المقاطعة إذا كان لها أثر ونكاية في العدو العادي الظالم البادئ بالظلم فلا شك أنها تكتسب الشرعية من هذه الحيثية، فإذا كان فيها نكاية لهم فلا شك أنها شرعية، وليس بأيدينا غير هذا الأسلوب.
ومع ذلك قد يقول قائل: إننا قاطعنا أناسًا ليسوا هم أهل المعصية؟ نقول: متى يُؤطر مثل هذا على ترك هذه الأذية إلا بواسطة قومه، فقومه هم الذين يضغطون عليه، ومعروفٌ أن الذي ينقض العهد واحد، فما يلزم أن تكون كل الأمة المعاهَدة تنقض العهد، فيُعاقبون من أجل واحد، لماذا؟ لأنهم لم يأخذوا على يده، والرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما قاتل أهل خيبر وإن كانوا في الأصل معاهدين، لكنهم نقضوا عهدهم بإخفاء الذهب الذي يحوزه حُيي بن أخطب عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان مَسْك ثور [أبو داود: 3006]، يعني: جلدَ ثور مملوءًا ذهبًا، وهل يُتصوَّر أن جميع أهل خيبر أخفوه؟!
على كل حال مثل هذا إذا كان فيه نكاية لهذا العدو البادئ الظالم، ولا يوجد وسيلة غيرها فهي تكتسب الشرعية من هذه الحيثية، من أجل أن يَضغط هؤلاء الذين تضرروا على قومهم، وإلا فقومهم لن يحسبوا لنا أي حساب؛ لأننا في نظرهم أمة مستضعفة. ونحن ما ظلمناهم حينما قاطعناهم، ولا اعتدينا عليهم، المقصود أن مثل هذا أولًا: لا يترتَّب عليه ظلم للغير، فكوني أشتري من فلان أو من فلان، أو من الشركة الفلانية أو من الشركة الفلانية، أو من البلد الفلاني أو من البلد الفلاني، أنا حر، لكن كونه يُعتدى على نبينا -عليه الصلاة والسلام- من قِبلهم، ونذهب بطوعنا واختيارنا ونشتري من بضائعهم! أبدًا. فمثلًا: لو قدَّرنا أن بقالتين أمام بيتك، وهما سواء، وكل واحد من البائعيْن مسلم، وبين والدك أو أخيك أو ابنك سوء تفاهم مع أحدهما، وتركتَ الشراء منه، وذهبتَ تشتري من الثاني، فهل يمكن أن تُلام على هذا؟! هل أنت ظلمتَه، أو اعتديتَ عليه، أو أتلتفتَ ماله، أو نلتَ من عرضه؟ أبدًا، فكوني أختار هذا؛ لأنه ما آذاني، لا أُلام عليه، وهذه الأمة الدنماركية آذتنا بلا شك، والذي لا يغضب ولا يغار على عرض نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا في إيمانه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- خلل بلا شك، فكوننا نختار الشراء من هذا البلد دون ذلك البلد لا يعني أننا ظلمناهم بوجهٍ من الوجوه، فلنا الخيار، ولا أحد يُلزمنا بالشراء من هؤلاء أو من هؤلاء، والمَثل ظاهر فيما مثَّلنا من البقالتين، لكن للخلاف بين البائع في أحدهما وبين قريبي، أتركه وأشتري من الثاني، أيش المانع؟ لا يوجد ما يمنع، ولا يترتب على ذلك أدنى ضرر للآخر.
والشركات التي أبدت اعتذارها، وعملتْ ما يمكن عمله في إزالة هذا المنكر وهذا العدوان، لا شك أنهم من باب مكافأة المحسن يقال لهم: أحسنتم، ولا يُقاطعون، لكن إذا كان الأمر أنهم مجرد اعتذروا، فيبقى النظر راجعًا إلى مَن يُقرِّر النظر في المصالح والمفاسد العامة والخاصة، فهؤلاء كونهم اعتذروا وجروا على الاعتذار مع أن دولتهم رفضت الاعتذار، لا شك أن مقاطعتهم لها حظٌّ من النظر؛ باعتبارهم جزءًا مُؤثِّرًا من هذا البلد، وأيضًا ترك المقاطعة له وجه؛ لتحذو بقية الشركات حذوهم، لا سيما إذا عرفنا أن هذا الاعتذار مصحوب بعملٍ لإزالة هذا المنكر.