أولًا: إذا كان المدح يُؤثِّر في النفس فهو ممنوع، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمَن مدح أخاه في وجهه: «ويحك، قطعتَ عنق صاحبك» [البخاري: 2662]، وإذا كان لا أثر له في نفس الممدوح فإنه حينئذٍ يجوز، وقد حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن مدح بعض الناس في وجهه، ومُدح بعض الناس في وجهه بحضرته -عليه الصلاة والسلام- ولم يُنكِر، فهذا إذا لم يكن له أثر، وإذا كان هذا المدح يُؤثِّر في النفس إعجابًا فهذا لا يجوز ألبتة، وعلى هذا فإذا مُدح الشخص في وجهه، وهو يعلم من نفسه أنه يتأثَّر فعليه أن يُرد، والجزاء من جنس العمل، والوقائع تدلُّ على أن مَن رضي بالمدح أنه يسمع الذم، فإن مُدح بما فيه، وهو يسمع ولا يستدرك، فسوف يسمع الذم بما فيه، وإن مُدح بما لا يوجد فيه، ورضي بذلك وسكت، فإنه سوف يسمع من الذم والقدح مما ليس فيه الشيء الكثير؛ جزاءً وفاقًا.
ولعلاج العجب الذي يورثه هذا المدح على الإنسان أن ينظر في حقيقة نفسه، وفي عظمة ربه، فإذا نظر إلى حقيقة نفسه، وأنه مركَّب من نقصٍ مركَّب، وأنه مشتمل ومنطوٍ على خلال وعلى خصال حسنها من الله -جل وعلا-، وسيِّئها من نفسه، فإذا نظر إلى حقيقة نفسه على وجه البصيرة والتأمُّل، فإن ذلك العجب سوف ينطرد عنه بالكلية. وابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول ما معناه: (إذا حدَّثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين علمك أنه لا أحد ينفع مدحه، أو يضر ذمُّه إلَّا الله -جل وعلا-)، فإذا تصوَّرنا هذا وأن الخلق مدحهم لا ينفع، وذمهم لا يضر ولا يُغيِّر من الواقع شيئًا، فإن هذا لا يُؤثِّر في الحقيقة، وإذا نظر الإنسان إلى حقيقة نفسه، وأنه مخلوق ضعيف مجبول على النقص، ونظر في عظمة خالقه، ونظر في أدلة وجوده ووحدانيته، وفي الأدلة الدالة على ألوهيته، فلا شك أنه يذلُّ لربه وينكسر بين يديه، وكلما كان الإنسان بربه أعرف، وإليه أقرب، كثُر ذلُّه وانكساره وانطراحه بين يدي الله -جل وعلا-. وكثرة العبادات الخاصة، من صلاة، وصيام، وذكر، وتلاوة للقرآن، على الوجه المأمور به، هذا من أنفع ما يُعرِّف الإنسان بنفسه.