لا شك أن هذه الخصومة إذا تضمَّنتْ مظلمة من أحدهما للآخر، أو من كلِّ واحدٍ منهما لصاحبه، بحيث تزيد مظلمة أحدهما على الآخر، أما إذا تساوت المظلمتان، وتم اقتصاص كل واحدٍ منهما للآخر، فهذه تمحو هذه، لكن يبقى أنه إذا زادت المظلمة مِن قِبَل أحدهما على الآخر، فإنه لا بد أن يُقتص منه لصاحبه.
ولا شك أن عدم السماح لمن أتى معتذرًا نادمًا حرمان للطرفين، حرمان لهذا الشخص الذي لم يَقبل العذر، وما يدري ما عند الله -جل وعلا- من ثوابٍ له ومحوٍ عن سيئاته؛ بسبب هذا التجاوز، فالله -جل وعلا- خير مَن تجاوز وعفا، فمَن عفا عُفي عنه، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، وإذا أصرَّ إلَّا أن يُخاصم صاحبه في يوم العرض على الله -جل وعلا-، فلا شك أنه محروم، حرم نفسه وحرم أخاه.
ولا شك أن هذه معصية من المعاصي، قد يُؤاخذ بها، وهي أشدُّ من حقوق الله -جل وعلا-؛ لأن حقوق العباد مبنيَّة على المشاحَّة، وقد يُرضي الله -جل وعلا- خصمَه، فيقوم هذا الرضا بمقابل هذه الخصومة وهذه المظلمة، ويتجاوز الله -جل وعلا- عن الظالم، وإن كانت حقوق العباد في الجملة مبنيَّة على المشاحَّة.