في الحديث الصحيح المخرج في (صحيح مسلم) وغيره عن ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» [مسلم: 2188]، وعند أحمد وغيره عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخزار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلًا أبيض، حسن الجسم، والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة! فَلُبِطَ بسهل، فَأُتِيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه، وما يفيق، قال: «هل تتهمون فيه من أحد؟» قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرًا، فَتَغَيَّظَ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت؟» ثم قال له: «اغتسل له» فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صُبَّ ذلك الماءُ عليه، يصبه رجل على رأسه، وظهره من خلفه، يُكْفِئُ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. [أحمد: 15980].
قوله: «وإذا استغسلتم فاغسلوا» يدل على الأمر بالغسل، والأصل في الأمر الوجوب. وقصةُ سَهْل بن حُنَيْف مع عامر بن ربيعة –رضي الله عنهما- هذه فيما إذا عُرف العائن وتحدد فإنه يُطلب منه ولا يُطلب من غيره، وأما إذا لم يُعرف فإنه يُطلب الاستغسال من أكثر من واحد حتى يغلب على الظن أن العائن واحد منهم، وإذا طُلب الاستغسال من أكثر من واحد فإنه ينبغي أن يكون الطالب نبيهًا بحيث لا يسلك أسلوبًا يوغر الصدور، بل يُشعر من طَلب منه الاستغسال أنه لا يتهم أحدًا بعينه، وإنما هو يتسبب في شفاء مريضه، ولعل العائن يكون ممن طُلب منه الاستغسال، فيشفى المريض بإذن الله، كما حصل لسهل بن حنيف –رضي الله عنه- في استغسال النبي -عليه الصلاة والسلام- له عامر بن ربيعة –رضي الله عنه-.