كتاب الديات من المحرر في الحديث - 03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم..
طالب: ............
لا، في حديث..
اقرأه..
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف- رحمه الله-:
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى»، رواه أحمد وابن ماجه والنسائي، واللفظ له، والترمذي وحسنه.
ولأبي داود: «دية المعاهَد نصف دية الحر».
وللنسائي: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها»، رواه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو وقال: إسماعيل ضعيف كثير الخطأ.
وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عقل شبه العمد مغلَّظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في عمْياء في غير..»."
مخفف أم مشدد عندك؟
مخففة.
الميم ماذا عليها؟ الميم ماذا عليها؟
عليها سكون.
مشددة عمِّيِّاء.
عمِّيِّاء.. أحسن الله إليكم.
"«فتكون دماء عِمِّيِّاء في غير ضغينة ولا حمل سلاح». رواه أحمد وأبو داود.
وعن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وفي إسناده اختلاف.
وعن حجاج عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك قال: سمعت ابن مسعود يقول: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين ابن مخاض وعشرين ابن مخاض ذكورًا وعشرين بنت لبون وعشرين جذعة وعشرين حقة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي وقال: الحجاج بن أرطاة ضعيف لا يحتج به، وقد بالغ الدارقطني في تضعيف هذا الحديث وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه.
وعن عكرمة عن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: قتل رجل رجلاً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ديته اثني عشر ألفًا، وذلك قوله- عز وجل-: {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة التوبة:74] في أخذهم الدية. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وهذا لفظه، وقال: الصواب مرسل، وقال أبو حاتم بعد أن رواه مرسلاً: المرسل أصح، والله أعلم.
قال -رحمه الله-:
باب القسامة:
عن سهل بن أبي حثمة، عن رجال من كبراء قومه، عن عبد الله بن سهل ومحيِّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيِّصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتِل وطُرِح في عين أو فقير، فأتى يهود فقالوا: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى أتى على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حُوَيِّصة، وهو أكبر منه، وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيِّصَة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمحيصة: «كبِّر كبِّر»، يَريد السن.."
يُريد السن.
"يُريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إما أن يدُّوا..»."
يدُوا، يَدُوا..
أحسن الله إليك.
"«إما أن يدُوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب»، فكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» قالوا: لا، قال: «فتحلف لكم يهود؟» قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده، فبعث إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة ناقة حتى أُدخلت عليهم الدار فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعند البخاري: عن سهل بن أبي حثمة، وهو ورجال من كبراء قومه، وعنده عبد الرحمن بن سهل، فذهب ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر.
قال- رحمه الله-: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود. رواه مسلم."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده وروسله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأحاديث التي قرئت قبل باب القسامة تم شرحها في الدرس الماضي، ووقفنا في الشرح على "باب القسامة".
والقسامة أيمان؛ لأن القَسَم اليمين، {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} [سورة الواقعة:76]، يعني يمين، فهي أيمان تُطلَب من عصبة القتيل؛ ليستحقوا دم قتيلهم أو ديته، وعدة هذه الأيمان خمسون يُقسِم بها ويحلفها عصبة القتيل، كما سيأتي في حديث الباب، فإذا أقسموا بعد أن تتوافر الشروط الأربعة القسامة يوجد قتيل، يوجد قتيل، ولا بيِّنة على قتله، كما حصل في القصة لعبد الله بن سهل، حيث قُتِل بخيبر، ولم يكن لدى أخيه عبد الرحمن ومحيِّصة بيِّنة، لكن قُتِل بين اليهود، فمن الذي يقتله؟ ومعلوم وجود العداوة والبغضاء بين اليهود بالنسبة للمسلمين، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ} [سورة المائدة:82]، ما يتصور أن يقتل بخيبر وليس فيه إلا اليهود، إلا من قِبَل اليهود، نعم فيه احتمال وهو ضعيف جدًّا، ولا يوجد بين الصحابة، قد يوجد في العصور المتأخرة أن يسافر الأخ مع أخيه إلى بلاد كفر وبلاد حرب بلاد أعداء، ثم يصير بين الأخوين شيء من الضغينة والشجار والنزاع فيقتل أخاه، ثم يقول: قتله الأعداء.
مثل هذا لا يُقبَل؛ لأن القسامة لها شروط أربعة؛ أولاً: أن تكون الدعوى على قتل، يعني إزهاق روح ما تكون في طرف، يدِّعي أنه قطع يد أخيه، أو أنهم قطعوا يد أخيه أو رجله، أو فقؤوا عينه لماذا؟
لأن الأخذ ينبئ عن نفسه، يقيم دعواه على المدعى عليه، لكن هنا القتيل لا يمكن أن ينبئ عن نفسه وعصبته لم يحضروا القتل، فلا بد أن تكون في نفس كاملة لا في طرف.
الشرط الثاني: أن تكون على شخص معيَّن، سيأتي في الحديث أنه لا بد من توجيه الدعوى إلى شخص معين في تفصيل اليهود ثم بعد ذلك.
الشرط الثالث أن يتفق الأولياء في الدعوى لا يخلتف الأولياء فيها.
ولا بد من الشرط الرابع وهو وجود اللوْث، وهو العداوة الظاهرة، أو القرينة القوية التي تقرب من البينة، فالقرائن قد يُلجأ إليها أحيانًا ويُحكَم كما قرر ذلك أهل العلم، ومنهم ابن القيم في الطرق الحكمية: لو جاء شص حاسر الرأس يدعي، وليس من عادته أن يمشي حاسر الرأس، يدَّعي على شخص آخر أنه أخذ عمامته، والمدعى عليه على رأسه عمامة، وبيده عمامة، فهذه قرينة، أو يدعي عليه أنه أخذ إحدى نعليه، وهي بيده، والنعل الثانية التي معه نفس الصناعة ونفس الرقم ونفس.. وهكذا لا بد أن يوجَد لَوْث، بيِّنة قوية، قرينة قوية، أو عداوة ظاهرة، منهم من اقتصر على العداوة الظاهرة، كما جاء كما هو مدلول هذا الحديث عداوة ظاهرة بين المسلمين واليهود، والآية نص في ذلك.
قال -رحمه الله-: "عن سهل بن أبي حثمة، عن رجال من كبراء قومه، عن رجال من كبراء قومه"، الحديث متفق عليه، والرجال معيَّنون أو مبهمون؟
مبهمون، والإبهام جهالة، لا تقبل رواية المبهم إلا إذا نص على وصفه بأنه صحابي، عن رجال من كبراء قومه، لو قيل: صحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى الإشكال، ولو واحد، لكن هذا يؤيد قول من يقول: إن الإبهام في مثل هذه الصورة إذا كانوا جماعة فإن بعضهم يجبر بعضًا، فإن بعضهم يجبر بعضًا. في ابن عدي حينما روى قصة البخاري في قلب الأحاديث عليه في بغداد في قصة القلب لمائة حديث قال ابن عدي: حدثنا عدة من شيوخنا، وذكر القصة، بعضهم قال: هذه القصة يرويها ابن عدي عن مجاهيل، فلا تُقبل، والمحقَّق أنها تقبل؛ لأن شيوخ ابن عدي علماء، وعددهم عدة، يعني أكثر من واحد واثنين، عدة يعني جمع، هذه الجهالة تنجبر بهذا العدد الذي يجبر بعضهم بعضًا، والذي عندنا عن رجال من كبراء قومه، من كبار في القَدر والسن، ومثل هؤلاء بمجموعهم يثبت الخبر، والغالب أنهم صحابة.
"أن عبد الله بن سهل ومُحَيِّصَة خرجا إلى خيبر خرجا إلى خيبر" خيبر سكانها يهود، "من جهد أصابهم"، من سببية، يعني بسبب الجَهد أي المشقة وضيق المعيشة، خرجوا يطلبون الرزق، خرجوا إلى خيبر، وخيبر بلد فيها الزراعة بأنواعها، ويكثر فيها التمور، فيجدون ما يقتاتون هناك. "من جَهد أصابهم، فأُتي مُحَيِّصَة وأُخْبِر أن عبد الله بن سهل، فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل"، كأنهما لما دخلا خيبر، واحد مسك طريقًا، والثاني مسك طريقًا آخر، يتسببون في لقمة العيش التي خرجا بسببها، هذا مسك طريقًا وهذا مسك طريقًا.
"فأتي محيصة وأُخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عَيْن أو فَقِيْر"، قالوا: الفقير بئر قريبة ماؤها، قريب جدًّا، وليست عميقة.
"فأتى يهود" محيصة أتى يهود، "فقال: أنتم- والله- قتلتموه"، حلف إيش؟ هل رآهم يقتلونه؟ وإنما حلف على غلبة الظن، وإنما حلف على غلبة الظن، والحلف على غلبة الظن جائز، الذي وقع على امرأته في رمضان حلف عند النبي -عليه الصلاة والسلام- قائلاً: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، ما أنكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هو يجزم أن جميع البيوت بمفرداتها كلهم لا يوجد فيهم أفقر منه؟
إنما غلب على ظنه ذلك، فالحلف على غلبة الظن لا كفارة فيه، ولو تبين فيما بعد أن فيهم أفقر منه.
"فقال: أنتم- والله- قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، والله ما قتلناه"، تقوله اليهود، "ثم أقبل حتى أتى على قومه، ثم أقبل حتى أتى على قومه، فذكر لهم ذلك"؛ لأن حويصة ومحيصة مع عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل أبناء عم متقاربون أقبل على قومه فذكر لهم ذلك، "ثم أقبل هو وأخوه حُوَيِّصَة، وهو أكبر منه"، حويصة أكبر من محيصة، وهما أكبر من عبد الرحمن بن سهل أخي القتيل، "ثم أقبل هو وأخوه حويصة، وهو أكبر منه، وعبد الرحمن بن سهل" يعني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "فذهب محيصة ليتكلم" لماذا؟
بدأ محيصة؛ لأنه كان معه في السفر، وشهد القصة بعينه، وهو الذي باشر القصة، وهو أعرف الناس بها، ذهب يتكلم؛ لأنه يرى أن له الحق في الكلام؛ لهذا الاعتبار.
"فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمحيصة" الذي أراد أن يتكلم: «كبِّر كبِّر»، هذا محيِّصة، وأخوه حويِّصة. قد يقول قائل: ما الذي ألجأهم إلى هذه الأسماء؟! العرب كانوا لا يكترثون بالأسماء، لا يكترثون بها، وسموا أسماء يُضحك منها، سموا بأسماء الحشرات، سموا بأسماء الحشرات، فهم لا يكترثون، مع أن انتقاء الاسم الذي لا يعاب به الشخص فيما بعد ينبغي للوالد أن ينتقي الاسم؛ لأن العرب يعتبرون أسماء الأولاد للأعداء، يخوفونهم بهذه الأسماء، وهذا لا حقيقة له، وإن كان هذا.. لكن يسمون بأسماء الحشرات؟!
ومازال في البادية، لاتزال في البادية هذه النزعة، جُرِيْذي تصغير جرذي موجود الآن، موجود يسمونه، وجُعَيْلان وغير ذلك من الأسماء التي حقيقة تنبي عن عدم اكتراث وعدم اهتمام، وهناك أسماء فاضلة جاء تفضيلها في النصوص، فينبغي اعتمادها والإكثار منها وأسماء معانيها صحيحة في اللغة، ولا تشتمل على مخالفة شرعية، وهناك أسماء فيها مخالفات شرعية، وسمي بها، فيجب تغييرها كما غير النبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء بعض الصحابة.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمحيصة: «كبر كبر»، يريد السن"، يعني ليتكلم وليبدأ بالكلام الأكبر أولاً، والبداءة بالأكبر أمر مقرَّر في الشرع، والسن له دور في الأولية والأولوية "«كبر كبر» يريد السن، فتكلم حويصة".
حويصة ما حضر، لكنه سمع القصة من أخيه، "ثم تكلم محيصة"، يعني لو قلنا: إن أولى الناس بالكلام إما أن يكون محيصة؛ لأنه حضر أو عبد الرحمن بن سهل؛ لأنه أخو القتيل، لكن الشرع يقرر البداءة بالكبير، يقال: كبِّر كبِّر، ولذا إذا لم يترتب الناس وجيء بشيء لهم فإنه حينئذ يُبدأ بالأكبر، كبِّر كبِّر، وإذا ترتبوا فبالأيمن كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أعطى الماء الأعرابي الذي عن يمينه وعن يساره أبو بكر، وفي رواية عن يمينه ابن عباس، وهو شاب صغير لم يحتلم بعد، وعن يساره أبو بكر، هذه اعتبارات شرعية لا بد من أخذها بعين الاعتبار.
"فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة" أخوه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إما أن يَدُوْا صاحبكم»" يعني يدفعوا الدية، يعني اليهود، «وإما أن يُؤْذِنُوا بحرب، وإما أن يؤذنوا بحرب»؛ لأن هذا القتل فيه نقض للعهد، لكن هل هو ثابت ليُعمَل بهذه القاعدة الشرعية؟ هو مجرد دعوى «إما أن يدوا صاحبكم» يدفعوا الدية، «وإما أن يؤذنوا بحرب»، وهل انتهت القصة بأن دفعوا الدية، أعني يهود أو حاربهم النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
لا، انتهت القصة بأن وداه النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع ديته النبي -عليه الصلاة والسلام-، «إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب».
"فكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك"، كتب لليهود إما أن تدفعوا دية هذا القتيل، وإما أن تؤذنوا بحرب تعلنون الحرب؛ لأن عهدكم انتقض.
"فكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون؟»" يعني قسامة «خمسين يمينًا»، كما في بعض الروايات: «خمسين يمينًا»، وجاءت بذلك بعض الروايات عند مسلم: تحلفون خمسين يمينًا على شخص من اليهود أنه قتله، على شخص من اليهود بأنه هو القاتل تحلفون خمسين يمينًا؟ هل يستطيع مسلم أن يحلف هذه الأيمان على شيء لم يشهده؟
يتورع، وإن كانت القرينة قوية أن اليهود قتلوه، وهذا قد يُجزَم به، لكن من القاتل منهم؟ لا بد أن يعيَّن، ولذا من شروط القسامة أن تكون على شخص بعينه إذا حلفتم خمسين يمينًا على شخص بعينه حُكم لهم بثبوت دمه على هذا الشخص، فيخيرون بين قتله أو أخذ ديته، «أتحلفون» الأيمان المطلوبة الخمسين «وتستحقون دم صاحبكم، وتستحقون دم صاحبكم؟» "قالوا: لا"، لماذا قالوا: لا؟
لأنهم لم يحضروا، لم يحضروا القتل، ولا يعلمون القاتل بعينه، وإن كانت غلبة الظن أنهم هم الذين قتلوه، ويكاد يصل إلى حد الجزم، لكن من القاتل منهم، لا يُعرَف. "قالوا: لا، قال: «فتحلف لكم يهود»"، يعني يحلف اليهود خمسين يمينًا أنهم ما قتلوه، "قالوا: ليسوا بمسلمين، ليسوا بمسلمين"، لا يتورعون عن الحلف بالكذب، لماذا؟
لأنهم ليسوا بمسلمين، في رواية: وكيف يحلف قوم كفار؟! لن يتورعوا، وتوجَد قضايا كثيرة في المحاكم من هذا النوع يكون المدعى عليه غير مسلم، والمدعي مسلمًا، وليست لديه بينة، يقول القاضي للمدعي: أحضر البينة، يقول: والله ما عندي بينة، «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر».
طيب المنكِر هذا غير مسلم، كيف تتوجه إليه اليمين؟ يقبل المسلم إذا قيل يحلف ويبرأ من الدعوى؟ الكافر يحلف؛ لأنه ما بعد الشرك ذنب، ولذلك بعض القضاة الذين عندهم شيء من الدهاء والذكاء يعرفون كيف يستنبطون الحق من غير المسلم؛ لأن أيمانهم لا تنفع في هذا، لا يستطيع القضاء أن يحلفهم بغير الله من معبوداتهم، لا يجوز له ذلك، لكن يتحايل على صيغة مباحة، الذي يعبد البقر مثلاً، وهي قضية عين، عنده أمانة فأنكرها، وليس للمدعي بينة، فأُحضر عند القاضي فقال القاضي: ائتوني بسكين، لما اتجهت اليمين على هذا عابد البقر، ائتوني بسكين، جاء بسكين فقال: اقبضها بيدك قال له: قل: ورب البررة، يمين بالله هذا، مهلك الفجرة إن كان المال عندي لآخذن السكين وأذبح البقرة، قال: مال يدفع، بقرة ما يذبح!
فمثل هذه يخرج بها من هذه المآزق يقول الكافر ماذا يحلف؟! كما جاء في الحديث ليسوا بمسلمين حينئذ، فلا يتورعن عن اليمين، فلا نرضى بأيمانهم.
"فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- أي دفع ديته -عليه الصلاة والسلام-، "من عنده"، وظاهر هذا أنه دفع الدية من ماله -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في بعض الروايات أنه وداه بمائة من إبل الصدقة، أنه وداه بمائة من إبل الصدقة، وتكلم بعضهم في هذه الرواية مع أنها في الصحيح، فوداه من إبل الصدقة، فقالوا: كيف يديه من إبل الصدقة والزكاة لا تُصرف في مثل هذا؟ لها مصارفها المعروفة، فقال بعضهم: إنه اشترى مائة من إبل الصدقة، من ماله -عليه الصلاة والسلام-، ودفعها لأولياء القتيل، فيصح أنه وداه من ماله، وأنها من إبل الصدقة، ولا يترتب على ذلك المحظور الذي اعترض به بعضهم.
ولو قيل بأن الصدقة أعم من أن تكون زكاة، أعم من أن تكون زكاة مفروضة التي لا تُصرف إلا إلى الأقسام الثمانية، الأصناف الثمانية المنصوص عليها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [سورة التوبة:60] إلى آخر الآية، الصدقة أعم من أن تكون زكاة مفروضة، بل يحتمل أن تكون صدقة مسنونة، وليست بمفروضة، وحينئذ يجوز صرفها في مثل هذه الحالة.
وعلى كل حال هذا الحاصل.
"فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده"، والرواية الأخرى وهي في الصحيح من إبل الصدقة.
وعرفنا ما اعتُرض به على هذه الجملة، وما أجيب به.
الحاصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دفع ديته؛ لأن دم المسلم لا يذهب هدرًا. ولذا قالوا: إذا مات المسلم في زحام في طواف في الجمرة في أوقات الزحام، في أوقات الذروة، من التدافع عند أبواب الجوامع الكبار، أو في الليالي ليالي الزحام في الحرمين مثلاً يحصل شيء من هذا قالوا: هذا تدفع ديته من بيت المال، لا يذهب دمه هدرًا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ودى هذا القتيل.
"فبعث إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة ناقة حتى أُدخلت عليهم الدار فقال سهل" سهل ابن..؟
طالب: ..........
نعم..
"فلقد ركضتني منها ناقة حمراء" يعني ركضتني، رفستني برجلها، ناقة حمراء يدل على أنه ضبط الحديث، إذًا كيف يروي الحديث عن كبراء من قومه وهو حاضر القصة، قد يحضر النتيجة، وهذه النوق بعد أن سُلِّمَت لأهلها، ولا يحضر القصة من أولها فيرويها عن غيره عن كبراء قومه كما ذكر، وهذا التفصيل الذي ذكره ناقة ركضتني، وحمراء، يدل على ماذا؟ أنه ضبط الحديث وأتقنه، وصار على ذكر منه تفصيلاً، فذكر القصة في الخبر تدل على ضبط الراوي لهذا الخبر. "فلقد ركضتني منها ناقة حمراء" أهل العلم في كتب علوم الحديث يقولون: إن ذكر القصة وذكر سبب ورود الحديث يدل على أن الراوي ضبط هذه القصة وأتقنها.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعند البخاري: عن سهل بن أبي حثمة هو ورجال، عن سهل بن أبي حثمة هو ورجال من كبراء قومه" أولاً هو هنا غير لازمة؛ لأنه معطوف على ظاهر، وليس على ضمير رفع متصل ليُفصَل بالضمير المنفصل، وسهل مجرور، وهو ضمير رفع هو ورجال من كبراء قومه، صار سهل بن أبي حثمة يروي الحديث كما يرويه هؤلاء الرجال من كبراء قومه، فالحديث يرويه بدون واسطة، وفي الرواية الأولى يقول: عن رجال من كبراء قومه، فهو يروي الحديث عنهم، وفي الرواية الثانية يرويه أصالة معهم، فلا نحتاج إلى الكلام السابق.
وعلى كل حال سواء رواه بدون واسطة أو رواه بواسطة مجموعة يروي بعضهم بعضًا ترتفع بذلك الجهالة عنهم كما قدمنا، لا فرق.
"وعنده" يعني عند البخاري في هذه الرواية.
"وعبد الرحمن بن سهل، فذهب ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، عبد الرحمن بن سهل فذهب ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر"؛ لأنه في بعض الروايات أن الذي يخبر عبد الله بن سهل ومحيصة، وفي بعض الروايات تدل على أنه مع عبد الله الذي قتل محيصة وعبد الرحمن أخو عبد الله، "وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود".
يعني قصة محيصة ومن معه السابقة، يعني أقر القسامة وطبَّقها، فهي مشروعة بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، وبفعله.
"وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار" وهذان من الفقهاء السبعة فقهاء المدينة السبعة "سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار"، وهذا الرجل كونه لم يُسمَّ لا يضره؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية" مقتضى ذلك أن الجاهلية كانت موجودة قبل الإسلام، وأنها بهذه الصفة وبعدد الأيمان، مع أن العلماء يختلفون هل كانت الأعداد الخمسون هي قسامة الجاهلية أو تختلف في ذلك؟
فكثير منهم يقول: لا يلزم أن تكون بنفس الصورة، لا يلزم أن تكون بنفس الصورة.
"أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود".
البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه بباب قال فيه باب القسامة في الجاهلية باب القسامة في الجاهلية، وننظر في صحيح البخاري هو معنا.
قال -رحمه الله-: باب القسامة في الجاهلية، وهذا الباب ضمن كتاب مناقب الأنصار، ضمن كتاب مناقب الأنصار، يعني القسامة في الجاهلية، يعني ما للأنصار بها علاقة، لكن قصة القتيل عبد الله بن سهل وحويّصة ومحيّصة من الأنصار، من هذه الحيثية أدخلها في كتاب مناقب الأنصار، ثم أورد حديثًا بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم، يعني هذه القسامة التي في الجاهلية. كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى؛ لأن بني هاشم من قريش، من فخذ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال له: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالاً فشد به عروة جوالقه، فلما نزلوا عُقِلَت الإبل إلا بعيرًا واحدًا، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير الذي لم يعقل من بين الإبل، قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصا كان فيها أجله. أين عقاله؟ هو الذي أعطاه الثاني، تبرع به لهذا السائل الذي قال: أغثني، وترك هذا البعير بدون عقال، فجاء صاحب الإبل المستأجر فقال: أين العقال؟ كأنه لم ينتظر الجواب، قال: فأين العقال؟ قال: فحذفه بعصا كان فيها أجله، فمر به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما شهدته..
ماذا؟!
طالب: ............
قال: وربما شهدته؛ لأن الكلمة ما هي بواضحة؛ لأن الطبعة سقيمة، قال: هل أنت مبلِّغ عني رسالة مرَّة من الدهر؟ هذا في الجاهلية، قال: نعم، قال: فكتب إذا أنت شهدت الموسم فنادِ بآل قريش، يا آل قريش، فإذا أجابوك فنادِ يا آل بني هاشم، فإن أجابوك فاسأل عن أبي طالب، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال، لعله قال ذلك قبل أن تخرج روحه، هذا متعين، ما يمكن أن يتكلم بعد أن قتله، كان فيها حتفه، كانت فيها منيته، يعني لم يكن في الحال، ومات المستأجَر، فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض، فأحسنت القيام عليه، فتوليت دفنه، قال: هل كان أهل ذاك منك؟ فمكث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلِّغ عنه وافق الموسم فقال: يا آل قريش، قالوا: هذه قريش، قال: يا بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة، أن فلانًا قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال له: اختر منا إحدى ثلاث، إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فأنت قتلت صاحبنا، وإن شئت حلفت، وإن شئت حلف خمسون من قومك، وإن شئت حلف- هذه القسامة- وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، وإن أبيت، قتلناك به، فأتى قومه فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين، ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلاً ليحلفوا مكان مائة من الإبل، يصيب كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما مني.
يقول: خذ البعيرين ولا أحلف، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقَبِل منهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا.
قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده، ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف، نسأل الله العافية. وفي الثمانية والأربعين الذين حلفوا على أنه لم يقتلهم ما فيهم عين تطرف.
شأن الحلف بالله عظيم، ليس الأمر بالسهل أن يُحلَف بالله العظيم على إهدار دم، وإن كانوا في الجاهلية.
وقريب من هذا ما يقال في المباهلة، قال العلماء في كتب التفسير: إنه ندر أن تمر سنة على المباهِل الكاذِب وهو حي.
من جنس هذا.
من هذا الباب ذكر الإمام البخاري قصة غريبة، قال: حدثنا نُعيم بن حماد قال: حدثنا هُشيم عن حُصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قِرَدة قد زنت فرجموها، فرجمْتُها معهم.
طالب: ..........
هذا في الصحيح، في البخاري عن عمرو بن ميمون قال: رأيتُ في الجاهلية قردة اجتمع عليها قِرَدة، يعني مجموعة من القردة، قد زنت فرجموها، فرجمتها معهم. انظر ماذا قال الشارح في هذه القصة.
قوله: حدثنا نعيم بن حماد، في رواية بعضهم: حدثنا نعيم غير منسوب، وهو المروزي نزيل مصر، وقلَّ أن يخرج له البخاري موصولاً، بل عادته أن يذكر عنه بصيغة التعليق، ووقع في رواية القابسي: حدثنا أبو نعيم، وصوَّبه بعضهم، يعني الفضل بن دكين شيخ البخاري، وصوَّبه بعضهم، وهو غلط.
قوله: عن حصين، في رواية البخاري في التهذيب..
"