شرح مقدمة سنن ابن ماجه (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه" يعني قبيصة بن ذؤيب "أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب" نقيب الأنصار ليلة العقبة، بل هو أحد النقباء، وشهد البيعات بيعة العقبة الأولى والثانية، وفي بعض الكتب: والثالثة، في بيعة عقبة ثالثة؟ في بعض الكتب يقول: والثالثة، يعني بيعة العقبة الأولى والثانية والثالثة، يعني المعروف في السيرة أن البيعات اثنتان، وبعضهم يجعل بعض اللقاءات التي حصلت مما ينازع فيه أن تكون بيعة، حصلت بين بعض الأنصار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميها بيعة لاختصاص واستقلال الأنصار بها، وهذا مذكور في بعض كتب السير.
على كل حال فضله وعلمه وجلالة قدره عبادة بن الصامت معروف، النقيب، والخبر فيه انقطاع؛ لأن قبيصة بن ذؤيب يحكي قصة لم يشهدها، ولم يلق عبادة ليقال: إنه تلقاها منه، فالخبر ضعيف، وإن كان مفاده وجملته صحيحة، أصلها -أصل القصة- في الصحيحين، لكن القصة بهذا التفصيل فيها هذا الانقطاع الموجب للضعف.
"أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير" يعني ذهب بذهب "كسر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: أيها الناس إنكم تأكلون الربا" يقوله عبادة بن الصامت لماذا؟ "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تبتاعوا الذهب بالذهب))" يعني سواءً كان دنانير بدنانير، وسواءً كان كسر بكسر، وسواءً كان مصوغاً بمصوغ.
((لا تبتاعوا الذهب)) أياً كان وصفه ((بالذهب)) أياً كان وصفه ((إلا مثلاً بمثل)) يعني من غير زيادة ولا نقصان ((لا زيادة بينهما ولا نظرة)) ((مثلاً بمثل يداً بيد)) هذا الحديث معروف في الصحيحين وغيرهما، في تحريم ربا الفضل وربا النسيئة إذا اتحد الجنس، لكن ((إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) مع اتحاد الجنس لا بد من تحقق التماثل، ولا بد من أن يكون يداً بيد، أما مع اختلاف الجنس في الربويات فلا مانع من التفاضل، يبيع الفضة بأي قيمة رآها من الذهب والعكس، يبيع الربوي بغير جنسه، شريطة أن يكون يداً بيد.
فقال له معاوية: يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، يعني مؤجلاً، لا بد أن يكون هذا النوع من الذهب الذي هو الدنانير بالنوع الآخر الذي هو الكسر لا بد أن يكون يداً بيد، أما مع التفاضل فلا بأس، هذا رأي معاوية، لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، وكأنه يستدل بحديث: ((لا ربا إلا في النسيئة)) وهذا الحديث صحيح، لكن الحصر إضافي وليس بحصر حقيقي ((لا ربا إلا في النسيئة)) يعني لا ربا أعظم إلا ما كان في النسيئة، فالنسيئة أعظم من ربا الفضل، وربا الفضل الذي هو الزيادة يعرفه الخاص والعام، ويتوقونه، ولكن ربا النسيئة قد يدخل الإنسان فيه وهو لا يشعر، وهنا صور من ربا النسيئة حاصلة في أسواق المسلمين يتعافونها فيما بينهم، ويتساهلون فيها، مع أنها من الربا، يشتري الذهب بالنقود مثلاً، ويقول له: غداً آتيك بالقيمة هذا ربا، أو يقول: هذا شيك وهذا ربا؛ لأنه لم يكن يداً بيد، المقصود أنه لا بد من الانتباه لهذه الأمور، والربا شأنه عظيم، وحرب لله ورسوله ولو قل، والمرابون يبعثون يوم القيامة مجانين، كما قرر ذلك جمع من أهل العلم، والربا كما جاء في الخبر أشد من الزنا -نسأل الله السلامة والعافية-.
"يا أبا الوليد" يخاطب عبادة بن الصامت "لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة" يعني في النسيئة فقط "فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحدثني عن رأيك" ((مثلاً بمثل)) يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((مثلاً بمثل)) وأنت تقول: لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة، "أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحدثني عن رأيك؛ لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة" فمعاوية في زمن عمر -رضي الله عنه- كان أميراً على الشام، وهم بأرض الروم، في غزوة بأرض الروم، وكان عبادة مع معاوية، فقال له: "لئن أخرجني الله من هذه الأرض -من أرض الروم وأدخلني في ديار المسلمين- لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة" يعني لا أجلس في الشام، وكان عبادة بن الصامت سكن حمص، وهي تابعة للشام، من أرض الشام.
"لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة" يعني غير السكن وغير البلد من أجل مسألة معارضة لحكم الله، وحكم رسوله -عليه الصلاة والسلام- خرج من البلد وسكن بلد آخر، وكثير من الناس تنتهك المحارم، ولا يستطيع أن ينتقل عن داره، عن هذا الجار الذي آذاه بأصوات المعازف، وآذاه بأنواع المنكرات، لا يستطيع أن ينتقل في نفس البلد إلى دار أخرى؛ لأنه خسر عليها، وتعب عليها، فضلاً عن كونه ينتقل إلى بلد آخر؛ ليسلم من شر هذا الجار، أو شر هذه الشرور التي انتشرت في هذا البلد، وعبادة بن الصامت انتقل من إقليم إلى إقليم، ترك الشام وانتقل على المدينة من أجل إمرة معاوية الذي ألقى عليه الحديث من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وعارضه برأيه، رضي الله عن الجميع.
على كل حال السنة قاضية على كل أحد كائناً من كان.
"فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: "ما أقدمك يا أبا الوليد؟" يعني هل هذا لأن عمر بن الخطاب لا يفرح بمثل عبادة بن الصامت؟ يفرح بمثله، ويتمنى أن يكون أهل المدينة كلهم مثل عبادة بن الصامت؛ لكنه يريد أن ينفع الله به في تلك البلاد، في تلك الجهات.
"ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله" بالتخفيف كما يقول أهل العلم، ومنهم من يشددها، يقول: "قبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية: لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر" في هذا الحديث أن الذهب مهما كان وصفه، ومهما كان وضعه، ولو تفاوت عياره لا بد أن يكون مثلاً بمثل، يعني ذهب عيار ثمانية عشر، وذهب عيار أربعة وعشرين أفضل شيء وأقل شيء أو أقل من..، لا يجوز إلا أن يكون مثلاً بمثل لأنه كله ذهب، ولو كان كسر مستعملة بذهب جديد لا بد أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد، فالأوصاف لا تغير من الحكم شيئاً، وقل مثل هذا في الذهب المصوغ، ويذكر عن معاوية في قصة الجان الذي حصل من الغنائم أنه بيع بذهب أكثر منه لأنه مصوغ، فالصياغة تخرجه عن كونه ذهباً ليكون عرضاً يباع، ولا يجري فيه الربا كالذهب بالذهب، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الذهب المصوغ لا يأخذ حكم الذهب، فيكون عرضاً يباع كيف شاء، ولكن الصواب ما عليه عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم أنه ذهب، ولا يجوز أن يباع إلا يداً بيد، مثلاً بمثل، وهو داخل في عموم النصوص، ولو قال به من قال به.
طالب:........
ما دام ذهب لا يقدر شيء، نعم؟
طالب:........
ويش هو؟
طالب:........
فإنه هو الأمر، واحمل الناس على ما قال، كتب إلى معاوية يقول: احمل الناس على ما ذكر عبادة، فإنه هو الأمر، يعني الصحيح، هذا هو الأمر الصحيح، هذا هو القول الصحيح القول الذي لا يحتمل سواه، يعني داخل في النص، وهو الأمر الذي عهد، يعني قدر ما شئت من الاحتمالات التي تدعم قول عبادة -رضي الله عنه وأرضاه-.
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا أبو بكر بن الخلاد الباهلي قال: حدثني يحيى بن سعيد عن شعبة عن ابن عجلان، قال: أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود" عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود لم يدرك عبد الله بن مسعود، فهو منقطع "قال: أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه" وهذا الحديث منقطع فهو ضعيف، والذي يليه صحيح.
قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال: "إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي بعض النسخ: "إذا حدثتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه" يعني إذا كان اللفظ يحتمل أمرين، فاحملوه على الأمر الأهدى والأتقى والأهنأ، إذا كان الخبر المسند إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المنسوب إليه يحتمل أمرين، فاحملوه على الأمر الذي هو أهدى وأتقى، وهذا من كلام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولا شك أن مثل هذا هو المتعين، وإذا كان يحتمل أمرين فهو الأهدى والأتقى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فإذا كان الخبر يحتمل في معناه أكثر من احتمال فليحمل على الاحتمال الأهنأ والأهدى والأتقى.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا المقبري عن جده عن أبي هريرة" المقبري عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ضعيف جداً، متهم بالكذب، فالحديث ضعيف جداً "عن جده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث))" أو ((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته يقول: اقرأ قرآناً)) يعني إن وجدت القرآن يؤيد هذا الكلام، يعني هات لي آية تؤيد هذا الكلام، وهذا يستعمله بعض الناس الآن، إذا أبلغ بحكم شرعي قال: هات دليل من القرآن، عندنا دليل من السنة، هات دليل من القرآن.
((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته)) وتقدم ما في هذا الاتكاء، وهو الاعتماد على جنبه، مسترخياً متحكماً محكماً نفسه في نصوص السنة، يقبل منها ما يدخل عقله، ويرد ما لا يوافق هواه ومزاجه.
((فيقول: اقرأ قرآناً ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) وهذا الحديث كما قلنا ضعيف، وقوله: ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) يحتمل أن يكون مما يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الخبر الضعيف، ولا معول عليه، ولا اعتماد عليه، فهذا من النبي إن صح عنه ولا إخاله يصح ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) في هذا مستمسك لمن يركب الأسانيد على الجمل والحكم وينسبها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا وجد حكمة صحيح معناها يركب عليها إسناد عملاً بهذا ((ما قيل من قول حسن فأنا قلته)) هذا إذا كان المراد به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقريب من هذا قول بعض الحنفية يقول: إذا كان الحكم يؤيده القياس الجلي فركب له إسناد وأنسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو داخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هذا وضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذب وزور، وبعضهم يقول: الاحتمال أن هذا من قول هذا المتكئ، وأنه ينسب إلى نفسه الأقوال الحسنة التي يتداولها الناس، وأنه هو مصدرها، وعلى كل حال الحديث في غاية الضعف، فلا نشتغل به أكثر من هذا.
طالب:.......
ويش هو؟
طالب:.......
((لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث)) الأصل أنه مفعول ثاني، والمفعول الأول أحدكم، لكن لما بني الفعل للمجهول صار المفعول الأول نائب فاعل، والثاني مفعول، نعم؟
طالب:.......
أمرها أن تقرأ ما بين دفتي المصحف لتقف على الآيات التي تأمر بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
لا لا، هو إذا كان عند الإنسان شك في طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن باب الإقناع له أن يقال: اقرأ القرآن، ليمر عليك الآيات التي تأمرك بطاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} [(92) سورة المائدة] فإذا امتثلنا ما في القرآن من طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- امتثلنا ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ما فيه إشكال.
ثم قال بعد ذلك: "حدثنا محمد بن عباد بن آدم قال: حدثنا أبي" وأبوه عباد بن آدم مجهول "عن شعبة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة" محمد بن عمرو بن علقمة صدوق، والسند الأول ضعيف؛ لأن فيه عباد بن آدم وهو مجهول، والثاني ح التي هي حاء التحويل "وحدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة بن سليمان قال: حدثنا محمد بن عمرو وهو ابن علقمة، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال لرجل: "يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلا تضرب له الأمثال" وكأنه يشير بهذا إلى قصة حصلت بينه وبين ابن عباس في حديث الوضوء مما مست النار، ابن عباس قال أيضاً: الماء يمسه النار، فإذا توضأنا بماء حار مسته النار علينا أن نتوضأ بماء بارد؛ لأن هذاك مسته النار "فقال: يا ابن أخي" لأنه صغير في السن بالنسبة له "إذا حدثتك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً فلا تضرب له الأمثال" واعتراض ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- ليس اعتراضاً بالرأي المجرد؛ ليكون مذموماً من كل وجه؛ لأن عند ابن عباس حديث: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" فاعتراضه مستند إلى خبر، لكن مع ذلك لا بد أن يكون التعامل مع أخباره -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان فيها الناسخ والمنسوخ بالأدب، فلا بد أن يتعامل معها بأدب ولطف، ولو كانت منسوخة، ما يقول قائل: اترك هذا الحديث لأنه منسوخ، فضلاً عن أن يقول قائل من الشراح في حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، من الذي حصر؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا سوء أدب، فلا بد من احترام ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقديمه على قول كل أحد.
الحديث بسنده الثاني حسن؛ لأن محمد بن عمرو بن علقمة صدوق، يرتقي حديثه بمثله إلى الصحيح لغيره، وبه مثل الحافظ العراقي للصحيح لغيره.
والحسن المشهور بالعدالة |
| وصدق راويه إذا أتى له |
فمثل به للصحيح لغيره فحديثه بمفرده حسن.
"قال أبو الحسن" وهو القطان راوي السنن عن ابن ماجه، وهذا من زيادته على السنن، وعرفنا أن الزيادات إنما تعرف برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، تعرف الزيادات برواية راوي الكتاب عن غير مؤلفه، وهنا يقول: "قال أبو الحسن: حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي" ما قال: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، الأصل أن الكتاب كله قال أبو الحسن: حدثنا أبو عبد الله بن ماجه، إلا ما أضيف إلى غير المؤلف يكون من الزوائد.
"حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي"...
وقلنا في مسند أحمد مثل ذلك أنه إذا كان الخبر حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هذا المسند الأصلي، حدثنا عبد الله قال: حدثنا فلان غير الإمام أحمد هذا من زوائد عبد الله، وزوائد القطيعي لا يذكر فيها عبد الله ولا أبوه.
قال: "حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال: حدثنا علي بن الجعدي عن شعبة عن عمرو بن مرة مثل حديث علي -رضي الله عنه-" حديث علي الذي فيه نعم؟ الذي سبق، وقلنا: إنه حديث إسناده صحيح، نعم؟
طالب:.......
أنا أقول: إن ابن عباس لم يعارض الحديث برأيه المجرد، إنما عارض حديث بحديث، ونظر مع الحديث الذي معه، فاعتراضه مستند إلى حديث، والمذموم الاعتراض بالرأي المجرد وإلا جميع المسائل العلمية التي فيها خلاف لأهل العلم وفيها أدلة لجميع الأطراف من هذا النوع.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:
باب: التوقي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، قال: فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فنكس، قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شديد".
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً".
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "إنا كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات".
حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: "بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحق صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحق الأنصار، قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل، فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أنا شريككم".
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد، قال: "صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة، فما سمعته يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث واحد".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: التوقي في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
التوقي التحري والتثبت وعدم التسرع، فمثل هذا الأمر الذي يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يلزم فيه التوقي والتحري؛ لأن التسرع يلزم عليه أن يحدث الإنسان بكل شيء، وإذا حدث بكل شيء فمعناه أنه سوف يقع في حديثه المنسوب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله، فيقع في إثم الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يقصد ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) -نسأل الله السلامة والعافية-، والإكثار مع عدم التحري وعدم التثبت هذا مآله، فلا بد من التوقي، ولا بد من التحري، ولا بد من التثبت في الحديث، أو في نسبة الحديث إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه مسئولية عظيمة بالنسبة لمن يعلم الناس عليه ألا ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئاً إلا بعد أن يجزم بصحة نسبته إليه، وقل مثل هذا في الخطيب، لا يجوز له أن يلقي على الناس أحاديث أو حديث واحد لا يتبينه، ولا يتحقق من نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: حدثنا مسلم البطين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه"، يعني ما فاتني ولا عشية خميس، يذهب إلى ابن مسعود كل عشية خميس، فيجلس عنده "قال: فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل هذا زهد بالسنة؟ هل هذا عدم معرفة بالسنة؟ لا والله، عنده علم بالسنة، وعنده حرص على السنة، لكنه يخشى أن يزل لسانه بنسبة كلمة لم يقلها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فنكس" نكس رأسه إجلالاً وهيبة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولما يضاف إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
"قال: فنظرت إليه فهو قائم محللة أزراره" يعني مفتوحة أزراره، وجاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رئي محلل الأزرار، حتى قال بعضهم باستحباب ذلك، لكن لا شك أن اللباس عرفي، فإذا كان في عرف الناس أن هذا العمل مقبول فهو أفضل، وإن كان مردود في عرف الناس لأن الألبسة تتغير وتختلف باختلاف الأعراف، وإلا فنقول: هذه الألبسة التي نلبسها أفضل منها أن نلبس إزار ورداء، فنستمر في وقتنا كله كأننا محرمون، أو نلبس قميص على صفة ما كان يلبسه -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن أهل العلم يقررون أن اللباس عرفي، إلا ما جاء الدليل على منعه، إذا جاء الدليل على منع مثل الإسبال مثلاً، مثل الأحمر للرجال، ومثل بعض الألبسة للنساء التي فيها تشبه، أو فيها تبرج، أو فيها..، مثل هذا يمنع؛ لأنه نص عليه، وما عدا ذلك فيبقى موكولاً إلى العرف.
"محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه" اغرورقت افعوعلت يعني غرقت بالدموع، خرج منها الدمع الغزير، كأنها غرقت في بحر "اغرورقت عيناه" يعني بالدموع "وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك" يعني قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا أو قال: دون ذلك "أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك، أو شبيهاً بذلك" لئلا يجزم بنسبة شيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- واحتمال أن يكون أخطأ فيه، وهذا من ورعه وتحريه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
فعلى الإنسان أن يتوقى ويتثبت في نسبة الأمر إلى الله ورسوله، سواءً كان ينسب إليه كلاماً، أو ينسب إليه حكماً شرعاً، فلا بد أن يتثبت في ذلك كله؛ لأنه في الحكم موقع عن الله -جل وعلا-، وفي النقل مقول لله ولرسوله ما لم يقل.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لئلا يحفظ عنه على هذا اللفظ، ويكون قد رواه بالمعنى مثلاً، أو أسقط منه شيئاً فيقول: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا شك أنه أولى وأحرى.
قد يقول قائل: إن مثل هذا قد نقرأ صحيح البخاري كاملاً، وفيه الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن طريق الصحابة، ولم يقل واحد منهم أو كما قال، وهنا يقول: "كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثاً ففرغ منه قال: أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
أحاديث أنس بن مالك في الصحيحين ما فيها هذا الكلام، قد يكون الصحابي الجليل قالها وحفظها منه التابعي ثم حذفت فيما بعد؛ لأنه تبين أنه لا مجال للتردد في الأحاديث التي خرجت في الصحيحين، أو خرجها الأئمة لا مجال للتردد؛ لأنها عرضت على أحاديث أخرى، وجزم بضبط رواتها، بعرض مروياتهم على روايات الثقات فلا داعي لمثل هذا التردد.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شديد" وهكذا ينبغي لمن كبرت سنه، وخشي أن يحصل التخليط في بعض كلامه أن يكف عن التحديث، والمعلم إذا تقدمت به السن، وكثر خطأه وزلـله ينبغي أن يكف، فإن لم يَكف يُكف عن التحديث، فلما كبر زيد بن أرقم كبر ونسي، والحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه شديد، وأشد منه القرآن، فلا يجوز للإنسان أن يسارع بإلقاء الأحاديث على الناس وهو لم يتثبت منها، أو يكون في ضبطه شيء من الخلل بسبب ضعف الحافظة، أو بسبب كبر السن والنسيان.
قال: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت الشعبي يقول: "جالست ابن عمر سنة" الشعبي عامر بن شراحيل، ومنزلته في الحفظ والضبط والإتقان معروفة، عامر الشعبي الذي إذا دخل السوق سد أذنيه؛ لأنه يحفظ كل ما سمع، ولا يريد أن يسمع كلام الناس، ويحفظ كلام الناس.
يقول: "جالست ابن عمر سنة، قال: فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً" وليس هذا مخالفة للأمر بالتبليغ ((بلغوا عني ولو آية)) ((ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) فالتبليغ واجب، بل فرض كفاية، ولعله في مثل هذه الظروف التي نقلت عنه في هذه السنة أنه قد بلغت هذه الأحاديث، وتحمل أمانتها غيره، وإلا لو تعين عليه التبليغ لما ساغ له أن يسكت لمدة سنة "فما سمعته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً" وقد يكون سكوته في مجلس الشعبي، ويحدث في مجالس غيره، امتثالاً للأمر بالتبليغ؛ لأن الشعبي إن لم يسمع الحديث من ابن عمر سمعه من غيره لحرصه على الخبر.
قال -رحمه الله-: "حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: "كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات" استبعاد بأن تلقى هذه الأحاديث على غير أهلها "كنا نحفظ الحديث عنه -عليه الصلاة والسلام-" بدون واسطة، وعنه بواسطة أصحابه ممن شهد في حال صغر ابن عباس؛ لأن ابن عباس وإن كان ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه كان صغير السن، توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولما يحتلم بعد، في الثالثة عشرة من عمره، ولذا يقرر بعض العلماء أن ما يرويه ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة إنما هو أربعة أحاديث، وابن حجر يقول: جمعت مما صح أو حسن إسناده إلى ابن عباس مما صرح فيه بسماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فبلغت نحو الأربعين.
كان ابن عباس يحفظ من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن الصحابة، والحديث يُحفظ إذا ألقاه الصحابي ابن عباس أو غير ابن عباس يحفظ من قبل من يسمعه، يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواسطة أو بغير واسطة، ويهتمون بذلك، ويعنون بنشره حينما كان الناس على الجادة، على البيضاء التي تركهم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأما بعد أن تشعبت بهم الآراء والأهواء، وركبوا في ذلك الصعب والذلول، ركبوا في ذلك المراكب الصعبة والمراكب السهلة فأحجم ابن عباس وغير ابن عباس عن تحديثهم؛ لأنه يخشى أن يفهموه على غير وجهه، أو يحفظوه على خلاف ما ألقي عليهم، فهم إذا سمعوا أي شيء تلقفوه، وأولوا معناه فركبوا في تأويله الصعب والذلول، ولم يتبينوا ويتحققوا ويتثبتوا من لفظه، فإذا وجد مثل هذا التساهل ووجد هذا التخوف بالنسبة لأناس بأعيانهم أو لمجتمعات بأعيانهم فإنه حينئذٍ لا يلقى عليهم الخبر لما له من الضرر البالغ في نفوس هؤلاء، ونفوس من يتلقى عنهم الذي ركبوا الصعب والذلول.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن عبدة قال: حدثنا حماد بن زيد عن مجالد" وهو ابن سعيد، وهو ضعيف كما تقدم، فالخبر ضعيف إسناده، ضعيف بسبب مجالد بن سعيد "عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا" شيعنا بمعنى أنه مشى معهم، فالتشييع هو المشي مع المشيع، سواءً كان حياً أو ميتاً، فتشييع الجنازة معروف، وتشييع العالم معروف، وتشييع الصديق والقريب معروف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام مع صفية ليقلبها شيعها إلى بيتها، ليرجعها إلى بيتها، فهذا تشييع.
"مشى معهم عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى موضع يقال له: صرار" موضع قريب من المدينة "فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟" لا شك أن وقع هذا المشي من قبل عمر -رضي الله عنه- في قلوبهم شديد، بحيث يحفظ جميع ما يحتف بهذا المشي، أنت إذا حدث في عمرك مناسبة فردة، لا نظير لها، زارك شخص لم تتوقع زيارته، كبير بالنسبة إليك، ثم تحدث معك بحديث، أو تُحدث في ذلك المجلس بحديث، هذا الحديث لن تنساه، ولن تنسى مناسبته، وكيف قيل؟ وكيف عرض؟ لأنك على غاية من التأهب للتحفظ، نعم.
"إلى موضع يقال له: صرار، فقال: أتدرون لما مشيت معكم؟ قلنا: لحق صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأننا صحابة نستحق مثل هذا التشييع "ولحق الأنصار" الأنصار لهم فضل على الأمة، وعلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، صدقوه حينما كذبه الناس، وآووه حينما طرده الناس، إذاً لهم حق، والأنصار شعار، والناس دثار، فهؤلاء لهم حق، فيشيعون من أجل هذا.
"قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم" لأن الممشى ممشى الخليفة مع هؤلاء يجعلهم يضبطون ما يدور حول هذا الممشى؛ لأنه ليس من الأمور التي تتكرر مراراً بحيث تنسى لكثرتها، هي مرة واحدة حصلت، فما احتف بها وقيل فيها لا بد أن يحفظ، يعني هل حفظ الإنسان لما حصل في ليلة زفافه مثل حفظه لما يحصل له في استراحات مع زملائه تتكرر إما أسبوعياً أو أكثر، أو شهرياً على مدى سنين، هل يحفظ ما حدث في تلك الليلة، ويحفظ مثله على مستواه ما حصل في هذه الجلسات مع الزملاء والأصدقاء؟ لا لا، ما يمكن، هذه ليلة فذة وفريدة، يُحفظ فيها ما لا يحفظ في سائر الليالي العادية؛ لأن الشيء الذي يعتاده الإنسان ويتكرر عليه لا يلقي له بالاً، يعني لو افترضنا أن شخص بيته مفتوح، ويدخل عليه أصناف الناس من العامة ومن طلاب العلم، ومن غيرهم من موظفين وكذا، ثم جاءه في يوم من الأيام أعظم عالم في الدنيا، أو أكبر ملك في الدنيا، هذه الليلة لن تتكرر، يعني ما جاي واحد ثاني مثل هذه الجيئة، ما زايره أحد على هذا المستوى، فهو يضبط ما دار في هذه القصة، ولذلك تسمعون بعض الطلاب يذكر عن وقائع حصلت له مع بعض الأشخاص؛ لأنهم كبار في نفسه، بينما يمر عليه مسائل وقضايا أهم من هذه القضية فينساها؛ لأن الطرف فيها ليس أثره مثل أثر ذاك.
"قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز" والهاء والهمز تتقارضان، الأزيز والهزيز بمعنى واحد، وأريقت وأهريقت أريقوا وأهريقوا لا فرق بينها.
"هزيز كهزيز المرجل" ولا شك أن المرجل القدر الذي فيه الماء يفور على النار يهتز، له هزيز، وله أزيز، له صوت ينبع منه، كهزيز المرجل، لتأثرهم بالقرآن، وهؤلاء الذين لم يروا النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين هذه صفتهم هؤلاء من التابعين الذين هؤلاء صفتهم، إذا جاءهم من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مدوا أعناقهم إليه، قال: "فإذا رأوكم مدوا أعناقهم إليكم" يتطاولون ليروكم، هؤلاء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأن هؤلاء إذا حدثتموهم حفظوا وحرصوا على الحفظ، ولن يفرطوا بشيء مما سمعوه منكم؛ لأنكم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكثير من المسلمين في سائر الأقطار يتطلع إلى المسلمين في هذه البلاد على أنهم أبناء الصحابة، فإذا أسلم المسلم الجديد، أو جاء التائب من تلك البلاد، أو جاء الزائر ليرى ما لم يكن يراه في بلاده، أو غيرها من بلاد المسلمين، ويتوقع أن الأمر على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، يأتي ليرى المجتمع المحمدي الذي لم يغير ولم يبدل، ثم إذا نزل المطار أي مطار سواء كان في يعني من مطارات هذه البلاد، ورأى ما رأى اختلفت عليه الصورة، وتغيرت حساباته، وبعضهم قد يصاب بصدمة، وبعضهم قد ينتكس بسبب تصرفات بعض الناس، ولا شك أنه هو المسئول الأول عن تصرفه، يعني قد يقال مثلاً: هل هذا معذور حينما انتكس لما رأى من مخالفات الناس؟ أبداً، هو المسئول الأول عن تصرفاته؛ لأنه هو المباشر لها، والمتسبب لذلك، لا يسلم عن مسئولية، فلا بد أن يكون على قدر يناسب المقام الذي يتوقع منه، فلا يكون سبباً في صد الناس عن دين الله، على الناس أن يلتزموا، أن يكونوا دعاة خير بأفعالهم قبل أقوالهم.
وعلى كل حال من انتكس بهذا السبب فهو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول عنها؛ لأن بعض الناس يحصل له موقف ثم يجعل التبعة على صاحب الموقف.
يأتي وقد ناهز الاحتلام وقاربه ليصف قرب الإمام ثم يأتي شخص كبير السن فيطرده، يصاب بردة فعل فلا يحضر إلى المسجد بعد ذلك، من المسئول عن هذا التصرف؟ هذا الشخص الكبير السن الذي طرده هذا متسبب، لكن هو المباشر لهذه الانتكاسة، فهو المسئول الأول، وذاك عليه أيضاً نصيبه، لكن لا يبرأ هذا من العهدة باعتبار أنه هو مكلف، وعليه أن ينظر في أوامر الشرع بغض النظر عن من يطبقها أو لا يطبقها.
شخص ماشي في حلقة تحفيظ مثلاً وحصل له مشكلة مع المدرس، أو مع بعض الطلاب ثم ترك، من المسئول عن تركه الحفظ؟ هو المسئول عن نفسه، لكن كون الإنسان يكون سبباً في مثل هذه القضايا لا يسلم من التبعة، لكن مع ذلك المسئول الأول هو الشخص نفسه الذي باشر الترك، وباشر هذه الانتكاسة.
"رأوكم مدوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-" وأهل هذه البلاد ينظر إليهم على أنهم أولاد الصحابة، فعليهم أن يكونوا على قدر هذه المسئولية، وألا يكونوا سبباً لصد الناس عن دين الله؛ لأن كثير من الناس في الأقطار والأقاليم البعيدة يأتون بهذا التصور، ثم يصابون بما يصابون به إذا وصلوا.
"فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما دام يمدون أعناقهم إليكم، ويتشوفون لرؤيتكم ومجالستكم، ويقولون: هؤلاء أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- فإنهم متهيئون للحفظ عنكم في جميع ما تتكلمون به، في الحديث وغير الحديث، يقول: فأكثروا من غير الحديث لأن الخلل فيه أمره يسير، لكن الإشكال في الرواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقلوا منها "فأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أنا شريككم" أنا شريككم في أي شيء؟ في الإقلال، يعني إن كان هذا الإقلال يترتب عليه إثم كتمان فأنا شريككم في هذا الإثم، إن ترتب عليه إثم كتمان، وهو يجزم بأنه ليس هناك كتمان، بل إن الأحاديث تصل إلى هؤلاء ووصلتهم، لكن هذا فيه الاحتياط للسنة، وهل هذا قريب من قول الله -جل وعلا-: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم} [(25) سورة النحل] هذا ليس بضلال، بل هو نفع وأجر محض له شركته منه؛ لأنه يتحرى ويتوقى في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث كما قلنا ضعيف بسبب ضعف مجالد.
قال: -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن السائب بن يزيد قال: صحبت سعد بن مالك" من سعد بن مالك؟ سعد بن مالك بن سنان أبو سعيد الخدري "صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث واحد" كل هذا سببه التحري والتوقي وخشية أن يقع أو يصدر من لسانه أو في كلامه ما لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا ينبغي على طالب العلم ألا يتساهل في هذا الأمر، وأن يكون شديد التحري، شديد التوقي لما ينسبه إلى الله ورسوله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"كيف يملكهم؟ يعني نصب نفسه ملكاً عليهم؟ هذا لا يعرف إلا لسليمان، هذا من خواص سليمان -عليه السلام-، لا يكون لأحد، ولا ينبغي لأحد، فعليه أن ينصرف وينشغل بما كلف به من تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأن يلازم الكتاب والسنة، ويعتصم بهما، ويترك مثل هذه الأمور؛ لأن مثل هؤلاء مجاهيل، لا يدرى ما ورائهم، وجرت العادة أنهم يستدرجون الناس، يقدمون خدمات لبعض الناس، ثم إذا تورط صار لا يستطيع أن يرجع عن هذه الخدمات التي قدمت له، وقدمها لغيره، انسحبوا عنه، فطلب ذلك بالحرام بعد أن كان بدون مقابل، والله المستعان.
هذا ليس بقصير.
يقول: وهناك طريقة يعملها الأطباء تقوم بإطالة الجسم في حدود تسعة سانتي فهل هذا حرام؟
على كل حال إذا كان القصر مما يقذره الناس به، ويعيبونه به، وينبزونه به، فهذا له وجه، أما إذا كان في الطول الذي يذكره هذا لا شك أن الزيادة تغيير لخلق الله.
أقول: الرجل ليس بحاجة إلى مثل هذا التصرف، أما إذا كان السائل امرأة، وزوجها يقذرها بذلك، وهي تريد أن تتزين به، بالصف، بالترتيب لا بالتفليج، لا بالزيادة والنقص هذا يُرجى إذا كان مجرد تقويم لا بتفليج ولا بغيره، تعديل سن مائل يعدل لا بأس، وما عدا ذلك فالأصل أن يبقى كل شيء على حاله.
سببه الجهل بأحكام الدين وآدابه، وتنزيل بعض الأحكام في غير منازلها، فالهجر لا شك أنه شرعي، وعلاج لبعض الناس إذا كان يجدي فيهم، وأما إذا كان لا يجدي، والصلة هي الأنفع فهي المتعينة ((ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً، ولو أن يلق أخاه بوجه طلق)).
والله ما أدري هل يمكن أو لا يمكن؟
وكيفية هذه الخدمة، يقول باللغة العربية، وقد كتب اسمه بغير العربية.
إذا كان الوالد لم يقم بما أوجب الله عليه تجاه أسرته فعليك أن تقوم به أنت، لكن بالأساليب المؤثرة النافعة التي لا يترتب عليها مفاسد، وأما بالنسبة للفتور في الطلب فعليك أن تجتهد وتجد، وتقرأ ما جاء في هذا الباب، في باب الحث على طلب العلم، ومنزلة العلم والعلماء في الدنيا والآخرة، وتقرأ ما في سير أهل العلم، وكيفية صبرهم على التحصيل، وبذلهم وهممهم العالية، إذا قرأت في هذا نشطت.
أولاً: الأقسام الثلاثة الصحيح والحسن والضعيف موجودة في كلام الأئمة، يعني قبل البخاري، وفي عصر الإمام أحمد، وقبل الإمام أحمد، يُعرف الحديث الحسن، لكن الحصر في القسمة الثلاثية أول من حصر الخطابي -رحمه الله تعالى-، الخطابي هو الذي حصر القسمة في الثلاثة الأقسام، وأما الأقسام فهي معروفة، الصحيح معروف، والحسن معروف، والضعيف معروف، والمضطرب معروف، والمعل معروف، والمرسل معروف، كلها معروفة، فالحصر في قسمين ماذا يريد أن يجعل الحسن؟ إن أدرجه في الصحيح تساهل وأدرجه في الصحيح على طريقة ابن خزيمة وابن حبان، فلا شك أن هذا ضرب من التساهل، إن قال: هو صحيح وهو لا يصل إلى درجة الصحيح هذا تساهل.
طالب:........
انتهينا ما في إشكال، إذا قلت: الأقسام اثنان: الصحيح وهو قسمان، ثم الضعيف ما سوينا شيء، ما رحت بعيد، سواءً جعلت ألف وباء وإلا واحد واثنين وثلاثة، ما يفرق، المقصود أن الحسن في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، لا يلحق بالصحيح، ولا ينزل إلى الضعيف، والمسألة اصطلاح.
وأنا أقول للأخ ياسر: أعتذر عن تلبية هذه الدعوة لأنني لم أخرج عن هذه البلاد، وليس في النية الخروج لا للسودان ولا لغيره.
يقول: فنحن أحوج ما نكون للدعوة والإرشاد في تلك الفترة؟
ومن طلاب العلم والمشايخ وأهل العلم من يلبي مثل هذه الدعوة، وفيهم الخير والبركة -إن شاء الله تعالى-، علماً أن في السودان من طلاب العلم ممن نعرفه يمكن أن يقوم بهذه المهمة.
يقول: في تلك الفترة التي اشتدت الفتن في السودان، كما نعاني من ظواهر غريبة في السودان مثل التبرج والقش.
ما أدري ويش هذه القش وإلا الغش؟ يمكن يريد القش؛ لأن بعض الجهات يبدلون الغين قاف، وبعضهم العكس، وبعضهم يسمي الغش قش، وقال يقول: غال، بعضهم بعض الجهات نعم، لعل مراده بالقش الغش.
والرشاوى، وكثير من العادات التي لم تكن يوماً من أهلنا في السودان؟
على كل حال التغير موجود على مستوى الأمة كلها، وفي بلاد الإسلام قاطبة، التغير، وما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه، لكن المسألة مسألة مدافعة، وتقليل للشر بقدر الإمكان بالطرق المتاحة، والأساليب المناسبة الناجعة.