كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 10

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "عَن عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»".

وهذا الحديث المتفق عليه من رواية أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهُزلي بن أم عبد الصحابي الجليل الذي قال عنه النبي –عليه الصلاة والسلام-: «مَن أراد أن يَقرأَ القرآنَ غضًّا كما أُنْزِلَ، فليَقرأ بقراءةِ ابنِ أمِّ عبدٍ». هذا ما قاله النبي –عليه الصلاة والسلام- في حقه، وقد تمادى بعض الظلمة الطُّغاة من الأمراء حتى قال: وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد بضلع خنزير، نسأل الله العافية.

يقول عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ -رضي اللَّه عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ» إغراء، «عَلَيْكُمْ» يُغرينا النبي –عليه الصلاة والسلام- بلزوم الصدق، «فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ» الصدق: مطابقة القول للواقع، ويُقابله الكذب، وهو: مخالفة القول للواقع، ولا واسطة بينهما عند أهل السُّنَّة والجماعة، وأثبت المعتزلة واسطة، فقالوا كلامًا لا صدق ولا كذب، أثبتوا كلامًا لا يُوصَف بأنه صدق ولا كذب.

ما طابق الواقع صدق، وما خالف الواقع فهو الكذب، هذه هي الحقيقة اللغوية والشرعية والعرفية هذا هو الأصل، وقد تختلف الحقيقة أو قد يكون للفظ أكثر من حقيقة في الشرع، يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية كالإفلاس، الإفلاس حقيقته اللغوية والعرفية، وجاء في الشرع ما يدل عليها عدم الدرهم والمتاع، ما عنده شيء، يكون مفلسًا، وهذه حقيقته الشرعية في باب الحجر، قد يكون عنده شيء، لكن لا يفي بديونه فيكون مفلسًا، «مَنْ وجدَ مالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»، وهذه حقيقة شرعية، كما أنها حقيقة لغوية وعرفية.

النبي –عليه الصلاة والسلام- سأل الصحابة «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟» قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، الجواب صحيح أم خطأ؟

صحيح، لكن في غير الباب الذي يُريد أن يتحدث عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- صحيح في باب الفَلَس، في باب الحَجر والتفليس صحيح الجواب صحيح، يعني لو أن المُعلِّم وضع سؤالًا –مُعلِّم الفقه- وضع سؤالًا، وهو يُدرِّس الطلاب المعاملات، وقال: عرِّف المُفلس أو اشرح قوله –عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ وجدَ مالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ»، فأجاب بجواب الصحابة فالجواب صحيح، لكن الرسول –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا» لما قالوا: المفلِس من لا درهم له ولا متاع، قال: «لا» هل الجواب خطأ؟

نعم، في الباب الذي يُريد أن يتحدث عنه النبي –عليه الصلاة والسلام-، والحقيقة التي يُريد أن يُقررها الجواب خطأ، لكنه في بابٍ آخر الجواب صحيح، مما يدل على أنه قد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، قال: «لا، المُفلِس من يأتي بأعمال» في روايةٍ: «أمثال الجبال من صلاةٍ وصيام وحجٍّ وجهاد وبِر» إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة، «ويأتي قد ضرب هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا»، إلى غير ذلك من الجرائم المتعلقة بالمخلوق، «فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أُخِذ من سيئاتهم وأُلقيت عليه فقُذِف في النار»، هذا هو المفلس، وهذا هو الفلس الحقيقي، كما أن الخسران والخسارة الحقيقية الخسارة التي تُودي بصاحبها إلى النار، {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ} [الزمر:15].

الصدق: مطابقة الواقع، والكذب: مخالفة الواقع، قد يُذَم الصدق، ويُمدَح الكذب، يُذَم الصدق حينما تنقل كلامًا وأنت صادق في نقله من شخصٍ إلى آخر على جهة الإفساد، كلامك مطابق للواقع، تقول: إن فلانًا قال كذا، مما يترتب عليه ضرر، كلامك صحيح، لكنه هي النميمة، الصدق هنا ممدوح أم مذموم؟ مذموم، وهل هو الصدق الذي أغرى به النبي –عليه الصلاة والسلام-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ»؟ لا، قد يُمدَح الكذب، وذلك حينما يكون للإصلاح، انظر الصدق لما كان للإفساد ذُمَّ، وإذا كان للإصلاح لما كان الكذب للإصلاح جاء مدحه.

القذفة إذا كانوا ثلاثة وكلهم قبل ذلك عدول ثقات شهدوا على شخصٍ بأنه زنى بامرأة ورأوه رؤيةً مُحققة بأعينهم كلامهم مطابق للواقع، فهو من حيث الحقيقة اللغوية والعرفية يُسمى صدقًا، لكن الحقيقة الشرعية {فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13].

هناك كلام مخالف للواقع، فهل يُمكَن أن يُوصَف بأنه كذب؟ المبالغة في الكلام فيها مخالفة للواقع، يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «وَأَمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ»، هل الكلام مطابق للواقع مائة بالمائة؟ ما يضع عصاه أبدًا؟ هذا مخالف للواقع، لكنه صدق أم كذِب؟ صدق، مِن أصدق البشر ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.

أهل العلم ابتكروا أشياء فيها مخالفة للواقع مثل المناظرات، المناظرات المدونة في كُتب أهل العلم قد لا يكون لها حقيقة، يجرون مناظرات بين العلوم، قال: علم التفسير كذا، فيذكر فضائله ومزاياه، فقال: علم الحديث كذا -هذا موجود في كُتب أهل العلم- وقال: علم الفقه كذا إلى آخر العلوم، هل هذا مطابق للواقع أو مخالف؟ يعني هل قال: علم التفسير أو قال: علم الحديث؟ لا، هذا في حد الكذب في حقيقته اللغوية والعرفية هل نستطيع أن نقول: صدق؟ لا.

المناظرات وقبله المبالغات والمقامات، المقامات مقامات الحريري، مقامات البديع، مقامات الزمخشري، مقامات السيوطي، حدَّث فلان بن فلانٍ قال، حدَّث الحارث بن همامٍ قال، مقامات الحريري كلها على لسان الحارث بن همام ولا فيه شخص اسمه الحارث بن همام ولا مُحدِّث ولا مُحدَّث، ابتكرها من عند نفسه؛ ولذلكم في آخرها رجا أن يخرج منها كفافًا لا له ولا عليه، وقد أبدع في مقاماته، وفيها ثروة لغوية مفيدةٌ جدًّا لطالب العلم، هل نقول: إن الحريري كذب، وقلنا: إن كذبه هذا يهديه إلى الفجور، وأن الفجور يهدي إلى النار، أو نقول: إن هذا لا يدخل في مثل هذا الحديث؟

الكذب، بل الصدق قبله من الصفات الحميدة التي جاء مدحها في نصوص الكتاب والسُّنَّة، ومما جاء فيها حديث الباب بالإغراء «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ» البر: التوسع في الخيرات، البر: الخيرات الواسعة، ومنه قيل: البَر؛ لسعته، ويُقال: فلان البَر؛ لتوسعه في فعل الخيرات.

وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ
 

 

لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ
 

يحيى البر النووي متوسع في فعل الخيرات- رحمنا الله وإياه-.

فالتوسع يُقال له: بَر وبِر، فالبَر لسعته، والبِر: التوسع في الخيرات.

فالصدق يهدي يُكافأ الإنسان على لزومه الصدق بأن تكثر خيراته، ويُوفَّق لفعل الخيرات، والبر يهدي إلى الجنة، يعني أمور يترتب بعضها على بعض.

لماذا ضُرِبت الذلة والمسكنة على بني إسرائيل؟

{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61]، تبدأ المسألة من الصغير إلى التدرج فيُعاقب بما هو أعظم منه، ثم يُعاقب بما هو أعظم، الذي قال: سبحان ربي الأسفل –نسأل الله العافية- هل هي أول كلمة قالها؟ هذا تساهل في كلامه، فقال كلمة لا يجوز له أن يقولها، ثم عُوقِب بما هو أشد منها، ثم عُوقِب إلى أن وصل إلى هذا الحد، والذي قال: ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، هل هذه أول كلمة قالها؟

لا، يتساهل في أول الأمر بكلامه، فيُعاقب بما هو أشد إلى أن يصل إلى هذا الحد، الإنسان يلزم الصدق يُهدى إلى فعل الخيرات، وفعل الخيرات تقوده إلى الجنات، وبالعكس الذي يكذب ويتحرى الكذب يقصده، ثم يكون سجيةً له يدله ويقوده كذبه إلى الفجور –نسأل الله العافية- ثم الفجور يقوده إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية.

«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ»، يعني يستمر في جميع كلامه ملازمًا للصدق ويتحراه يقصده، يعني أنه لا يتكلم بكلام إلا بعد أن يتأكد أنه صدق يتحرى ويتأكد، فالإنسان مُحاسب على ما يقول وعلى ما ينطق به.

معاذ بن جبل قال للنبي –عليه الصلاة والسلام-: وإنَّا لمؤاخذون –يعني- على الكلام؟ قال: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قال: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»، الإنسان عليه أن يتأكد ويتثبَّت، ومن لازم ذلك ألا يُكثِر الكلام؛ لأن من كثر كلامه كثر سقطه، وإذا طالت المجالس ولم تُستغل بما يُرضي الله –جلَّ وعلا- من ذِكره وشكره والثناء عليه ومُدارسة العلم وتلاوة كتابه لا بُد أن يكون للشيطان فيها نصيب، يعني هؤلاء الذين يجلسون في المتنزهات والاستراحات في الليالي الشاتية الطويلة من صلاة العشاء إلى قريب الفجر خمس ساعات، ست ساعات، ماذا يقضون بهذا الكلام هذا الوقت إذا لم يكونوا من أهل الذِّكر ومن أهل العلم ومن طلاب العلم؟

ولا تزين وتزدان المجالس عند كثيرٍ من الناس إلا بالقيل والقال، في بداية الأمر بالكلام المباح، ثم يقودهم ذلك إلى ما بعده من المكروه، ثم الحرام، وفضول الكلام من أعظم المداخل مداخل الشيطان إلى القلوب كفضول السمع، وفضول النظر، كما قرر ذلك ابن القيم في الجواب الكافي.

فليكن اللسان رطبًا بذكر الله، لهجًا بالتسبيح والتحميد والتهليل {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] «سَبَقَ المُفَرِّدُونَ»، وهم الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات.

والذكر لا يُكلف شيئًا، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، مائة مرة حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، مائة مرة لا تزيد على دقيقتين، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غراس الجنة، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقول إبراهيم –عليه السلام- لنبينا –عليه أفضل الصلاة والسلام-: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.

لا يُكلف شيئًا، لكنه الحرمان، التوفيق لا نهاية له، فإذا رضي بارك، وإذا حُرِم الإنسان –نسأل الله العافية- صعب عليه اليسير، من المحتضرين من يُقال له: قُل: لا إله إلا الله، ماذا أيسر من لا إله إلا الله؟ «وِمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ من الدنيا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وهو يعقل ما يُقال له ويُدرك ويعرف النص، ومع ذلك لا يستطيع أن يقولها، لماذا؟ لأنه ما تعوَّد، ولا تعرف على الله في الرخاء، فحُرِم منها في الشدة.

أبو زُرعة الرازي الإمام المعروف لما حضرته الوفاة هابوا أن يُلقنوه، الإمام الكبير يُقال له: قُل: لا إله إلا الله! هابوا، فجاؤوا بحديث التلقين، وقدَّموا في إسناده وأخَّروا، فذكر الإسناد على الصواب، ثم ذكر المتن ففاضت روحه- رحمه الله-.

كلٌّ يموت على ما عاش عليه، فاحرص أن تموت على الذكر، يجلس الثُّلة من الناس يتجاذبون أطراف الحديث بالساعات، ولا يمر ذكر الله على ألسنتهم، هؤلاء قاموا عن مثل جيفة حمار، هؤلاء مجلسهم عليهم تِرى، يعني حسرة وندامة، لكن التوفيق بيد الله، نسأل الله الإعانة والتوفيق.

يعني إذا قلت: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات كنت كمن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، كأنك أعتقت أربعة من ولد إسماعيل، هل تحتاج هذه إلى دقيقة واحدة؟

دقيقة واحدة تقولها عشر مرات، وتقولها مائة مرة بعشر دقائق، انظر الفضل العظيم من الله –جلَّ وعلا- مائة درجة ومائة حسنة يحط عنك مائة خطيئة، وكنت كمن أعتق عشرة، وكانت حرزًا لك من الشيطان حتى تُمسي؛ لأن المجالس إذا ما استُغِلت بمثل هذا لا بُد أن تنحرف، الإنسان مجبول على الكلام، والأصل ألا يتكلم يصدق في كلامه، ويتحرى الصدق ما ينطق بكلمة حتى ينظر هل هي في كفة الحسنات أو في كفة السيئات.

الكيِّس من دان نفسه حاسب نفسه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18]، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا يعني في أقوالكم وأفعالكم، وزِنوها قبل أن تُوزَنوا -كما قال عمر- وتعرَّضوا للعرض الأكبر على الله، وتأهَّبوا للعرض الأكبر على الله.

«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّة»، «وإِيَّاكُمْ» تحذير، «وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ».     

«ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا»، فعيل صيغة مبالغة بحيث يكون ملازمًا للصدق، والصديق مقرونٌ مع الأنبياء والصالحين، {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].

صديق صيغة مبالغة -خلينا نخرج قليلًا لاصطلاحٍ علمي- الصدوق أيضًا صيغة مبالغة، وهذا مصطلح علمي عند أهل الحديث يُطلقونه على بعض الرواة ممن توسطت منزلتهم بين الثقات والضعفاء.   

«وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»، نسأل الله العافية، «ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»، وقد صرَّح بعضهم من المتقدمين والمتأخرين بأنه حاول أن يصدق فلم يستطع –نسأل الله العافية-؛ لأنه عوَّد لسانه على الكذب، مع أن الشيطان صدق، وهو كذوب في حديث أبي هريرة في حفظ الصدقة قال: صدقك، وهو كذوب.  

«فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»، نسأل الله السلامة والعافية والثبات على دينه وطاعته حتى الممات.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: إذا أراد المُعتمر أن يحلق رأسه وضع الحلاق رغوة على شعره، ثم يحلقه، فهل هذه الرغوة صابون تنقص من مناسك العمرة ويلحقه إثم؟ وهل هي من المصنوعات؟ وهل يُبلل شعره بالماء فقط؟

هذا الصابون إذا كان في طِيب ورائحة طيبة فإنه لا يجوز أن يستعمله قبل التحلل من العمرة، وإذا كان صابونًا مجردًا ما فيه طيب ولا رائحة فلا مانع من استعماله.

يقول عند السعي للعمرة لم أضطبع خلال الأشواط الأربعة الأولى، فماذا عليّ؟

أولًا: السعي ما فيه اضطباع، وفي الطواف الاضطباع، ولا شيء عليك؛ لأنه سُنَّة.

يقول: ما الأفضل أن يأتي المسلم بطواف الوداع للعمرة أم يتركه؟

العمرة ليس لها وداع، وقد اعتمر النبي –عليه الصلاة والسلام- مرارًا، ولم يُحفَظ عنه أنه وادع، وإنما أمر بالوداع أمر الحجاج، وعائشة –رضي الله عنها- اعتمرت بعد حجها ولم يُحفظ عنها أنها وادعت بعد ذلك.

يقول: كيف نرد على من يقول: إن الصحابة شاركوا في قتل عثمان –رضي الله عنه- علمًا أن القائل ينتسب إلى أهل السُّنَّة؟

هذا القول باطل، والصحابة برآء، وحاولوا نصره والدفاع عنه –رضي الله عن الجميع- فرفض؛ لئلا تُراق الدماء بسببه؛ لأنه معروف أنه إذا حصل دفاع من طرفين فلا يسلم الموقف من قتل في الطرفين، فأراد –رضي الله عنه وأرضاه- أن يُخفف من إراقة الدماء، وهذا اجتهاده، ومعروفٌ منزلته وقدمه في الإسلام رفض أن يُدافعوا عنه، فحصل ما حصل.

يقول: نحن اعتمرنا وبعد انتهائنا من السعي حلق لنا من كان معنا في المناسك -يعني وهو محرم- وهو لم يتحلل بعد، لم يحلق نسيانًا منَّا، هل يلحقنا إثم؟ وما والواجب علينا؟

لا مانع من أن يحلق المعتمر نفسه ويحلق غيره؛ لأنهم في الحديبية حينما أرادوا التحلل أمرهم النبي –عليه الصلاة والسلام- بذلك، حلق بعضهم بعضًا.

يقول: هل يُعتبر إزالة المرأة لشعر الساقين من تغيير خلق الله الموجب للعن؟

لا، إنما هذا من الزينة، وإن كانت إزالة الشعر يختلف حكمها من موضع إلى آخر فمنه ما يجب، ومنه ما يحرم، ومنه ما يُباح، المقصود أن هذا ليس من تغيير الخلقة.

يقول: امرأةٌ لا تتكلم مع أمها وتُقاطعها، هل الأم آثمة إذا عاملتها بالإثم؟ وماذا تصنع؟

لا شك أن البنت آثمة وعاقة لأمها، والعقوق شأنه عظيم، لكن بالمقابل أيضًا على الأم أن تسعى في رفع هذه القطيعة، ولكلٍّ من المكلفين ما يخصه من خطاب الشرع، ما يقول الوالد: الحق لي أو العم، نعم حقه أعظم، لكن هو مطالب بالصلة، والصلة من الولد لوالده أعظم، وحقه عليه أكبر، لكن أيضًا الطرف الثاني هو قريبه، فعليه أن يسعى في رفع هذه القطيعة، ومع الأسف أنه قد يكون السبب في القطيعة من أحد الأبوين لا يُعين على بِره، قد يسعى ويُوجِد أشياء تجعل الابن يقطع رحِمه ولا يصل والده ولا أمه، ولا يُعفيه من الإثم العظيم، لكن مع ذلك كلٌّ له نصيبه من خطاب الشرع.

يقول: اشتريت من شخصٍ أرضًا، وعليها قرض من صندوق التنمية، هل يجوز لي أن آخذ قرضًا على أرضٍ ثانية من صندوق التنمية؟

أولًا هذه الأرض التي اشتريتها هي مرهونة للصندوق، ما دام بقي فيها شيء فهي مرهونة، وإن انتهت أقساطها من قِبل المقترض الأول وفُك رهنها جاز بيعها وشراؤها، ولك بعد ذلك أن تأخذ قرضًا آخر ما لم يكن من شرط الصندوق أن يكون المقترِض لا بيت له، وأنت يكون عندك بيت.
المقصود أن مثل هذا لا يؤثر إلا إذا كان من شرط الصندوق أن يكون المقترض ليس عنده بيت وأنت حينئذٍ صار عندك بيت.

يقول: هل الدعاء عند الملتزم يكون بعد الطواف فقط أو ليس له علاقة بالطواف؟

ليس له علاقة بالطواف، الملتزم وهو ما بين الركن والباب جاء عن بعض الصحابة عن ابن عباس وابن عمر أنهم التزموا ودعوا، وقالوا: إنه محل استجابة فلا مانع من التزماه، لكن ليس من سُنن الطواف.

يقول: زوجتي عندها ذهبٌ يبلغ النِّصاب ولم تُخرِج زكاته فنصحتها، ولم تستجب مع العلم أنها تتقاضى راتبًا من الدولة، فهل عليّ إثمٌ أم أُخرِج عنها؟

أولًا: المرجَّح أن الذهب المستعمَل الحُلي ليس فيه زكاة كسائر ما يقتنيه الإنسان للانتفاع به، كبيته وسيارته ودابته ومتاعه وأثاثه.
من أراد أن يُخرِج الزكاة خروجًا من الخلاف –خلاف أهل العلم-، فهذا من باب الاحتياط والتحري.

يقول: أسماء الله الحسنى من أحصاها دخل الجنة، هل الحديث صحيح؟ وما معنى أحصاها؟

في البخاري وغيره: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وجاء سردها عند ابن حبان والترمذي ولا يصح، إنما تُرِكت بدون بيان؛ ليحرص المسلم على تتبعها من نصوص الكتاب والسُّنَّة، وإحصاؤها يكون بمعرفة معانيها، والعمل بمقتضاها، ودعاء الله بها، مع أن الله –جلَّ وعلا- له أسماء لا تقتصر على هذا العدد له أكثر، «بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»، لكن هذا العدد جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره من أجل أن يهتم الإنسان بأسماء الله الحسنى، ويفهم معانيها ما هي مسألة ترداد ألفاظ مجردة كما نسمعه في بعض الإذاعات من نثرٍ أو نظم أو بعض اللوحات المكتوبة، هذا لا يكفي، {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

يقول: ما حكم بيع كور الأطفال التي عليها صور اللاعبين أو أسماء أندية أوروبية؟

معلومٌ أن التصوير حرام، وجاءت فيه النصوص، والنبي –عليه الصلاة والسلام- لعن المصوِّر، وقال: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»، فالأمر ليس بالسهل، وإذا حرم فعله حرم اقتناؤه.

يقول: هل تُرفَع اليدان في خطبة الجمعة عندما يدعو الإمام أو يكفي التأمين؟

يكفي التأمين من غير صوت، ولا تُرفَع اليدان إلا في دعاء الاستسقاء فقط.

يقول: أنا قدَّمت على عاملةٍ منزلية مسلمة، وبعد تسعة أشهر جاءت عاملة منزلية غير مسلمة؟

يعني مكان هذه العاملة المنزلية قدَّم على مكتب ولا جاءت إلا بعد تسعة أشهر، ومن شرطه أن تكون مسلمة فاستقدموا له غير مسلمة، يقول: ماذا أفعل ادعوها إلى الإسلام؟ لا، إن تيسر أن تدعوها إلى الإسلام وتستجيب «فلأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ»، ادعها إن استجابت فبها ونِعمت، وإلا فرُدها على المكتب؛ ليحققوا لك شرطك.

يقول: شخصٌ يصوم صيام داود، وأمه تنهره عن الصيام وهو قادرٌ على ذلك، ماذا يفعل؟ وإذا لم يسمع كلامها وصام فعليه إثم؟

هذا صيام نفل، وإجابتها واجبة، وما أمرته أو نهته عن الصيام إلا من باب الشفقة عليه، وعلى كل حال إن استطاع أن يقنعها بالنص، ويترفق، ويتلطف في مخاطبتها، وتقتنع بذلك بها ونِعمت، وإن أصرت إلا أن يُفطِر فعليه أن يُفطِر.

يقول: الذي وضع طيبًا بعد إحرامه ساهيًا هل يترتب عليه شيء؟

لا شيء عليه، لكن تجب عليه المبادرة بإزالته.

يقول: مدرس يُدرِّس في مدرسةٍ مختلطة بين البنين والبنات، ويُدرِّس بناتٍ بالغات، هل يجوز له ذلك؟

لا يجوز له ذلك.

يقول: بعض الإخوة يُريد أن يعتمر عن أبيه أو أمه أو أقربائه من التنعيم سواءٌ كانوا عاجزين أو أموات؟

سُئل النبي –عليه الصلاة والسلام- سأله رجل، وأيضًا سألته امرأة عن أبيها أو أمها إن أبي قد أدركته فريضة الله الحج، وهو شيخٌ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ ثم قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ»، فالحج يقبل النيابة، والعمرة تقبل النيابة، والعجز الحكمي كالعجز الحقيقي، من في بلدٍ بعيد نائٍ لا يتيسر له أن يحج أو أن يعتمر، وإن كان قادرًا مستطيعًا في خِلقته فإنه يُحَج عنه.

يقول: إذا اتفقت على بيع بضاعة مع تاجرٍ ما، ثم اشتريت هذه البضاعة وبعتها عليه هل هذا يُعتبر بيع ما لا أملك؟

نعم، إن تم العقد معه قبل أن تملكها ملكًا تامًّا مستقرًّا، وتحوزها، هذا بيع ما لا تملك، وإن كان مجرد وعد طلب منك سلعة وقلت: إذا اشتريتها اتفقت معك على قيمتها وبعتها عليك، وهو مجرد وعد، ولا يُبرَم العقد إلا بعد تمام المِلك.

يقول: كيف نُوفِّق بين كلام الرسول –صلى الله عليه وسلم- بأن البصل والثوم شجرة خبيثة، وما يُقال: من أن بهما فوائد كثيرة؟

نعم، النبي –عليه الصلاة والسلام- سمَّى البصل والثوم، «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلانَا»، قيل: أحرامٌ هما يا رسول الله؟ قال: «إني لا أُحرِّمُ ما أحل الله». فالخبيث يُطلَق على الحرام {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]، كما أنه يُطلق على الردي الثوم والبصل شجرتان رديئتان في رائحتهما، وفيهما فوائد طبية بلا شك، {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، المقصود من الحرام المقصود الردي، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267].
«كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ»، والنبي –عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجَّام أجرته، ولو كان حرامًا ما أعطاه، ففيه فوائد، مع أنه خبيث الرائحة، وحينئذٍ إذا احتاج إليه يأكله، لكن لا يُصلي مع الناس، منهيٌّ عن دخول المسجد.