أما بالنسبة لسجود التلاوة فجماهير أهل العلم على أنه سنة، وقيل بوجوبه، وهو معروف عند الحنفية ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن عامة أهل العلم على أنه سنة.
ومما يتعلق بسجدة التلاوة: مسألة التكبير لها، فمَن يرى أنها صلاة والصلاةُ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم يقول: يُكبِّر في أولها تكبيرة إحرام، وإذا رفع منها يُكبِّر ويُسلم؛ لأنَّها صلاة، والذي يرى أنَّها ليست بصلاة يقول: لا يُكبِّر لا في أولها ولا في آخرها؛ لأنها مجرد سجود، ويتم ذلك بوضع جبهته وأعضائه السبعة على الأرض، هذا بالنسبة لما هو في خارج الصلاة، أما إذا سجد داخل الصلاة، بأن قرأ آية سجدة ثم سجد في الصلاة فلا مانع أن يكبر للهُوِيّ وللرفع من السجدة؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يُكبِّر مع كل خفض ورفع، وهذا يدخل في عمومه.
ومما يتعلق بسجود التلاوة والناس بحاجة إليه: إذا مر بآية سجدة في وقت النهي، هل يسجد أو لا يسجد؟ لا شك أن الذي يقول: إنه صلاة يمنع من السجود؛ لإنه جاء النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة الخمسة، والذي يقول: إنه ليس بصلاة، يقول: له أن يسجد في أي وقت كان حتى في الأوقات المضيَّقة؛ لأنه ليس بصلاة، والنهي إنما جاء عن الصلاة، لكن يبقى أن هناك مسألة دقيقة جدًّا وهي أنّه إذا نُهي عن الصلاة لئلا يُشابه المشركين في سجودهم للشمس عند طلوعها وغروبها، ونُهي عن الصلاة التي تخالف سجود المشركين بما فيها من قيام وركوع وجلوس -والمشابهة في جزء منها- فالمنع مما يتم فيه تمام المشابهة ومطابقة المشابهة في سجدة مفردة لا يسبقها ركوع ولا قيام ولا جلوس يكون من باب أولى، وهذا شيء ينبغي أن يُتنبَّه له، فالذي يقول: إنها ليست بصلاة لا إشكال عنده في أن يسجد في أي وقت كان ولو كان عند غروب الشمس أو عند طلوعها، مع أنَّه ينبغي أن يُنهى عن السجدة المفردة أولى من أن يُنهى عن الصلاة؛ لأنَّ بها تتم المشابهة والمطابقة لصنيع المشركين الذي من أجله ورد النهي عن الصلاة في هذه الأوقات. وأنا عندي في الأوقات المضيَّقة التي عُرف عن المشركين أنهم يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها، وحين يقوم قائم الظهيرة، أقول: في هذه الأوقات المضيَّقة لا يسجد، وأما في الوقتين الموسعين فالأمر في ذلك سهل، لو سجد لا يُلام.