وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما الوساوس والأمراض التي جرَّتْ إليها هذه الوساوس، وانتشارها في هذه الأزمان، فشيء لا يخطر على البال، أمراض تُشبه الجنون، فسائل يسأل ويقول: إنه يمكث في الوضوء خمس ساعات، ولكل عقدة من عقد أصابعه نيَّة مستقلة! ونقول له: يا أخي توضأ من غير نية، فيقول: (لا، النية شرط)، نقول: نعم، لكن مجرد ذهابك للوضوء هذه هي النية، والنية التي تقصدها أنت لسنا بحاجة إليها، فالنية المشترطة في الشرع هي بمجرد ذهابك إلى مكان الوضوء، وفتح صنبور الماء، ووضع الماء في يديك، وغسلها، هذه هي النية الشرعية.
ويأتي شخص في الساعة الثامنة صباحًا في أيام الشتاء، وحينئذٍ يكون قد مضى على صلاة العشاء ثلاث عشرة ساعة، يقول: (مازلتُ إلى الآن أُحاول أن أُصلي العشاء، ولم أستطع)، هذا لا شك أنه ضرب من الجنون، وفي بدايته يتساهل الإنسان، وقد يكون باعثه الحرص والتحرِّي مع الجهل، فديننا -ولله الحمد- دين التوسُّط في الأمور كلها، لا يرضى من الإنسان أن يتساهل في أمر دينه ويُفرِّط، كما أنه لا يرضى منه أن يُفْرِط ويُشدِّد على نفسه، والطهارة والصلاة أمر مشروح في الشرع، بيَّنه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أكمل وجه، ولا يجوز للإنسان بحال أن يزيد في غسل الأعضاء على ثلاث مرات، وإذا شكَّ هل غسل العضو مرتين أو ثلاثًا، يجعلها ثلاثًا، ولا يجعلهما اثنتين، لماذا؟ لأنه إذا جعلها ثلاثًا، وهي في الحقيقة ثلاث، أصاب السنة، وإن كانتا اثنتين، فقد أصاب السنة أيضًا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- «توضأ مرتين مرتين» [البخاري: 158]، لكن إذا جعلهما اثنتين، وزاد ثالثة، ثم صارت في الحقيقة رابعة، فنقول: خرج من السنة إلى البدعة، فكونه يرجع إلى سنة، أفضل من كونه يزيد إلى أن يصير في حيِّز البدعة.
وعلى كل حال على الإنسان أن يجاهد نفسه، ويعصي الشيطان، ولا يسترسل معه؛ لأن الشيطان بصدد تكثير السواد معه في النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فإن استطاع أن يَجرَّ الإنسان إلى الوراء، بالتفريط بالواجبات وارتكاب المحرمات، إلى أن يخلعه ويسلخه من دينه، فهذا هو المطلوب، وإن لم يستطع دفعه إلى الأمام؛ ليخرجه عن الدين من الجهة الأخرى، فهو حريص أشدَّ الحرص، فعلى كل مسلم أن يحتاط لهذا الأمر، وإذا أحسَّ من نفسه بدايات فيتخفَّف ويترخَّص، ويعمل أقلَّ الواجب؛ لأنه يوجَد من الناس مَن يغسل العضو عشر مرات، ويقول: إنه يغسله من باب الاحتياط، نقول: لا يا أخي، هذا ليس باحتياط، بل هذه بدعة، والاحتياط -كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى- إذا أدَّى إلى ارتكاب محظور، أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، نعم، التحرِّي مطلوب، والتثبُّت مطلوب، لكن في إطار ما شرعه الله -جل وعلا-، فلا يجوز أن نزيد على ما شرع، ومن مقتضى الإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، وألَّا يُعبَد الله إلَّا بما شرع؛ لأن الإنسان إذا تعبَّد بغير ما شرعه الله -جل وعلا- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- فقد وقع في أمر خطير، وقد يجرُّه هذا إلى الخروج من الدين بالكلية وهو لا يشعر.
فهذا الوسواس القهري يُذكر له عند الأطباء عقاقير وعلاج، ينبغي أن تُستعمل إذا جُرِّبَتْ ووُجدتْ نافعة، وأيضًا على الإنسان أن يَصدق في لَجئه إلى الله -جل وعلا-، ويسأله بصدق، وينطرح وينكسر بين يديه؛ ليخلِّصه من هذا الداء وهذا الوباء، والله المستعان.