هذا السؤال من هذه المرأة يتضمن الدعوى ضد ضرتها الثالثة وبنات ضرتها الأولى، ولسنا بصدد إثبات هذه الدعوى أو نفيها بقدر ما يهمنا من نفس الموضوع بغض النظر عن الأشخاص، فنحن يهمنا أن الرجل تساهل مع زوجته الأخيرة، وتركها تتبرَّج، وبناته قلدن المرأة الثالثة، وصِرن يلبسن القصير، لا شك أن هذا فيه نوع تضييعٍ للأمانة، والله –جلَّ وعلا- يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، ليحذر المسلم أن يقع في مثل هذا الوعيد الشديد {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، فيجب على الأب وعموم من استرعاه الله على أحد أن ينصح لمن استرعاه الله عليه، ولا يغشهم، ولا يخون هذه الأمانة أو يُفرِّط فيها، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} قال: "بالعلم"، يعني: علِّموهم، وبالعلم يتحصَّن الناس من المخالفات والمعاصي.
وفي (البخاري) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته» [البخاري: 893].
وعلى كل حال الواجب على أولياء النساء من الرجال الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يتقوا الله –عزَّ وجلَّ- فيما استرعاهم، وألا يُفرِّطوا في محارمهم، وألا يُمكنوهنَّ من ارتكاب المحرمات أو ترك الواجبات، فهذا من الأمانة التي حُمِّلوها، وعليهم أن يرعوها حق رعايتها، ولا يُفرِّطوا في شيءٍ من ذلك.
وأما بالنسبة لاختيار الزوجة وأهمية ذلك في تربية الأبناء، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها» ثم قال –عليه الصلاة والسلام-: «فاظفر بذات الدين، تَرِبَتْ يداك» [البخاري: 5090]؛ لأن المرأة إذا كانت ديِّنة أعانتك على أمور دينك ودنياك، وحفظتك في نفسها ومالك وعِرضك، هذه صاحبة الدِّين، وإذا نكحها لأمرٍ آخر غير الدين وفرَّط في الدين فإنه لا يلوم إلا نفسه.
وقد حصل نماذج تورَّط فيها من اختار الجمال -مثلًا- أو غيره من المقاصد -كالمال والحسب- على الدين، فالدين رأس المال. ومما يُذكَر في هذا أن عمران بن حطان، وهو رأس من رؤوس الخوارج كان من أهل السُّنَّة، وعلى الجادة، فرأى امرأةً فائقة في الجمال فخطبها، وقالوا: إنها من الخوارج لا تُناسبك، وأنت على الجادة من أهل السُّنَّة، فقال مثل ما يُعلِّل الناس اليوم بما معناه أن الدين والعقيدة بالدعوة: سوف أحاول دعوتها، ثم نكسب الحُسنيين، لكن ما الذي حصل؟ وما النتيجة؟ النتيجة أنه اعتنق رأي الخوارج، وصار من رؤوسهم، فبدلًا من أن يدعوها دعتْه، والمرأة عندها قوة جاذبية تغلب الرجل أحيانًا، «ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ» [البخاري: 304]، فالإنسان يحرص على رأس ماله الذي هو الدين، ولا يُفرِّط فيه ولا يتساهل فيه، والله المستعان.