لا شك أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- معصومون من أن يقعوا في كبيرة، لا سيما بعد البعثة، أما قبل بعثتهم والإيحاء إليهم، فيقع منهم، فقد وقع القتل من موسى -عليه السلام-، ووقع غيره من غيره، لكنهم بعد البعثة معصومون، ولا يعني هذا أنهم لا يجتهدون ويؤدِّيهم اجتهادهم هذا إلى خلاف الأولى، لكنهم مع ذلك إذا اجتهدوا وتوصَّلوا باجتهادهم إلى خلاف الأولى، كما حصل في قصة غنائم بدر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، مع ذلك عُوتبوا ووجِّهوا إلى الأولى.
أما كونهم تقع منهم ذنوب ومعاصٍ فهم معصومون، على خلاف بين أهل العلم في الصغائر، لكن في الجملة هم معصومون.
وأما ما يتعلَّق بالتبليغ فهم معصومون من أن يقع منهم الكذب عن عمدٍ، ومعصومون من الخطأ، وهذا محلُّ اتفاق بين أهل العلم. وقد يقع منهم السهو، والنسيان، والنوم عن الصلاة، وهذا مع ندرته إنما حصل منهم على سبيل التشريع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، ومع ذلك نام عن صلاة الصبح حتى أيقظهم حرُّ الشمس، وهذا من أجل أن تكون سنة فيمن بعده، وتشريعًا لمن فاتته الصلاة وخرج عليه وقتها من غير قصد، أن يفعل كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه أيضًا تسلية لأتباعه الحريصين على اتِّباعه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو لم يحصل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- فماذا سيكون وضع مَن تفوته الصلاة من أهل الحرص والتحرِّي؟ لا شك أنه سوف يتقطَّع أَسى وحسرة؛ لأنه فاتته الصلاة، لكن يتسلَّى بكون النبي -عليه الصلاة والسلام- فاتته الصلاة وخرج وقتها وهو نائم، فهذا تشريع من جهة، وفيه أيضًا تسلية لأتباعه -عليه الصلاة والسلام-.