الأصل أن العلم مُشاع لا يُملك؛ ولذا يختلفون في جواز الأجرة على التعليم، ولكن المُرجَّح أنها جائزة، فإذا جاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله» [البخاري: 5737] جاز أخذ الأجرة على ما سواه من باب أولى، والمسألة مبحوثة في كتب المصطلح، وأطالوا فيها.
وعلى كل حال العلم في الأصل لا يُملك، وهو مشاعٌ بين مُريديه من طلبة العلم، لكن إذا تعب أحد على شيء فله أن يأخذ على أتعابه ما يُناسب تلك الأتعاب، فمثلًا: يؤلِّف كتابًا ويطبعه ويبيعه، لا مانع من ذلك؛ لأنه تعب عليه، أو يُحقِّق كتابًا ويطبعه ويأخذ مقابل أتعابه أو أرباحه، لا مانع من ذلك.
وإذا كان طبع الكتاب أو تحميله يترتَّب عليه ضرر بالنسبة لمن تعب عليه وأنفق عليه الجهد والمال، فإنه حينئذٍ لا بُد من استئذانه، وإذا كتبوا: (حقوق الطبع محفوظة)، فلا يجوز أن يُتعدَّى ذلك إلا بإذن مَن تعب؛ لئلا يتضرر؛ لأن الضرر لا بُد من إزالته، ولكن في الجملة إذا كان لا يتضرَّر فليس له أن يمنع.
أما الأمور الجزئية كمن أراد أن يُصوِّر ملزمةً من هذا الكتاب، فهل يستأذن صاحب الكتاب وهو منشور مطبوع مُتاح مُشاع للناس كلهم؟ لا يلزم؛ لأنه لا يتضرَّر بذلك، وإذا أراد أن ينسخ نسخةً يستعملها فكذلك، لكن إذا أراد أن يطبع أو ينسخ كميَّةً يُتاجر بها ويتضرَّر بها صاحب الكتاب فهذا لا يجوز؛ لأن من حقه أن يأخذ مقابل أتعابه، وإذا كان الكتاب في طبعته الأولى يُباع بقيمةٍ مناسبة للأتعاب، ثم يأتي مَن يصوِّره أو يطبعه طبعة ثانية بأقل التكاليف، ثم يتضرَّر الذي تعب على الكتاب فمثل هذا لا يُقَر.
فالذي يتَّجه أن الإنسان إذا أراد أن ينسخ جزءًا من كتاب أو نسخةً من كتاب بحيث لا يتضرَّر مَن تعب عليه فإنه حينئذٍ لا بأس، وإن كان ينسخ أو يطبع أو يُحمِّل نُسخًا تجارية بعددٍ يتكسَّب مِن ورائه ويتضرَّر به مَن تعب عليه، فإن هذا لا يجوز، والله أعلم.