طالب العلم يلازِم علماء بلده قبل غيرهم، فإذا أخذ ما عندهم كما هو المعتاد فيمن سلف في صدر هذه الأمة ومَن جاء بعدهم حينئذٍ يرحل لطلب العلم، والرحلة في طلب العلم سنة معروفة عند أهل العلم، وأُلِّف فيها المؤلفات، وطالب العلم إذا أخذ ما عند علماء بلده من العلم رَحَل، و-مثل ما قلنا- الرحلة في طلب العلم أمر معروف ومشهور عندهم، لكن لا يَبدأ بالرحلة قبل أن يأخذ ما عند علماء بلده، هذا إذا كان فيهم من أهل العلم مَن تُظَن فيه الإفادة، أما إذا لم يوجَد فإنه يرحل إلى أقرب البلاد إليه ممن يظن فيه الإفادة.
وفي وقتنا هذا صارت الدروس تُنقَل عبر الأجهزة والآلات الحاسوبية التي وُجدتْ في عصرنا فيسَّرتْ كثيرًا على طالب العلم الذي لا يستطيع الرحلة، وإلا فالأصل أن يرحل إلى العالم ويَمثُل بين يديه ويزاحم بالركب، وحينئذٍ يُكتب له ما جاء في حديث «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» [مسلم: 2699]، لكن ما كلُّ الناس تتيسر لهم الرحلة، أو يتيسر لهم أمر دخول بعض البلدان التي قد يكون ممنوعًا من دخولها، على كل حال هذه أمور لا يَدَ لطالب العلم فيها، فعليه أن يطلب العلم على أهل العلم الموثوقين الراسخين ولو عن طريق الآلات، فيسمع الدروس في الإنترنت ويكون معه المتن والشيخ يشرح، ويستمع للشرح ويعلِّق الفوائد على هذا المتن، فالأمور تيسَّرتْ كثيرًا -ولله الحمد-، هكذا يطلب العلمَ البعيدُ عن منابع العلم ومحل وجود أهل العلم.
والكتب التي يُنصَح بقراءتها كما هو معلوم عند أهل العلم على حسب ترتيبه في طبقات المتعلمين: إن كان من أهل الطبقة الأولى –المبتدئين- فلهم كتب بُيِّنَتْ في مواضعها، ولنا في ذلك أشرطة -والحمد لله- كلها موجودة، وإذا كان من المتوسطين فلهم كذلك كتب في مختلف الفنون والعلوم، وكذلك طبقة المتقدمين من طلاب العلم.
وبالنسبة لكتاب (المحرَّر) يقول: (هل يصلح لمبتدئٍ أم هو للمتقدمين في مراحل الطلب)؟ (المحرر) إن كان القصد به (المحرر في الحديث) لابن عبد الهادي فهذا لا شك أنه بعد أن يحفظ الطالب (الأربعين النووية) و(عمدة الأحكام) لا مانع أن يعتمد على (المحرر) لابن عبد الهادي في الحديث، وهو موازن ومساوٍ لـ(بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر، وفي هذا ما ليس في هذا، يعني يتفقان تقريبًا في ثمانين بالمائة، ثم ينفرد (بلوغ المرام) بزيادة أحاديث وآثار في الأبواب، وينفرد ابن عبد الهادي بزيادة في التخريج والأحكام على الحديث وبيان بعض العلل، فإن اعتمد (المحرر) أضاف الزوائد من (بلوغ المرام)، وإن اعتمد (البلوغ) حفظه وقرأ ما كُتب عليه وسمع الدروس عليه وأخذ الزوائد التي في (المحرر) مما لا يوجد في (بلوغ المرام)، وهكذا يُقارن بين الكتابين ويأخذ زوائد أحدهما على الآخر بعد أن يعتمد أحدَ الكتابين.
وإن كان المراد بـ(المحرر): (المحرر في الفقه) لمجد الدين ابن تيمية فهو كتاب يعتبَر للمتوسطين، لا يصلح للمبتدئين، فهو في عداد (المقنِع) لابن قدامة للمتوسطين –كما ذكرنا-.