هذا الحديث رواه البخاري معلقًا، لكنه بصيغة التمريض، والمعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، وقال فيه الإمام البخاري -رحمه الله-: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» [البخاري تعليقًا: باب إذا جامع في رمضان]، ومعلوم أن المعلقات في صحيح البخاري –وهي تزيد على ألف وأربعمائة حديث معلق- كلها موصولة في الصحيح نفسه ما عدا مائة وستين، أو مائة وتسع وخمسين لم يصلها البخاري في موضع آخر، فالموصول في الصحيح لا يحتاج إلى بحث، فالعبرة بالموصول ولا ينظر في المعلق، أما بالنسبة لهذه المواضع اليسيرة -مائة وستين، أو مائة وتسع وخمسين- التي لم توصل في موضع آخر فهذه هي التي تحتاج إلى بحث، فمنها ما يرويه الإمام البخاي بصيغة الجزم، قال فلان، أو ذكر فلان، أو قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أو قال عمر، أو ما أشبه ذلك بصيغة الجزم فهذه صحيحة إلى من أُبرِزْ، فنسبتها إلى من ذُكر صحيحة، وأما بالنسبة إلى من حُذِف من رجال الإسناد فهذا المحذوف يضمنه البخاري إذا جزم بنسبته إلى من عُلِّق عنه، وأما إذا ذكره بصيغة التمريض كما في الحديث الوارد في السؤال "يُذكر عن أبي هريرة رفعه" فإن كان ضعفه شديدًا بينه البخاري، فيقول مثلًا: «ويذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح» [البخاري: 848]، أما إذا كان الضعف محتملاً فلا يبينه.
وفي المعلقات التي تذكر بصيغة التمريض ما هو صحيح على شرط البخاري؛ لأن أهل العلم وصلوا أسانيد المعلقات، فالحافظ ابن حجر له كتاب اسمه (تغليق التعليق) ذكر فيه أسانيد الأحاديث المعلقة بكاملها، فمنها ما هو صحيح على شرط البخاري مروي في كتب الأئمة بأسانيد خرج لهم البخاري، ومنها ما هو صحيح على شرط مسلم، ومنها ما هو صحيح على شرط غيرهما، ومنها الحسن، ومنها الضعيف إذا كان بصيغة التمريض، وعلى كل حال فالمعلقات محل بحث عند أهل العلم.
هذا الحديث الذي أخرجه البخاري معلقًا بصيغة التمريض وصله أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوِّس عن أبيه عن أبي هريرة –رضي الله عنه-، قال الإمام الترمذي: حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا (يعني محمد بن إسماعيل البخاري) يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس، ولا أعرف له غير هذا الحديث. وقال ابن خزيمة في صحيحه: إن صح الخبر فإني لا أعرف ابن المطوس ولا أباه. وقال ابن عبد البر في التمهيد: هو حديث ضعيف لا يحتج بمثله. وقال ابن القيم في (تهذيب السنن) نقلاً عن الدارقطني: ليس في رواته مجروح. لكن هذه العبارة لا تنفي أن يكون فيهم مجهول؛ لأن الجهالة قد تطلق ويراد بها عدم العلم بحال الراوي، فعدم العلم بحاله ليس جرحًا له؛ لأنه إذا لم يعلمه هذا الذي حكم عليه بالجهالة يعلمه غيره، وقد تطلق الجهالة ويراد بها جرح الراوي، فالدارقطني يقول -فيما نقله ابن القيم-: ليس في رواته مجروح. وكون أبو المطوس لا يعرف لا يعني أنّه مجروح، لكن يبقى الخبر في دائرة التوقف حتى تعرف حال أبي المطوس، وإذا فُتِّش في بطون كتب رجال الحديث ولم يوقف له على تعديل فإن حديثه لا يقبل؛ لأنه لا يقبل إلا أحاديث الثقات. فهو لا يعرف بجرح ولا عدالة، ويقال في هذا ثلاثة أقوال: أبو المطوِّس، وابن المطوِّس، والمطوِّس، تفرد بهذا الحديث، قال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الروايات، وقال ابن حجر في (تغليق التعليق) وفي (فتح الباري): قال البخاري في (التاريخ): تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا. فهذا الحديث فيه -كما قال أهل العلم- ثلاث علل: فيه الاضطراب، وجهالة حال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة –رضي الله عنه-، والذي يظهر من مجموع كلام أهل العلم -والله أعلم- أنَّ هذا الحديث ضعيف.