتِّب كترتيب أصوله على الأبواب والكتب، والترتيب على ترتيب أهل العلم في البدء بالإيمان، ثم العلم، ثم الطهارة، ثم الصلاة، إلى آخر أبواب العبادات، ثم المعاملات، ثم أبواب المناكحات، ثم الجنايات، ثم بقية أبواب الدين كما فعل البخاري وغيره، يُرتِّبون الأبواب على حسب الترتيب المتَّبع المتَّفق عليه عند أهل العلم في ترتيب العبادات، ثم المعاملات، ثم إلى آخر الأبواب، هذا الحاصل من ترتيبه، وعندنا ترتيبٌ له بجهد فردي من بعض طلاب العلم بتكليفي وإشرافي، رتبْنا (جامع الأصول) على أبواب (البخاري) كما قام ابن عروة فرتَّب أحاديث (المسند) على أبواب (البخاري)؛ لأن (البخاري) موجود بأيدي طلاب العلم كلهم، وترتيبه متداول بين أهل العلم، فهو أيسر مما لو رُتِّب على الصحابة كـ(المسند)، أو على الحروف كـ(جامع الأصول).
(جامع الأصول) طُبع أكثر من مرة، منها طبعة أنصار السنة المحمدية على نفقة الملك سعود -رحمه الله- في اثني عشر مجلدًا، ثم طُبع بدار الملاح بتحقيق الشيخ الأرنؤوط، وهي طبعة جيدة محقَّقة ومخرَّجة، وعندي أنها أفضل من طبعة أنصار السنة؛ لأنها ليس فيها عناية بالتخريج ولا بالتصحيح، بينما طبعة الأرنؤوط مخدومة من هذه الحيثية، فطالب العلم إذا اقتناها يستفيد منها كثيرًا.
ومما تجدر الإشارة إليه بالنسبة لـ(جامع الأصول) أنه لا يعتمد على الأصول، بل اعتماده على المستخرجات مثل: الحُميدي في (الجمع بين الصحيحين)، والبيهقي في (سننه الكبرى)، يعتمدون على المستخرجات ولا يعتمدون على الأصولِ، والأصلُ هي الأصول لكن قد تبحث عن حديث معزوٍّ لـ(لبخاري) فتقابله بما في (صحيح البخاري) فتجد بعض الاختلاف، وما ذلكم إلا لأن هؤلاء يعتمدون على المستخرجات، ولذا يقول الحافظ العراقي:
والأصل.......................... |
| ................................. |
يعني: أصل الحديث.
والأصل يعني (البيهقي) ومَن عزا |
| وليتَ إذ زادَ الحُميدي ميَّزا |
لماذا؟ لأنهم يعتمدون على فروع لا على الأصول، فلو أن ابن الأثير اعتمد على الأصول أو قام مَن يتبرع من أهل الخبرة بمقابلة أحاديث (جامع الأصول) وتطبيقها على أصولها، وذِكر الأصل أو الإشارة في الحاشية بأن يقال: [كذا في (جامع الأصول)، والذي في (البخاري) كذا، والذي في (مسلم) كذا] لكان جهدًا طيبًا يستفيد منه طلاب العلم، وعلى كل حال الكتاب نافع رغم هذه الملحوظات، فهو نافع لطلاب العلم، يُقرِّب بين يديهم الأصول الستة.
والفرق بين الأصول وبين المستخرجات يقول الحافظ العراقي:
واستخرَجوا على الصحيحِ كأبي |
| عوانةٍ ونحوهِ فاجتنبِ |
عزْوَك ألفاظَ المتونِ لهما |
| إذْ خالفتْ لفظًا ومعنىً ربما |
وما يزيدُ فاحكمنْ بصحتِهْ |
| فهو مع العُلُوِّ مِن فائدتِهْ |
الأصل معروف: (البخاري) (مسلم) (أبو داود) (الترمذي) (النسائي) (ابن ماجه) (الموطأ) وغيرها من الكتب، هذه أصول.
والمستخرَج: أن يأتي عالم محدِّث له أسانيد إلى أصل من الأصول كـ(البخاري) مثلًا، فيُخرِّج أحاديث (البخاري) بأسانيده هو من غير طريق (البخاري)، وحينئذٍ يوجد اختلاف بين روايته هو بالطريق التي اعتمدها من غير طريق (البخاري) وبين رواية (البخاري)، فيوجَد بعض الفروق في الألفاظ وهذا كثير، وفي المعاني وهذا أقل.
.......................... |
| إذْ خالفتْ لفظًا ومعنىً ربما |
لكن هذه الزيادات يقول الحافظ العراقي: (وما يَزيد) يعني المستخرِج، أو (ما تَزيد) هذه المستخرَجات.
وما يزيدُ فاحكمنْ بصحتِهْ |
| فهو مع العُلُوِّ من فائدتِه |
يقول: هذه الزيادات التي وُجدتْ في المستخرجات على أصولها حكمها الصحة؛ لأن أصل الخبر في الصحيح، ولكن هذا الكلام ليس بدقيق، وهذا تَبِع فيه ابن الصلاح ولكنه ليس بدقيق؛ لأنه قد توجد زيادة جملة في المستخرَج مروية من غير طريق الصحيح، فلا يُحكم بصحتها، إنما يُحكم عليها بحسب ثبوت إسنادها الذي أورده المستخرِج، فالكلام ليس بدقيق.
وفوائد المستخرجات تَقرب من عشر يطول المقام بذكرها والتمثيل لها.