استشعار العبادات عمومًا هو لبُّها وهو روحها، فشخص يصلي ولا يدري ما الصلاة، وشخص يصوم ويوم صومه ويوم لهوه سواء لا فرق بينهما، ويعتكف وكأنه في استراحة، ويحج وكأنه في نزهة، مثل هذا لا يمكن أن يستشعر، فإذا لم يكن اتصاله بالله -جل وعلا- وثيقًا في سائر عمره فإنه لن يعان على هذا، فعلى الإنسان أن يتعرَّف على الله -جل وعلا- في الرخاء؛ ليعرفه في الشدة.
وفي السنة هذه في العشر الأواخر من رمضان وُجد مَن يصلي من بعد صلاة التراويح إلى صلاة التهجد بدون فاصل، يصلي ركعتين ركعتين، لكن بدون فاصل، هذا توفيق من الله -جل وعلا-، هل يوفَّق لمثل هذا مَن شَغَل أوقاته باللهو، ولا يعرف الوتر إلا ركعة أحيانًا، وأحيانًا لا يُعان عليها؟ مثل هذا لا يُعان على مثل هذا في الأوقات الفاضلة، وقد رأينا من الصالحين من يستغل الوقت من بعد صلاة التراويح إلى أن عدنا لصلاة التهجد وهو رافع يديه يدعو الله -جل وعلا-، كيف يُعان على مثل هذا وهو في سائر وقته لا يعرف الله -جل وعلا- إلا بجسده دون قلبه وروحه؟ ندخل المسجد وكأننا داخلون ملهى -نسأل الله العافية-، ويسهو الإمام ويتجاوز أحيانًا آياتٍ ونحن لا نشعر، والإمام نفسه أيضًا قد يقرأ الآيات المؤثرة ولا يتأثر، ولا أحد من المأمومين يتأثر، وإذا تأثَّر الإمام وبكى في بعض آية تجد تكملتَه للآية كـلا شيء، يعني: قد يبكي في جزء من الآية، ثم يُنهي باقي الآية على شيء من التعتعة، لكن الآيات الأخرى التي تليها كأن شيئًا لم يحصل، هل هذا تأثُّر؟!
وقد عُرف من حال السلف أن الإنسان إذا خشع في صلاته أو في تلاوته في الليل يُعاد في النهار، فنحتاج إلى مراجعة، والصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر هذه بدون لُب، والصيام الذي لا يدل على التقوى هذا بدون لُب.
وفي قوله -جل وعلا-: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] رَفْع الإثم لمن؟ {لِمَنِ اتَّقَى}، وهل هذا خاص بالمتأخِّر، أو يشمل المتأخِّر والمتعجِّل؟
يشمل الجميع، فلا يُرفع الإثم عن الجميع سواء تعجَّل أو تأخَّر إلا إذا اقترن حجُّه بالتقوى، ورَفْع الإثم هنا كقوله -عليه الصلاة والسلام-: «رجع كيومَ ولدتْه أُمُّه» [البخاري: 1521]، والذي لا يستشعر مثل هذه الأفعال وهذه المناسك ولا يعظمها حق تعظيمها ما عظَّم الله -جل وعلا-، ولا وُجدتْ تقواه في قلبه، وتعظيم الشعائر من تقوى القلوب، والإنسان يدخل العبادة على أيِّ هيئة! فشخص يدخل المسجد والناس يصلون –وهو ملتحٍ وظاهره الصلاح-، فينتظر شخصًا آخر إلى أن سلَّم الإمام؛ خشية أن يخرج قبله إن دخل في الصلاة؛ لأنه فاته بعض الركعات، فكلَّمه ثم عاد يصلي! هذا حصل. ويأتي شخص -مثلًا- من المواضئ حاسرًا رأسه، شماغه على كتفه، وعقاله على يده، ويَصُفُّ ويصلي ركعة وهو لم يلبس شماغه بعد، ولم يعدَّل عقاله، ولم يسدل أكمامه على يديه، ولا شيء من ذلك! مثل هذا هل يستشعر عظمة هذه العبادة؟ فلا بد من الاستشعار، ولا بد من استحضار القلب؛ لتُؤتي هذه العبادات ثمارها، ولا يقول قائل: إن هذه العبادات باطلة ليست صحيحة لا بد من إعادتها، لا، العبادة عمومًا إذا اشتملت على شروطها وأركانها وواجباتها صحَّتْ، وسقط بها الطلب، لكن هل تُؤتي الثمرة التي من أجلها شُرعتْ؟ هل حقَّق العبودية التي من أجلها خُلق، على مراد الله -جل وعلا-؟ هذا خلل كبير، ومثل هذا عُرضة لأن ينحرف، فلا بد أن يتصل المسلم بالله -جل وعلا-، وأن تكون صلته به وثيقة في حال شدَّته ورخائه.